أبرز معالم بغداد الثقافية.. شارع المتنبي يزهو بحلته الجديدة بعد طول إهمال

شارع المتنبي تعرّض عام 2007 لتفجير بسيارة مفخخة خلّف عشرات القتلى والجرحى، وتسبب بتدمير المحال القديمة التاريخية ومن بينها مقهى الشهبندر.

ترميم شارع المتنبي وتأهيله استغرق عدة أشهر (الجزيرة)

بغداد- بعد ترميم وتأهيل استغرق عدة أشهر، أعادت السلطات العراقية -السبت الماضي- افتتاح شارع المتنبي العريق وسط العاصمة بغداد بحلته الجديدة، وسط أجواء احتفالية وحضور كبير.

وهذه أول احتفالية تقام ليلا في الشارع بعد أن اعتاد رواده من الفنانين والأدباء والطلاب ارتياده صباح كل يوم جمعة، للاستمتاع بالفعاليات الفنية والثقافية التي يحتضنها، وتصفّح مختلف العناوين الأدبية التي تعرضها أكشاك بيع الكتب المنتشرة على طول الشارع.

عراقيون يلتقطون صورا تذكارية عند تمثال الشاعر أبو الطيب المتنبي (الجزيرة)

وعلى مقربة من تمثال الشاعر أبو الطيب المتنبي الذي أطلق اسمه على الشارع عام 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول، اجتمع رواد الثقافة والأدب ليحتفلوا بإعادة افتتاح الشارع بعد ترميمه بدعم من مبادرة تمكين للبنك المركزي العراقي ورابطة المصارف العراقية، ضمن مشروع نهضة بغداد الذي أطلقته أمانة بغداد لتجميل شوارع العاصمة وأماكنها التراثية.

أطلق اسم المتنبي على الشارع عام 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول (الجزيرة)

فعاليات متنوعة

وزينت أرصفة شارع المتنبي وجدرانه بالأنوار، كما تخللت ليلة الافتتاح تقديم العديد من الفعاليات الفنية والثقافية، إضافة إلى عرض مسرحي وفعالية موسيقية قدمتها الأوركسترا العراقية، وعروض أزياء تاريخية وفعاليات أخرى، رافقها إطلاق الألعاب النارية ابتهاجا بافتتاح الشارع واحتفالا بعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية.

افتتاح شارع المتنبي تزامن مع احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة (الجزيرة)

ويبلغ طول الشارع  نحو كيلومتر واحد، ويؤدي إلى إحدى ضفاف نهر دجلة، ويمكن للزائر أن يجد في المكتبات والأكشاك التي يعج بها الشارع مجموعة متنوعة من الكتب باللغتين الإنجليزية والعربية، إضافة إلى الكتب الجامعية والمدرسية.

واللافت في مكتبات شارع المتنبي وجود إصدارات قديمة، بينها كتب بالفرنسية والإنجليزية والعربية، وبعضها قد يكون نادرا ويعود للقرن الماضي.

العراقيون توافدوا لشارع المتنبي بالعشرات متلهفين ليروه وهو يرتدي ثوبا جديدا يليق بماضيه (الجزيرة)

وقال أمين بغداد علاء معن -في تصريحات للصحفيين على هامش الاحتفالية- إن "الترميم شمل تنظيم واجهات المحال ولوحات الدلالة، وتأهيل شبكات الماء والصرف الصحي وشبكة الإنارة وخطوط الطاقة الكهربائية"، مؤكدا أن إنجاز الشارع جاء ضمن خطة واسعة شملت محاور عدة لتطوير المشهد الحضري والبنى التحتية لمدينة بغداد التي عانت كثيرا الفترة الماضية.

وأوضح معن أن "الخطة تتضمن مشاريع لتنظيف وإزالة الغبار عن المدينة"، مشيرا إلى أن ظهور الشارع بحلته الجديدة سيكون حافزا لتطوير وسط العاصمة بغداد.

جانب من الفعاليات التي شهدها شارع المتنبي ليلة إعادة افتتاحه (الجزيرة)

نفض غبار الإهمال

ورأى الكثير من المثقفين أن الاحتفاء بواحد من أهم وأعرق المعالم الثقافية والتراثية في البلاد، وترميمه بعد الإهمال الذي عانته تلك الصروح المهمة، يمثل نقطة بارزة في مسار عودة الحياة الثقافية إلى سابق عصرها لبغداد حاضرة الدنيا والأدب والثقافة، كما أكد مدير المركز الثقافي البغدادي طالب عيسى.

عيسى رأى أن تطوير شارع المتنبي يمثل نقطة بارزة في مسار عودة الحياة الثقافية في بغداد إلى سابق عصرها (الجزيرة)

وأشار عيسى إلى أن إعادة افتتاح شارع المتنبي بعد الانتهاء من صيانته وتأهيل أغلب المناطق فيه، تعد نقطة تحول مهمة من أجل أحياء بغداد القديمة، متمنيا أن يستمر الحفاظ على هذا الشارع وتطويره دون المساس بمبانيه التراثية المهمة، وأن يتسع الترميم ليشمل إعادة تأهيل شارع الرشيد الذي يعدّ من أقدم وأعرق شوارع العاصمة بغداد أيضا.

المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي من المعالم التي شملها التطوير (الجزيرة)

وتوافد العراقيون إلى شارع المتنبي بالعشرات، متلهفين ليروه وهو يرتدي ثوبا جديدا يليق بماضيه وأثره الشاخص في العقول، ولا سيما بعد سنوات الإهمال ويد العنف التي طالته.

فالعراقيون لا ينسون التفجير الرهيب بالسيارة المفخخة الذي تعرض له الشارع في 5 مارس/آذار 2007 وأدى إلى مقتل 30 شخصا وإصابة أكثر من 60 آخرين بجروح، وتسبب بتدميّر المحال القديمة التاريخية ومن بينها مقهى الشهبندر. لكن صورة دمار الأمس محتها زينة اليوم ورونق الأرصفة التي بدت نابضة بالحياة إثر ترميمها وتزينها.

ويشير رئيس رابطة المجالس الثقافية البغدادية صادق الربيعي، إلى أن ترميم الشارع الذي كان يعاني الإهمال، جاء أخيرا بعد مناشدات أطلقتها النخب الثقافية والأدبية على مدى سنوات، لافتا إلى أن الترميم جاء بدعم من جهات أهلية وليس بتمويل حكومي كما كان يؤمل، وشدد على ضرورة أن تقوم الحكومة بواجبها من خلال إعادة الحياة إلى كل المرافق الأثرية والتراثية، وأن تقدم أعمالا أقوى تتلاءم مع إمكانيات العراق ومكانته".

الربيعي: ترميم الشارع جاء بعد مناشدات أطلقتها النخب الثقافية والأدبية على مدى سنوات (الجزيرة)

بادرة أمل

ورغم كل الفرح الذي عمّ الكثير من رواد الشارع بإعادة الترميم التي خضع لها، والتي أتاحت لهذا الشريان الحيوي في العاصمة العراقية استعادة بعض من مجده السابق، كان هناك البعض ممن لا يرى في ذلك إنجازا، كما كتب النائب السابق فائق الشيخ علي الذي انتقد غلق جميع الفروع الوسطية المؤدية إلى الشارع بأبواب حديدية، وطالب بالاهتمام بها وانتشالها من وضعها السيئ، شأنها شأن شارع الرشيد المهمل.

لقطة ليلية أخرى لشارع المتنبي بعد إعادة تأهيله (الجزيرة)

وفي المقابل، يرى محسن البهادلي -أحد رواد الشارع- أن عملية التأهيل بكل ما ورد من ملاحظات للبعض عليها، هي جيدة وتبعث على الارتياح لأنها أعطت الشارع جمالية، وتعد مقدمة لتطوير شارع الرشيد وغيره من الشوارع التراثية، مشيرا إلى أن "ترميم الشارع دون المساس بمعالمه التراثية والحفاظ عليها يمثل بادرة أمل للمستقبل".

المصدر : الجزيرة