بتغريدة.. كويتي ينقذ كنزه الثقافي من الهلاك

قبل 45 عاما، أطلق الباحث في التراث الكويتي صالح المسباح العنان لهوايته في جمع الكتب والمجلات والمخطوطات النادرة، متخذا من حبه الجم للغة العربية والتاريخ الإسلامي وقودا لتلك الهواية.

وبالنسبة للمسباح الذي يحمل كذلك عضوية مجلس إدارة الجمعية الكويتية للتراث، فقد تمثلت أولى قطرات الغيث في مجموعة الكتب التي اقتناها مع انطلاق أول معرض للكتاب أقيم في الكويت عام 1975، تلاه معرض للكتاب العربي، وثالث للكتاب الإسلامي في العام نفسه، حيث كان في تلك الأثناء طالبا في معهد المعلمين قبل أن يلتحق بجامعة الكويت ليصبح مدرسا للغة العربية.

أصبح المسباح يشتري ما لذ وطاب من الكتب والمجلات والإصدارات النادرة سواء من المعارض أو أسواق البضائع المستعملة أو المزادات أو المكتبات الكاملة التي كان يشتريها من أصحابها أو من الورثة، كما جاب مختلف البلدان بقصد توسيع قاعدة مقتنياته وتنويعها، حتى وصل به الحال إلى اقتناء أكثر من 120 ألف كتاب، و50 ألف مجلة وجريدة، و23 ألف شريط فيديو، وآلاف الوثائق، فضلا عن 10 آلاف صورة فوتوغرافية.

بيت الكتب

خصص المسباح لمكتبته سرداب منزله بالكامل، ومع مرور الأيام بدأت المقتنيات بما تتضمنه من أشياء نادرة تتكدس على أرفف المكتبة وداخل غرفها المختلفة، كما زحفت لتشغل مساحة لا يستهان بها داخل المنزل وخارجه، حتى وصل به الأمر إلى تخزينها في صناديق فوق سطح منزله وتغطيتها خوفا من لهيب الشمس صيفا وبرودة الجو والأمطار شتاء.

تفاعل شعبي ورسمي مع تغريدة المسباح وحصوله على وعد بتخصيص طابق في المجلس الوطني للثقافة والفنون لعرض الكتب
تفاعل شعبي ورسمي مع تغريدة المسباح وحصوله على وعد بتخصيص طابق في المجلس الوطني للثقافة والفنون لعرض الكتب (الجزيرة)

ضاق على المسباح منزله بما رحب، وأصبح بين مطرقة الخوف على مقتنياته النادرة وسندان تكدس الأطنان في منزله، فلم يجد بدا من طرق كل أبواب الجهات الحكومية المختصة، عسى أن يهتم أحد بما لديه من كنوز ثقافية وأدبية وسياسية وغيرها، لكنه لم يجد تجاوبا منها على مدى ١٠ أعوام كاملة.

وكحل أخير؛ نشر المسباح تغريدة في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" أرفقها بصور لتلال من المقتنيات، عبر فيها عن أمنيته بأن تكون له مكتبة عامة مفتوحة للجميع، ليعرض فيها ما يملكه من تحف نادرة، مع تأكيده خلو المكتبات العامة في البلاد من مثل كتبه القيمة.

هذه التغريدة أثارت ردود فعل القراء والمغردين الكويتيين والخليجيين الذين تداولوها وعلقوا عليها بكثافة، متمنين أن تستجيب إحدى الجهات الرسمية لإنقاذ المكتبة ومقتنياتها بأي شكل.

وما هي إلا ساعات؛ حتى تواصل مع المسباح وزير الإعلام الكويتي محمد الجبري، والأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل العبد الجليل، حيث وعده الأخير بتخصيص طابق كامل بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لعرض كتبه.

في انتظار المكتبة

المسباح -الذي التقته الجزيرة نت- أبلغنا أن المكتبة المرتقبة لن تتسع سوى لثلث مقتنياته، لذلك لم يجد سبيلا لحفظ الثلثين المتبقيين سوى باستئجار مخزن على نفقته الخاصة للاستفادة منه في حفظ أحد الثلثين، في حين سيحتفظ بالثلث الأخير في سرداب منزله.

طريق نقل هذه المقتنيات إلى المكتبة المرتقبة والمخزن المستأجر لم يكن مفروشا بالورود، فكان لا بد أيضا من رافعة تحمل الأطنان الموجودة على سطح المنزل، لتحمل على ظهر العربات التي استجلبها المسباح لهذا الغرض.

وبين ركام هذه الكتب المتكدسة إصدارات عربية نادرة، منها ما يعود إلى عشرينيات القرن الماضي وما قبلها.

كما تتضمن مكتبة المسباح ما يختص بالكويت وإصداراتها القديمة في مجالات السياسة والأدب والشعر والفنون والروايات، إلى جانب وثائق تعود إلى وزاراتها ودوائرها قبل الاستقلال، فضلا عن الأعداد الأولى من مجلات "التوحيد" و "الكويت" و "الفجر" و"الشعب" وغيرها، حيث تعود إحدى تلك النسخ إلى عام 1928، كما يمتلك 350 إصدارا لجامعة الكويت يقول إن الجامعة نفسها لا تمتلكها.

تكدس المقتنيات الثمينة للمسباح دفع به لكتابة تغريدة طالبا إنقاذ ما يملكه من كتب وتحف
تكدس المقتنيات الثمينة للمسباح دفع به لكتابة تغريدة طالبا إنقاذ ما يملكه من كتب وتحف (الجزيرة)

وثائق نادرة

ومن أبرز الوثائق التي يعتز المسباح بامتلاكها مخطوطات قرآنية تعود إلى 280 سنة خلت، ونسخة من كتاب "تاريخ الكويت" للمؤرخ عبد العزيز الرشيد صدرت في عام 1926، كما يمتلك 300 كتاب من جميع الدول الخليجية تعود إلى الخمسينيات والستينيات، وتتنوع بين كتب تؤرخ لحكام تلك الدول، وأخرى توثق للمطبوعات في عهودهم.

وفي عام 1984 بدأ المسباح في جمع "إصدارات الكويت" بسبب ما كان يراه نقصا في هذا المجال، كما اتفق مع نظرائه من الهواة على مضاعفة جهودهم في هذا المضمار بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، وذلك بسبب خلو أغلب المكتبات الحكومية نتيجة التخريب والنهب، فحثوا الخطى لتعويض هذا النقص.

وقد شارك المسباح في أكثر من 120 معرضا، منها ما كان داخل الكويت ومنها ما أقيم في دول خليجية وعربية، حيث أتيح لمرتادي تلك المعارض مشاهدة المقتنيات التي كان من بينها أيضا أشرطة فيديو سجلت عليها مواد من تلفزيون الكويت، كالمسلسلات والمسرحيات والوثائقيات عن الغزو العراقي، وكذلك الحرب العراقية الإيرانية.

عمل المسباح مديرا لتحرير مجلة "البيان"، كما شغل منصب الأمين العام لرابطة الأدباء، وألف كثيرا من الكتب والإصدارات المختصة بالشأن الكويتي، فضلا عن مشاركته في كتابة الكثير من الكتب، من بينها ما هو مختص بحملات الحج على الإبل وعبر التاريخ.

وعبر السنين؛ أصبح المسباح المرجع الأول في الكويت في ما يخص المطبوعات من كتب ومجلات، وهو ما خوله لمراجعة أكثر من 12 كتابا، لكن ما يحزنه هو أن الاهتمام بالثقافة لم يعد كسابق عهده بعد أن اكتسحت السياسة كل الحقول، متمنيا أن يرى الكويت درة للخليج من جديد، وتعود إلى دورها المألوف كمنارة للعلم والثقافة.

المصدر : الجزيرة