العقل قبل الخبز أحيانا.. كورونا يهدد بإغلاق دور النشر والمكتبات في أوروبا

Visitors crowd at the booth of the Bastei Lübbe publishing house at the Leipziger Buchmesse book fair in Leipzig, eastern Germany, on March 22, 2019. - The Leipzig Book Fair will be running until March 24, 2019. (Photo by Hendrik Schmidt / dpa / AFP) / Germany OUT
معرض لايبزيغ الدولي للكتاب شرق ألمانيا الشهر الماضي (الفرنسية)

عارف حمزة–هامبورغ

أصدر نادي القلم الألماني بياناً صحفياً بداية أبريل/نيسان الجاري دعا فيه السلطات إلى إعادة فتح المكتبات العامة والخاصة.

وحمل التصريح -الذي تلقت الجزيرة نت نسخة منه- عنوان "على الرغم من أزمة كورونا، يجب إعادة فتح المكتبات الخاصة والعامة" حاملاً في طيّاته صيغة الأمر للسلطات الحكومية.

ومن المعروف أنه تم إجبار المكتبات الخاصة والعامة، في عموم القارة العجوز، على إغلاق أبوابها، وذلك ضمن إجراءات الحجر الصحي التي يُراد منها وقف انتشار الوباء. 

وأعرب نادي القلم عن قلقه الشديد جراء "الإجراءات التنظيمية للحد من فيروس كورونا، بأن ذلك سيغير إلى الأبد تجارة ونشر الكتاب في ألمانيا".

وفي الوقت الذي تم فيه إلغاء معرض لايبزيغ الدولي للكتاب في ربيع هذا العام والذي يعتبر من أقدم معارض الكتاب في العالم، وإغلاق كافة المكتبات العمومية والخاصة، فإن دور النشر بدأت بتخفيض إنتاجها، ومنها من أوقف النشر تماماً. 

حفاضات وأطعمة للكلاب
وأضاف البيان بأن إغلاق المكتبات، وكذلك صالات القراءة الخاصة والعامة، يعني توقف القراءات التي يقوم بها الكتاب لترويج كتبهم الجديدة وبيعها مباشرة للجمهور. 

ووجد نادي القلم -الذي تأسس عام 1921 كمنظمة حامية لحرية التعبير- أن الإجراءات ستتسبب بغلق دور نشر كثيرة، وربما تنتهك إحدى "وسائل حرية التعبير"، كما قد تؤدي لتحول أكبر متجر إلكتروني لبيع الكتب "إلى متجر لبيع حفاضات الأطفال وأطعمة للكلاب" في تعبير يتضمن الكثير من السخرية.

ففي الوقت الذي شهدت الأسواق تهافت الناس على "ورق التواليت" نوّه التصريح إلى أن الناس "لا تعيش فقط من الخبز وورق التواليت، بل يحتاجون لتغذية روحية".

وقال الكاتب رالف نيستماير، نائب رئيس نادي القلم، إنه من الممكن تطبيق "التباعد بين الزبائن في المكتبات، كما يتم اتباعه حالياً في المولات والصيدليات".  

انهيار دور النشر
هذا الأمر لا يتعلق بألمانيا فحسب، والتي يُطبع فيها سنوياً أكثر من مئة ألف عنوان جديد، وتزيد أرقام المبيعات على خمسة مليارات يورو في العام، بل يمتد إلى كل دول أوروبا، وخاصة فرنسا (أكثر من عشرة آلاف ناشر) وإسبانيا وبريطانيا (تطبع أكثر من عشرين كتاباً في الساعة) والتي تضم آلاف دور النشر المهددة بالانهيار والإفلاس.

دور النشر التي وقعت عقوداً مالية مع الكتاب ستقع في مشكلة كبيرة لجهة تنفيذ التزاماتها، مع فقدان إمكانية ترويج الكتاب وجني الأرباح منه، خاصة إذا علمنا أن تجارة الكتاب الإلكتروني تبيع أقل من 10% من نسخ الكتاب في أفضل الأحوال. 

وقد تعني هذه الإجراءات -في حال استمرت لفترة طويلة- انهيار الكتاب الورقي، والذي من خلاله تحقق دور النشر أرباحها واستمرارها في العمل مما قد يعني إعلان كثير من دور النشر توقفها الدائم عن العمل، بعد إعلان توقفها المؤقت. 

توصيل الكتب
وفي ألمانيا، ما زالت العديد من المكتبات الخاصة، أو متاجر بيع الكتب، تعمل عبر توصيل الكتب للزبائن في بيوتهم بدلاً من البيع المباشر.

ومنها مكتبة "سلافسكي" الشهيرة التي كانت ضمن ثلاث مكتبات فازت العام الماضي بجائزة أفضل مكتبة في ألمانيا، والتي ما زالت تنشر الإعلانات على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي بوصول كتب جديدة إليها، وبأنها مستعدة لإيصال الكتاب للزبائن.

وقالت مونيكا كولبر (صاحبة المكتبة) للجزيرة نت إن زبائنها الدائمين، وكثير منهم كبار السن، يطلبون كتباً جديدة لقراءتها خلال حجرهم الإجباري في بيوتهم، ورغم ذلك فإن نسبة المبيعات انخفضت بشكل قياسي.  

تصريح غير واقعي
يقوم الكاتب في ألمانيا بالعديد من القراءات لكتابه لدى المراكز الثقافية العامة والخاصة، ويتلقى تعويضاً مادياً يتراوح بين ثلاثمئة وألفي يورو، بحسب أهمية الكاتب.

الروائي الألماني من الأصول العراقية عباس خضر صدرت روايته الجديدة "قصر الشحاذين" عن دار هانزر منتصف فبراير/شباط الماضي، وتعاقد على أكثر من 25 قراءة، إضافة إلى الكثير من المقابلات الإذاعية والصحفية، ولكنه لم ينجز منها سوى قراءتين فقط.

خضر اعتبر أن أعماله الأدبية تلقى نقداً إيجابياً في وسائل الإعلام (الجزيرة)
خضر اعتبر أن أعماله الأدبية تلقى نقداً إيجابياً في وسائل الإعلام (الجزيرة)

يقول خضر للجزيرة نت إن روايته نالت "نقداً إيجابياً جيداً في وسائل الإعلام، وهذه دفعة جيدة لترويج الكتاب وبيعه" ولكن تم تأجيل القراءات التي كانت في مختلف الولايات الألمانية و"فقدت الجمهور الكبير الذي كان ينتظر روايتي الجديدة". 

ويرى المؤلِف -الذي تصدر أحد كتبه قائمة الأكثر مبيعاً 17 أسبوعاً- أن تصريح نادي القلم الألماني "غير واقعي" مؤكدا أن الإنسان أكثر أهمية ليس فقط من الكتب، ولكنه أكثر أهمية حتى من الاقتصاد والنظام السياسي.

وقال صاحب رواية "باذنجانات الرئيس" إن هذه الإجراءات التنظيمية، وإجبار الناس على الحجر الصحي، وبالتالي إلغاء القراءات واللقاءات "أمر واقعي جداً ويجب احترامه". 

‪غلاف
‪غلاف "قصر الشحاذين" لصاحبها العراقي الأصل‬  (الجزيرة)

انخفاض هائل
من جهته قال الناشر الألماني يواخيم فون تسيبيلين للجزيرة نت إن أزمة كورونا ضربت قطاع صناعة الكتاب بشكل كامل، وانخفضت المبيعات فجأة بنسبة تصل إلى 80%.

ورأى صاحب دار "سيسيسيون" الألمانية السويسرية أن هذا العائد "سيُفقد بشكل دائم". وعلل ذلك بأنه بعد انتهاء أزمة كورونا بالكاد سيكون هناك أشخاص يشترون الكتب أكثر من ذي قبل. و"في أفضل الأحوال سنعود إلى أرقام المبيعات القديمة التي لا تقارن مع أرقامها في السنوات العشر الأخيرة". ومن المعروف أنه يوجد بألمانيا موسمان لنشر الكتاب، في الربيع تزامناً مع معرض لايبزيغ الدولي للكتاب، وفي الخريف تزامناً مع معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. 

لذلك يرى تسيبيلين بن أصحاب "عناوين الربيع التي تمّ إصدارها للتو سيتأثرون إلى حد كبير، وسيتعرضون لخسائر كبيرة لأن القراءات، التي يستعيدون من خلالها جزءاً جيّداً من نفقاتهم، قد تم إلغاؤها". 

المصدر : الجزيرة