الجائحة إلهاما وإبداعا.. أدباء مغاربيون يتدبرون القراءة والنقد

كومبو يجمع بين ما يصلح من صور: الكاتب والروائي مصطفى لغتيري، مغربي الشاعر محمد بنيس، مغربي الكاتب محمد صوف، مغربي الأديبة التونسية ابتسام بنت عبد الرحمن الخميري
من اليمين الكاتب المغربي محمد صوف والأديبة التونسية ابتسام بنت عبد الرحمن الخميري والكاتب والروائي مصطفى لغتيري والشاعر محمد بنيس (مواقع التواصل الاجتماعي)

لزمن طويل قبل انتشار فيروس كورونا، كان موضوع الوباء تقليدا أدبيا مبثوثا في التاريخ الأدبي، وتناول عدد من الروائيين والشعراء قصصا إنسانية تتراوح بين الألفة والفراق، ومشاعر من فقد حبيبه بالوباء، وكذلك المحاصرين في الحجر الصحي أو الخائفين من العدوى أو الفارين من الموت.

فقصيدة شعرية أو قصة أو متن حكائي أو أي عمل روائي، كلها قد تؤرخ لزمن يسهم فيه الأدب بدوره، فلكل جنس إبداعي دوره في مخيال القارئ بعد المؤلف. وحتى لو تأخر العمل، فالأدب أو الإبداع ليس عملا ميكانيكيا، بل يقتضي إلهاما واشتغالا على المادة بأريحية وثقة وإبداع وحتى عنفوان.

وحين نقرأ الأعمال المشهورة التي أرخت للأوبئة، مثل "الطاعون" لألبير كامو، و"الحب في زمن الكوليرا" لغارسيا ماركيز، و"إيبولا" لأمير تاج السر، نكتشف أكثر عن أزمنة الأوبئة، ونستحضر الظروف الصعبة التي مر منها الإنسان، وكذلك الحال في عصرنا مع كورونا.

فالأدب له مساهمته في تأريخ اللحظة وإثراء المجال، وكل مبدع هو ابن بيئته، يستلهم منها المعيش اليومي والواقع لكن بقراءة المبدع، وبجمالية إبداعه، ومن هنا يحاول الأديب المغربي كذلك أن يبصم باسمه في عالم الأدب زمن الوباء.

الأدب والجائحة

يقول الناقد والكاتب محمد صوف في تصريح للجزيرة إن "الأديب ابن بيئته، وما تفرزه الجائحة سينعكس حتما على العملية الإبداعية، والحديث يروج الآن عما بعد الجائحة، كما راج عما بعد الحرب الأولى والثانية، هي حرب ضد مجهول. لا أسلحة فيها ولا مواجهة، بل بحث عن الحماية بالوسائل المتاحة".

ويضيف صوف "كما أنتجت الحروب السالفة الذكر أدبا يؤرخ لها على كافة المستويات، اجتماعية وسياسية ونفسية، ستنتج هذه الحرب الفريدة من نوعها حتى الآن أدبها. والأدب المغربي حاليا، كالأديب وكالمواطن، ينتظر. ومن المعلوم أن الأوبئة والأحداث الكبرى لا تفرز أدبها على الفور".

وتقول الأديبة التونسية ابتسام بنت عبد الرحمن الخميري في تصريح للجزيرة نت "إن الجائحة غيّرت نمط حياتنا، أحببنا أم كرهنا، وها هي بدأت تغيّر مسار الأدب العربي والعالمي في آن واحد، هذا التغيير ظهر على مستويين: أولا، موضوع الكتابة (الشعر أو السرد) فكانت الأقلام تتسارع إلى تأريخ أيام الجائحة وما عاشه ولامسه المبدع، فبدت الأقلام (جلها) متوجهة إلى رسم المعاناة وقتامة الواقع..".

وتواصل الكاتبة "وجب الإشارة إلى أن الأدب عربيا كان أو عالميا قد توجه نحو إحياء القيم الإنسانية مثل التسامح والسلام والتعايش السلمي.. كأن الجائحة هي فترة تصالح الإنسان مع إنسانيته التي أوشكت على الاضمحلال. وهو شيء إيجابي" ويمثل المستوى الثاني.

ويرى الشاعر محمد بنيس أن واقع الوباء في العالم إنذار بالدمار، فهو أمر غير اعتيادي، وكان منتظرا بالنسبة إلى جميع المعارضين لسيادة الهيمنة، كما تتجلى في طغيان العولمة وما بعد الحداثة.

ويتابع أن كتابات عدة صدرت عن علماء في الغرب، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، وصرخات منظمات الدفاع عن البيئة تصاعدت، وإنذارات أطلقها الكتاب والمبدعون. فوجود هذا الوباء، وانتشاره بالسرعة التي تم بها، هو من نتائج العولمة وما تبعها من هيمنة قيم ما بعد الحداثة.

الإنتاج الأدبي وعصر الرواية

مهما استفحلت أزمة القراءة، وفق الكاتب محمد صوف، فالإنتاج الأدبي لا يتوقف. ويقول صوف "في زمن نعتبره زمن ازدهار للأدب كانت ثمرات المطابع قليلة. في بداية الثمانينيات مثلا كانت تصدر رواية أو روايتان في السنة، وكانت القراءة تعيش طفرة مقارنة مع اللحظة الراهنة، الآن تصدر يوميا روايات في كل أنحاء البلاد تتجاوز في عددها ما كان ينشر في سنة".

صحيح أن الرواية تسود الآن، حسب الكاتب المغربي، ويزكي ذلك الجوائز التي ترصد لها سنويا من طرف عدة مؤسسات، تمنح مكافأة مجزية للفائزين، وهذا يشجع على كتابة الرواية ويشحذ خيال كتابنا.

ويضيف الكاتب صوف أن القصيدة مقارنة مع الرواية تتراجع، الناس يميلون إلى السرد أكثر من ميلهم إلى الشعر، رغم أن لدينا تراثا شعريا لا يشق له غبار، ومع ذلك فعدد الشعراء يتزايد.

وتوافق الكاتبة التونسية ابتسام على كونه زمن الرواية، "فعلا نحن في عصر الرواية، أنا شخصيا أصدرت روايتي الأولى "العاتي" خلال هذه الفترة رغم أنني أصدرت دواوين شعرية، فنحن كنا ولا نزال في عصر الرواية وسنظل".

وتضيف أن "السبب أن الرواية هي المرفأ الوحيد الذي نرتاح عنده من حين لآخر لنبحث عن بعض ذواتنا في شخصية ما نقرؤها بين السطور، فهي تصف وتؤرخ فتسعدنا وتبكينا وتخبرنا.. هي عوالم متعددة".

وتواصل "لا ننسى أن الرواية هي التي فجرت الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر.. وروايات عديدة كان لها مفعول السحر في تغيير نمط حياة الإنسانية.. أما الشعر، وللأسف الشديد، فدوره يسير نحو التلاشي، لنقل فقد دوره كما كان حيث كان الشاعر له دور المصلح الاجتماعي والمصلح بين أطراف النزاع".

النقد الأدبي المغربي

النقد الأدبي في المغرب، وفق الكاتب صوف، حتى الآن "يتطلب جهدا قد لا يتوفر للكثيرين، لا سيما أن العملية النقدية يستفيد منها أكثر طلاب الجامعات لإنجاز بحوثهم. والنقد عندنا يدخل في إطار خاص، فالدراسات النقدية تنجز لأغراض ما، ويكتب النقاد على قلتهم عن أساتذتهم وأصدقائهم، إضافة إلى ذلك فالعملية النقدية عندنا لا تخلق لدى القارئ فضول قراءة العمل. لذا فدور النقد يبقى محدودا مقارنة مع الإبداع".

أما الكاتب والروائي مصطفى لغتيري فيرى في حديثه للجزيرة أنه لا ريب في أن جائحة كورونا قد فاجأت الجميع وأربكت حسابات الناس بمن فيهم المثقفون، ففي ظرف وجيز انتقل الناس من مجرد متفرجين على الوباء والأرقام، التي تجود بها وسائل الإعلام، إلى معنيين به بشكل مباشر.

ومن الطبيعي جدا أن يتأثر المبدع بهذه الأجواء سلبيا وإيجابيا، حسب لغتيري، محاولا بذلك التفاعل مع هذا المعطى الجديد حياتيا وإبداعيا، لذا رأينا أن كثيرا من النصوص التي استلهمت هذه الجائحة تنتمي إلى مجموعة من الأجناس الأدبية، أهمها الشعر والقصة القصيرة جدا، علاوة على المقالات التي اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي بوتيرة مرتفعة.

الأدب في ظل الجوائح والأوبئة

يضيف الكاتب لغتيري للجزيرة "إن الأدب في تماس متواصل مع جميع ما يحدث في الواقع، وقد كانت الأوبئة أحد المواضيع التي استأثرت بلب المبدعين فكتبوا عنها في نصوص خلدت تلك الأحداث الاستثنائية".

ومن نافل القول إن كل الأحداث الكبيرة أثرت في الأدب بصفة عامة، فالأدب ظاهرة اجتماعية تتأثر سلبا وإيجابا بكل ما يحدث محليا وعالميا، لهذا فهذا الحدث المفصلي الكبير أثر وسيؤثر على جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن البديهي جدا أن تؤثر في الأدب المغاربي والعربي والعالمي.

وإذا كانت النصوص القصيرة شعرا وقصة قد تأثرت بشكل مباشر، وبدا ذلك في نصوص تنشر هنا وهناك، فإن الرواية تحتاج إلى بعض الوقت لتتأمل الظاهرة بنوع من العمق والحياد، حتى تستطيع استثمارها بشكل فعال.

أما الكاتبة التونسية ابتسام فتقول "للأسف، لم يتناول الأدب العربي موضوع الأوبئة كما وجب خلافا للأدب العالمي، فعندما اجتاحتنا هذه الكارثة الإنسانية، السواد الأعظم منا هرع إلى ما كتب عن الأوبئة فما وجد إلا بعض الكتابات المحتشمة والتي لم تجد رواجا كما وجب، وهي قليلة جدا"..

الجائحة إلهاما للمبدع

يقول الكاتب لغتيري "كل الظواهر الاجتماعية يمكنها أن تلهم المبدعين، وبالطبع يمكن لهذه الجائحة أن تخلف عددا من النصوص التي تستلهمها، لكن ذلك يحتاج إلى كثير من الوقت بالنسبة للرواية، فيما يمكن للقصة القصيرة والشعر أن يتفاعل معها بشكل أسرع".

وفي هذا الصدد يمكن ذكر المجموعة القصصية "كورونيات عسر الفهم" للقاص المغربي حسن برطال، وحتى في مجال الرواية ظهرت بعض المتون كرواية "كورونا بين قلبين" للكاتبة نورة الصديق.

من جانبها تقول الكاتبة التونسية "الجائحة كانت إلهاما لأغلب المبدعين، فظهر ثراء في إنتاجاتهم وأعمالهم الأدبية، وعليه صدرت خلال هذه الفترة عدة دواوين ومجاميع قصصية وروائية ودراسات نقدية".

لكن الكاتب لغتيري، في لقائه بالجزيرة، يستدرك مشيرا إلى أن النقد يعاني من صعوبات عديدة، أهمها "أنه نقد أفراد ولم ينجح في خلق مؤسسة نقدية تشتغل ضمن برنامج طموح ومتواصل، فكل ناقد له برنامجه الخاص، وهذا ما يجعل النقد بعيدا عن الاحتراف".

وهكذا هي موضوعات الأدب في تنوعها، تعبر عن نزوع إنساني نحو التنوع الذي لا يخلو من تسجيل ذاكرة المعاناة واستدعاء ذكريات العالم مع الأوبئة القديمة والمعاصرة.

المصدر : الجزيرة