أوريان 21: هذه هي شخصيات "اليسار الإسلامي" المنسية في فرنسا

يستعرض تقرير المجلة الفرنسية شخصيات ثقافية فرنسية بارزة أبدت إعجابها بالثقافة الإسلامية وسجلت مواقفها المناهضة للإسلاموفوبيا

من اليمين: الجنرال والسياسي هوبير ليوتيي،عالم الاجتماع جاك بيرك الكاتب، الشاعر والسياسي ألفونس دي لامارتين، والمسرحي والكاتب فولتير (الصحافة الأجنبية)

يستخدم اليمينيون في فرنسا مصطلح "اليسار الإسلامي" عند الحديث عن أوجه الاتفاق والتحالف السياسي المزعوم بين الإسلاميين واليساريين في البلاد، وخاصة حول قضايا كالحجاب واستقبال اللاجئين.

ولكن على مر تاريخ فرنسا كان هنالك سياسيون ومثقفون حاولوا الذهاب بعيدا في اكتشاف الإسلام، وابتعدوا عن خطاب الإسلاموفوبيا الذي كان سائدا.

ويقول آلان روسيو، المؤرخ ومدير أعمال "موسوعة الاستعمار الفرنسي"، في تقرير نشره موقع "أوريون 21" الفرنسي Orientxxi، إنه خلال ثلاثينيات القرن 19، وصلت بعثة استكشافية مهمة إلى سواحل الجزائر، ونزلت إلى اليابسة مدفوعة بعقلية الحملات الصليبية والرغبة في اجتثاث الحضارة الموجودة هنالك منذ عقود، وتدمير ما يعتبرونه وجودا بربريا.

ولكن وسط هؤلاء "الأسياد الجدد"، لم يكن الجميع مدفوعين بنفس الهواجس. فقد كان من بينهم المؤرخ والفيلسوف الفرنسي جاك برتيليمي سالغ (1760-1830)، الذي ألف في ذلك العام كتيبا صغيرا مدهشا يهدف إلى دحض الأحكام المسبقة، وقد جاء محتواه في شكل حوار بين شابة مثقفة وفيلسوف.

ويدور الحوار حول حقيقة الإسلام والنظرة السائدة حول الأتراك (الذين كان يتم الخلط بينهم وبين المسلمين بشكل عام في أوروبا)، وتوضيح معنى كلمة إسلام التي تفيد في اللغة العربية الخضوع لله. إضافة إلى دحض التشويه الذي تعرضت له شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم على يد فولتير والعديد من المتعصبين الذين وصفوه بأنه قاطع طريق.

ورأى فولتير النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في البداية أنه "متعصب" ديني نموذجي، وذلك في مسرحية حملت اسم "محمد" والتي قيل إنها كانت رمزية قصد منها إسقاط على شخصية فرنسية أخرى ليتسنى له تمريرها ويتجنب رقابة الكنيسة، ومع ذلك تراجع فولتير عن رؤاه السلبية عن نبي الإسلام الذي اعتبره في أعمال لاحقة عدوا للخرافات، وأثنى عليه ممتدحاً دينه الذي ليس فيه طلاسم أو ألغاز، ويحرم القمار والخمر ويأمر بالصلاة والصدقة، بحسب كتاب "وجوه محمد: التصورات الغربية عن نبي الإسلام من العصور الوسطى حتى اليوم" للمؤرخ والأكاديمي الفرنسي جون تولان.

عائلة لامارتين في الشرق

بعد ذلك بفترة قصيرة، بين يوليو/تموز 1832 وسبتمبر/أيلول 1833، سافرت عائلة الشاعر والسياسي الفرنسي ألفونس دي لامارتين إلى الشرق، حيث زار لبنان وسوريا وفلسطين والقدس، والتقى شخصيات عربية في لبنان وتبادل معها الحديث عن الشعر والأدب، وألقى قصيدته الملحمية (سقوط ملاك) La Chute d’un ange في لبنان عام 1838.

هذا الرجل الذي كان من السياسيين الداعمين لسيطرة فرنسا على الجزائر، كتب خلال تلك الرحلة ملاحظات في دفتره حول الإسلام، مختلفة تماما عن مواقفه السابقة. حيث أثنى على أخلاق المسلمين وتسامحهم واحترامهم. وطالب بتصحيح النظرة حول العقيدة المحمدية، قائلا إنها لم تفرض على الإنسان سوى شيئين فقط هما الصلاة وفعل الخير.

ويعد دي لامارتين واحدا من أكبر شعراء المدرسة الرومانسية، وتولى رئاسة الحكومة المؤقتة بعد ثورة 1848 بفرنسا، وأقام مدة في إزمير التركية وتأثر بزيارته للشرق كثيرا، قبل أن يصبح من كبار مؤيدي الثورة الفرنسية التي أطاحت بالنبلاء الأرستقراطيين وامتيازاتهم رغم أنه كان واحدا منهم.

كتب ألفونس دي لامارتين في كتابه تاريخ تركيا (1854)، "إذا كانت عظمة الهدف وصغر الوسائل والنتائج المذهلة هي المعايير الثلاثة للعبقرية البشرية، فمن يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد؟"، وأضاف "لم يحرك هذا الرجل الجيوش والتشريعات والإمبراطوريات والشعوب والسلالات فحسب، بل حرك ملايين الرجال في ثلث العالم الذي كان مأهولًا آنذاك".

وأكد دي لامارتين في كتابه أن النبي محمد لم يناضل من أجل مجد إمبراطوري وإنما لعقيدة تأسست على وحدانية الله، وأسس لعبادة دينية بلا صور وإمبراطورية روحية، بحسب تعبيره.

فيكتور هوغو

أما الأديب فيكتور هوغو فقد كتب الكثير من الانتقادات حول الإسلام والمسلمين، وكان في مواضع أخرى له مواقف مناقضة تماما.

فرغم أنه كان يساند بشكل تام الغزو الأوروبي، ويعتبر أن مهمة الرجل الأبيض هي غزو أفريقيا الأرض الخصبة ونشر الحضارة فيها، وابتهج أيضا عند استعمار الجزائر، كتب في المقابل أبياتا شعرية مؤثرة أثنى فيها على النبي محمد، متحدثا عن خشوعه وصبره وتواضعه، قائلا إن النبي محمد كان يحلب أغنامه بنفسه، ويجلس على الأرض ويخيط ثوبه.

ومن خلال محاورة جمع فيها بين الخليفة عمر بن الخطاب والقديس يوحنا الإنجيلي، وضع الشاعر الفرنسي فيكتور هوغو الإسلام ضمن منظور إنساني عالمي، ووقف في وجه الحملة الإعلامية التي أعقبت اغتيال القنصل الفرنسي ونائب نظيره البريطاني بمدينة جِدة عام 1858، وذلك بقصيدة له غير شهيرة بعنوان "الأرز" من ديوانه "أسطورة القرون"، بحسب تقرير سابق لأوريون 21.

هيوبار لوتيي ومحراب باريس

وأضاف الموقع أن شخصية أخرى بارزة في التاريخ الفرنسي هي الكولونيل البارز هوبير ليوتيي، الجنرال الفرنسي وأول مقيم عام بالمغرب بعد احتلاله من 1912 حتى 1925 الذي ارتبط اسمه باحترام الإسلام، رغم أن مواقفه كانت أحيانا تعكس دوافع سياسية وليست إنسانية.

وأثناء احتفالات تدشين محراب مسجد باريس، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 1922، ألقى ليوتيي، كلمات مؤثرة حول رأيه في الإسلام، قائلا إن فرنسا والمسلمين هما قوتان كبيرتان ونبيلتان، يجب أن يحصل اتحاد بينهما دون تبعية ولا عنف أو تدمير، بل في كنف النظام والاحترام، والاعتراف بالاستحقاقات الشرعية ووحدة الدول.

وأضاف الموقع أن إحدى الشخصيات المعاصرة لهذا الجنرال، والتي كانت تربطها به صداقة كبيرة، هي الكاتبة والمستكشفة السويسرية إيزابيل إيبرهارت، التي اعتنقت الإسلام واستوطنت في منطقة المغرب العربي، إلى حين وفاتها في حادث في عام 1904. وقد كتبت في إحدى مؤلفاتها، واصفة شعورها عند سماع الآذان، والاستمتاع في الفجر بسماع عبارة "الصلاة خير من النوم".

خلال قراءاتها المتعددة في أوروبا، تمنت أن تحيا في مكان آخر في شمال أفريقيا، تحديدا في الجزائر، وكتبت تقول إنها هناك ستولد من جديد، لكنها اضطرت للانتظار حتى أتمت الـ20 من عمرها.

سافرت مع أمها إلى الجزائر، وهناك اعتنقت الإسلام، وارتدت زي رجل بدوي، واتخذت لنفسها شخصية من صنع خيالها "سي محمود السعدي"، وانطلقت على حصانها في صحراء الجزائر التي كانت محتلة من قبل الفرنسيين، وكتبت العديد من القصص الصحفية والأدبية، التي تتحدث عن الواقع الجزائري ومعاناة المرأة الجزائرية ومقاومة الاحتلال باسم سي محمود السعدي، وكانت دائما تمثل عنصر قلق للفرنسيين، حيث انضمت لأعمال المقاومة في الانتفاضات الجزائرية.

جاك بيرك

وذكر الموقع أن واحدا من المواقف الهامة في تاريخ فرنسا حول الإسلام، صدرت عن عالم الاجتماع والباحث في شؤون الإسلام في فرنسا جاك بيرك، الذي وجه له أحد الصحفيين سؤالا في 1993، حول إمكانية حدوث "اندماج طبيعي" للإسلام في المشهد الفرنسي. وقد جاء رد جاك بيرك بالحديث عن حدوث "اندماج تاريخي" للإسلام، مؤكدا وجود "إسلام فرنسي يتزايد حضوره يوما بعد يوم، دون أن يستوعب الناس هذا الوضع".

وعرف بيرك الذي توفي سنة 1995 بكتاباته ومواقفه السياسية والأدبية والفكرية التي تبنت الدفاع عن القضايا العربية والفكر العربي، كما كون العديد من الصداقات في العالم العربي التي لا تزال تدين له بالوفاء.

وفي الختام علق الكاتب بالقول "اليوم بعد مرور 30 عاما على ما قاله بيرك، ظهرت العديد من المفاهيم الرديئة حول الإسلام، وتفشت بعض المواقف مثل الغضب والاستنكار لارتداء الحجاب، والادعاء أن هذه القطعة من القماش ستتسبب في زعزعة قيم الجمهورية، إلى جانب تركيز الصحف الصفراء على مشاكل الأحياء التي يعيش فيها المسلمون، والحديث عن قوانين الشريعة الإسلامية، مع التمجيد المتكرر وغير البريء للجذور اليهودية-المسيحية لفرنسا".

وأشار الكاتب أيضا إلى تكاثر ظهور دعاة النضال ضد الإسلام على القنوات التلفزيونية الفرنسية، حيث تتكرر دعوة نفس الأشخاص الذين يدعون أنهم يناضلون ضد ثقافة الفكر الواحد، وهم في الحقيقة ينشرون الخرافات حول الآخر، ويتسببون في انقسام متزايد في المجتمع الفرنسي، ويؤكدون وجود فكر استئصالي لا يمكن إخفاؤه، وهو ما يؤدي إلى حتمية صدور رد فعل عن المسلمين الذين يعيشون في فرنسا، يختم الكاتب.

المصدر : أوريان 21 + الجزيرة + الصحافة الفرنسية