بالفيديو: بيوت "قرى الكراسي" وقلاعها.. عندما حكم الفلسطينيون أنفسهم لمصلحة الدولة العثمانية

مع نهاية الحكم المملوكي لفلسطين، ودخول الحكم العثماني نهاية عام 1518 وبداية عام 1519، لم تغير الدولة العثمانية النظام الإداري الموجود زمن الحكم المملوكي، وأبقت القوى السياسية والإدارية التي تحكم في فلسطين كما هي.

رام الله – كان في فلسطين قرابة 24 قرية تعرف بقرى الكراسي، نسبة إلى كراسي الحكم لشيوخ عشائر وقبائل وإقطاعين مدعومين بعشائر قوية وإقطاعية، ويمثلهم شيخ إقطاعي، يسيطرون على مساحات واسعة من الأراضي المحيطة بهم ويحكمون الناس فيها، كممثلين للدولة العثمانية في مناطقهم.

ومع نهاية الحكم المملوكي لفلسطين، ودخول الحكم العثماني  نهاية عام 1518م وبداية عام 1519م، لم تغير الدولة العثمانية النظام الإداري الموجود زمن الحكم المملوكي، وأبقت القوى السياسية والإدارية التي تحكم في فلسطين كما هي.

كانت المنطقة الممتدة على الجبال الوسطى في فلسطين -وهي مناطق حكم قرى الكراسي- تشتهر بالزراعة بوجه عام مثل الزيتون والتين والعنب واللوز وغيرها، وهناك مناطق أخرى تزرع بالحبوب المختلفة، وكان للسكان بعض النشاطات التجارية المحدودة.

ومن أبرز قرى الكراسي قرى بني زيد المختلفة، كقرية دير غسانة وراس كركر وعبوين وعارورة وكفر عين وعابود ودير نظام وبرهام وجيبيا وغيرها.

مدخل البلدة القديمة من قرية دير غسانة شمال غربي رام الله التي كانت إحدى قرى الكراسي أيام الحكم العثماني (الجزيرة)

ويقول الباحث رامي البرغوثي للجزيرة نت إن دار المشيخة كان مطلوبا منها جمع الضرائب من المزارعين والتجار، وتوفير الأمن للسكان، وتوفير عسكر للدولة العثمانية في حال احتاجت إلى ذلك؛ كون المنطقة الفلسطينية لم تكن فيها قوات عسكرية منظمة.

الحكم للأقوى

وكان هناك شيوخ قبائل تتصرف بالضرائب، بإعطاء قسم منها للدولة العثمانية، وآخر يبقونه لأنفسهم ليقووا نفوذهم وسيطرتهم في مناطقهم. وكانت أعداد هذه القرى تزيد وتنقص حسب النفوذ الممتد للعائلات وسيطرتها على قرى أخرى أو استقلال قرى عن غيرها.

وكانت قرى الكراسي في فلسطين تحكم بطريقتين، وفق الباحث التاريخي رامي صخر البرغوثي؛ الأولى بالتوريث من الأب لابنه، والثانية عن طريق نتائج الصراعات التي تحتدم بين العشائر المختلفة، أو أفراد العشيرة نفسها، وهذا واضح من خلال انتقال الحكم من فرد إلى آخر سواء في العشيرة ذاتها أو من عشيرة إلى أخرى على مر حكمها.

صور للساحة الموجودة وسط قرية دير غسان إحدى قرى الكراسي في فلسطين (الجزيرة)

ويصف البرغوثي طريقة الحكم في ذلك الوقت بأنها للأقوى، سواء الشخص داخل عشيرته أو العشائر الأقوى في المنطقة ذاتها، وكأن الدولة العثمانية تركت هذه المنطقة تحكم نفسها بنفسها وتقلع شوكها بيدها، وتتعامل من هو في كرسي الحكم، الذي يحقق أهدافها.

دار الحكم

وكانت قرى الكراسي عادية في البناء إلا أن مميزاتها وجود دار أو مقر للحكم مرفق به مضافة لاجتماع الناس فيها، أو أبنية للنشاطات السياسية والإدارية والتجارية والاقتصادية وحتى الثقافية والدينية المختلفة، ولها مميزات إدارية تختلف عن القرى الأخرى.

وتجد دار أو قلعة المشيخة في كل قرى الكراسي، وكانت تؤدي دورا إداريا، وفي دير غسانة -حيث وجودنا- تجولنا في دار الشيخ صالح البرغوثي التي بنيت في قلب البلدة القديمة وأمامها ساحة فيها بقية المؤسسات الإدارية الأخرى، مثل المسجد للقضايا الدينية والكتاب أو المدرسة أو المضافة وغيرها.

صور للبيوت والأبواب الخشبية والأسوار في قرى الكراسي المنتشرة على الجبال الوسطى في فلسطين زمن العثمانيين (الجزيرة)

وداخل القرية هناك أحواش مختلفة تسكنها عائلات القرية، وفي دار المشيخة قسم خاص بالرجال يعرف باسم "السلملك" -وفق التسمية العثمانية- وآخر خاص بالنساء يعرف باسم "الحرملك" محجوب ومعزول عن المناطق الخارجية التي يعيش فيها الشيخ، وهناك باب خاص لخروج النساء فقط ودخولهن.

إهمال وهجرة

توقفت ظاهرة قرى الكراسي مع بدايات القرن الـ20، مع انهيار الدولة العثمانية، ووجود حراكات فلسطينية سياسية واجتماعية مختلفة. ومع بداية الاحتلال الإسرائيلي دمّر مجموعة من القلاع والبيوت الأثرية في قرى الكراسي لأن منها ما هو مطل على طرق ومناطق فلسطينية واسعة، استخدمها الاحتلال لتحركاته العسكرية.

واليوم تشهد قرى الكراسي إهمالا بوجه عام لأن سكان قرى الكراسي معظمهم هاجروا خارج فلسطين تجاه الدول الخليجية أو الأوروبية والأميركية أو تجاه مدينة رام الله، وهو ما سبب إهمالا لمبانيها.

صور دار المشيخة أو قلعة الحكم في دير غسانة التي تحاكي قلاع الحكم في قرى الكراسي المختلفة بفلسطين (الجزيرة)

ولكن مع ترميم المؤسسات والأفراد بعض البيوت القديمة، والحفاظ عليها وإعادة تأهيلها، أدرجت قرى الكراسي أخيرا على قائمة التراث الإسلامي لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو".

ونحن نتجول في قرى دير غسانة شاهدنا السيدة أحلام البرغوثي ترمم منزلها القديم الذي اشترته من أحد أفراد العائلة، وتقول للجزيرة نت إن قريتها تحوي مناطق أثرية كثيرة ولكنها بحاجة إلى ترميم وهو مكلف ماليا، وهذا يؤدي إلى انهيار المباني، إلا أن ترميم البيوت القديمة يجعلها أجمل.

وأضافت البرغوثي إلى بنائها القديم بيتا حديثا وشرعت في ترميم القديم الذي تعدّه ضاربا في التاريخ، وجدرانه تحكي قصصا عن مئات السنين، تثبت الوجود الفلسطيني المتأصل في هذه الأرض وتنفي الروايات الصهيونية الاحتلالية.

المصدر : الجزيرة