إنعاش ذاكرة متوترة أم إنكار الوقائع.. كيف يدرس التاريخ الاستعماري في أوروبا؟

Omran Abdullah - لوحة فرانسوا دورليان في المشرق ، ١٨٣٦، قلم رصاص أسود وألوان مائية على ورق أزرق، ويكي كومون - الاستشراق وصورة الشرق الأوسط "غير المستنير" .. من الاستعمار إلى الاستيطان
لوحة فرانسوا دورليان في المشرق عام 1836 (ويكي كومونز)

على خلفية حركة "حياة السود مهمة" التي نشأت في الولايات المتحدة؛ تعرضت تماثيل رموز حقبة الاستعمار في العديد من المدن الأوروبية الكبرى إلى أعمال تخريب، ولكن دولا -مثل فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة وبلجيكا- لا تنظر إلى ماضيها الاستعماري بالطريقة السلبية نفسها، وتقدمها في مناهج التعليم بطريقة غير واقعية، في حين يهاجم مثقفون منتقدي هذه الحقبة.

في التقرير الذي نشرته صحيفة "لا كروا" الفرنسية، قال الكُتاب: سابين سيسو، وآن لو نير، وتريستان دي بوربون، ولوران لارشر؛ إن ظاهرة تخريب تماثيل رموز حقبة الاستعمار وإعادة تسمية الشوارع والمدارس والساحات التي تحمل أسماءهم تجددت مرة أخرى في أعقاب وفاة جورج فلويد في الولايات المتحدة لتشمل أيضا القوى الاستعمارية الأوروبية السابقة.

ولئن تشابهت الأفعال الاستعمارية، فإن قضية الاستعمار لا تُطرح بالطريقة نفسها في جميع البلدان الأوروبية؛ ففي فرنسا والمملكة المتحدة قوبلت حركات الغضب بالسخط المضاد، ولكن ليس للأسباب نفسها.

التاريخ الاستعماري في فرنسا

قال المؤرخ جان نويل جانيني، الذي لخص موقف العديد من المؤرخين، إن "هذه الحركة غير مقبولة في شكلها، فهي تتعارض مع الديمقراطية. من الضروري تقديم تفسير وشرح وليس القيام بأعمال تخريب، لأنها أفضل طريقة للتعبير عن الوفاء لقضية ضحايا الاستعمار".

تستأثر فرنسا بأكبر سجل تاريخي للاستعمار، وعمل مؤرخون -مثل بنيامين ستورا وباسكال بلانشارد- على مدى 30 عاما الماضية على تجديده ودراسته.

وأورد التقرير أن الماضي الاستعماري لفرنسا يندرج ضمن المناهج التعليمية والكتب المنشورة من الروايات إلى القصص المصورة إلى كتب التاريخ.

ويؤكد جانيني أن "التأريخ لا يتوقف عن تجديد نفسه وتجديد زادنا المعرفي، ولا يتوقف عن التعمق أكثر في التاريخ".

لعل خير مثال على ذلك يتمثل في الفيلم الوثائقي "إنهاء الاستعمار"، الذي بُثّ مؤخرا على قناة "آرت"، الذي قال أحد مؤلفيه -وهو بيير سينغارافيلو- في فبراير/شباط "نحن لا نقول إن القصة المكتوبة حتى الآن خاطئة، ولكننا نحاول استكمالها"، مضيفا أن "هذه القدرة على وضع نفسك مكان الآخر هي ما يدعم مقاربتنا العلمية وما يفتقر إليه مجتمعنا"، على حد وصفه.

توضيحات صعبة في المملكة المتحدة

تبدو مقاومة هذه الحركة في المملكة المتحدة لتوضيح الماضي الاستعماري أكثر حدة.

يشير أستاذ التاريخ العام ديفيد أولوغوسا إلى أن الفجوة بين السياسيين ومعظم المؤرخين البريطانيين بشأن ماضي المملكة الاستعماري قد اختفت.

وقال مايكل تايلور المتخصص في دراسة العبودية إن التاريخ الرسمي في المملكة المتحدة "يكذب منذ عقود" بخصوص كل ما يتعلق بالعبودية.

تقرير صحيفة لا كروا أكد أن الادعاء القائل إن بريطانيا كانت الدولة الأولى التي ألغت العبودية "مثير للسخرية"، والأمر سيان بالنسبة لفكرة إنهاء الاستعمار السلمي والتوافقي. ويرى هذا المؤرخ أن المذابح التي خلّفها استقلال الهند تتعارض مع هذه المزاعم، وينطبق الأمر نفسه على معظم المستعمرات البريطانية الأفريقية السابقة، كما هو الشأن مع مستعمرات آسيا.

ويعتقد جون ويلسون، الأستاذ في كلية كينجز كوليدج في لندن، أن "المؤسسة الحاكمة في بريطانيا والنخبة متورطة في كل ما فعلته الإمبراطورية لأنها شاركت في إدارتها. وبفضل هذه الشبكات، تمكنت الإمبراطورية من النجاة والحفاظ على ثقافتها".

والدول نفسها التي تطالب اليوم بإرث الإمبراطورية هي الدول التي تتنازع من أجل سيادة الدولة القومية، وتريد مغادرة الاتحاد الأوروبي، وفق ما ينقله تقرير الصحيفة الفرنسية.

صفحة تُطوى في بلجيكا

على عكس بريطانيا، يبدو أن بلجيكا بدأت طي صفحة تاريخها الاستعماري، وتأسف "على الأعمال الوحشية التي ارتكبت في الماضي"، وذلك حسب ما أفاده به الملك فيليب في ذكرى استقلال جمهورية الكونغو الديمقراطية في 30 يونيو/حزيران الماضي.

ففي أعقاب حركة "حياة السود مهمة"، قرّر البرلمان الاتحادي تشكيل "لجنة الحقيقة والمصالحة"، التي تهدف إلى "التصالح" مع الماضي الاستعماري للكونغو البلجيكية ورواندا-أوروندي (رواندا وبوروندي).

وأفاد التقرير بأن النقاش يجب أن يكون منفتحا على أسلوب توافقي، لكن القائم على مراجعة التاريخ الاستعماري هو مؤسسة المتحف الأفريقي، وهو متحف أسسه الملك ليوبولد الثاني، وكذلك مؤسسة الأرشيف الوطني.

وستعد الجهتان المسؤولتان قائمة الخبراء المكلفين بتقديم تقرير أولي للبرلمان في سبتمبر/أيلول المقبل حول مهام لجنة الحقيقة والمصالحة.

ونقل التقرير عن الفنانة لورا نسينغيومفا قولها إن "متحف أفريقيا لا يمكن أن يسيطر على هذا المشروع، لأنه يعد من بين إحدى المؤسسات التي يجب على لجنة الحقيقة والمصالحة التحقيق معها".

نقطة ضعف إيطاليا

بعيدا عن بلجيكا وفرنسا، يتم تجاهل الماضي الاستعماري بشكل عام من قبل الرأي العام والسياسيين في إيطاليا.

وعند مناقشة هذا الموضوع، يقع تسليط الضوء على جوانبه المفيدة فقط. وحسب البروفيسور ماريو دي جان فرانشيسكو المتخصص في القضايا الدولية في جامعة سابينزا في روما، فإن "الاستعمار الإيطالي لا علاقة له بالاستعمار الفرنسي أو البريطاني؛ فقد ساهمنا بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والثقافية لإثيوبيا وليبيا"، على حد تعبيره.

ونقل تقرير صحيفة لا كروا عن الكاتبة الإيطالية المولودة في الصومال إجيابا شيغو قولها إن "هذه القصة الثقيلة غائبة عن الذاكرة الجماعية، وهي لا تشكل جزءا من المناهج الدراسية. ومع ذلك، يشجع المعلمون طلابهم على قراءة روايات مثل "خط الألوان"، التي تستحضر الاستعمار الإيطالي للصومال".

وتعترف شيغو بأن "التخريب الذي حدث في ميلانو لتمثال إندرو مونتانيلي في 13 يونيو/حزيران الماضي من قبل الناشطين من الطلاب أثار أسئلة كانت مدفونة عن الماضي الاستعماري".

المصدر : الصحافة الفرنسية