قصص الجرائم والروايات البوليسية.. متعة أدب الجريمة وسر شعبيته

بيكسلس
روايات الجريمة تحظى بشعبية عالمية واسعة، وتعد من أوسع الأنواع الأدبية انتشارا بين الشباب (بيكسل)

تمتاز القصص البوليسية بأنها منطقية وذات حبكة متقنة، وواقعية أيضا، ورغم أننا نتعرض لقصص الجريمة يوميا عبر وسائل الإعلام والصحف والقنوات التلفزيونية، فإن أخبار الجرائم تختلف عن القصص الأدبية من ذات النوع، والتي تعطينا لمحة من الداخل عن كيفية فك ألغاز الجريمة وحلها.

وفي العام 2017 سجلت روايات الجريمة باعتبارها النوع الأدبي الأكثر مبيعا في المملكة المتحدة، بحسب بيانات لمعرض لندن للكتاب نشرتها صحيفة "الغادريان" البريطانية.

وفي مقاله بصحيفة "تاغ بلات" النمساوية، يرى الكاتب السويسري بيتر فيزي أن هناك قاسما مشتركا بين الروايات البوليسية ووصفات الطهي. ويحتفي فيزي بلحظات الختام في الروايات البوليسية، مستندا إلى قصص الجرائم في أعمال الكاتب الأميركي إدغار آلان بو (1809-1849)، والطبيب الأسكتلندي آرثر كونان دويل (1859-1930) صاحب قصص المحقق الشهير شارلوك هولمز، ومؤلفة الروايات البوليسية البريطانية أغاثا كريستي (1890-1976). 

ولا ينسى فيزي أعمال الكاتب الرومانسي الألماني إرنست هوفمان (1776-1822) الذي يتم التأريخ به كبداية لأدب الجريمة والروايات البوليسية. 

جذور عربية
ومع ذلك فإن جذور أدب الجريمة قد تجد لها تاريخا أقدم من العصور الحديثة، وهناك تراث عربي قديم من هذا النوع الأدبي مبثوث في حكايات "ألف ليلة وليلة" التي تضم قصة "التفاحات الثلاث" أو "الصبية المقتولة" التي تروي تفاجؤ الخليفة هارون الرشيد بجثة فتاة في صندوق حصل عليه، فيكلف وزيره بالعثور على القاتل ويمهله ثلاثة أيام وإلا سيكون مصيره الإعدام. وقبل انتهاء المهلة يعرف شخصان بقتل الفتاة، ويكون أمام الوزير فرصة أخرى لثلاثة أيام ليحدد المذنب المفقود الذي يصادف أن يكون خادمه.

ومع ذلك يلاحظ الروائي والأديب السوداني أمير تاج السر أن الأدب العربي بأكمله -في الوقت الراهن- يكاد يخلو مما اصطلح على تسميتها الرواية البوليسية.

وفي مقال منشور بالجزيرة نت، يجد تاج السر هذا الغياب منطقيا، معتبرا أن "تقنيات الكتابة (البوليسية) لا تلائم مجتمعنا أبدا"، ومع ذلك يرى الروائي السوداني أن الجريمة المنظمة موجودة في الواقع، "وما على الكاتب إلا أن ينقلها إلى الورق، ليصنع كتابا ومن ثم يصنع قارئا هو في الأصل موجود في كل تلك الأحداث".

على جانب آخر، يرى فيزي في مقاله بالصحيفة النمساوية أن المجهول والغامض يثيران قريحة الراوي. ورغم عمله لعدة عقود كأستاذ للتاريخ والأدب في جامعة العلوم التطبيقية بسانت غالن السويسرية، فإن حماسه للقصص المسلية لم يفتر حتى عندما بلغ الثانية والسبعين. 

ولدى فيزي هواية أخرى غير الروايات البوليسية، تتعلق بالغموض الذي أهله لتقديم مفاجآت في محاضراته الأدبية. فمثلا، عندما اختتم إحدى محاضراته عن رواية بوليسية مرعبة، بقوله "كيف أصبح قتل الرجال بشعا هذه الأيام!"، مستشهدا بحوار على لسان شابة في الرواية تقول لأمها بعد ليلة زفافها، دون رادع من ضمير "كان عندنا بالأمس جلبة كبيرة يا أمي"، لتجيبها الأم "لا تقلقي، تقع مثل هذه الأمور أحيانا"، فتجيبها ابنتها "نعم، لكنني لا أعرف أين أذهب بجثته".

إثارة وتشويق
يمنحنا الخيال في أدب الجريمة نظرة ثاقبة وتشويقا كبيرا. وإضافة إلى ذلك، يوفر أدب الجريمة فرصة للقارئ ليتعرف على عالم الجريمة دون خرق القانون والعمل مع العصابات. أو بعبارة أخرى، من الأفضل أن نرى شخصا آخر يرتكب الجريمة لنفهم ما لا نحب أن نعيشه بأنفسنا ونحتفظ بمسافة مريحة مع الأحداث الصعبة. 

إلى جانب ذلك، بإمكان القراء حل اللغز وتجميع القرائن وتكوين الصورة الناقصة وبناء التماسك، وقبل أن يتوصل الروائي إلى الحل في روايته، يحب القارئ تخمين الاحتمالات وكشف الغموض ليكتشف بنفسه حل لغز الجريمة قبل أن يفصح عنها الفصل الأخير أو الفصول الأخيرة للرواية البوليسية.

وربما لا يحب بعض الأشخاص أدب الجريمة لكونه يركز على البنية السطحية للأحداث ويتجاهل الأبعاد العميقة، لكن هذا الأدب فن مثل باقي الفنون جوهره "البحث عن الحقيقة"، لذلك هو أسهل في الاستهلاك والقراءة وأقل تطلبا من القصص الغامضة التي تفتقد الوضوح والمباشرة في البحث عن الحقيقة، وهذا ما يفسر المفارقة الواضحة حول سبب الاسترخاء عند القراءة عن جرائم القتل الشنيعة.

المصدر : الألمانية