حي "فوق الرأس" بجنوب أفريقيا.. ذاكرة الإسلام والنضال وتضامن طويل مع فلسطين

الصورة الرابعة: سياسيون وعلماء من حول العالم في زيارة لمتحف فلسطين في كيب تاون. -والصورة الثالثة والرابعة من مدير متحف فلسطين أنور ناجيا، ولدينا الإذن بالنشر بشكل كامل.
سياسيون وعلماء من شتى أنحاء العالم أثناء زيارة لمتحف فلسطين في كيب تاون (الجزيرة)

عبد العزيز يونس-كيب تاون

لا يمكن لزائر مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا أن تخطئ عينه جمال وسحر الألوان الزاهية لبيوت حي "بوكاب" (فوق الرأس) الذي يعرف بأنه "حي المسلمين" منذ القرن الثامن عشر، والذي يقع على سفح جبل "الطاولة" الشهير في المدينة. 

وصل أوائل سكان الحي من إندونيسيا وماليزيا، بالإضافة إلى آسيويين آخرين كانوا عبيدًا. وكان بين الواصلين سياسيون منفيون ومدانون بجرائم، وبينهم أيضا حرفيون مهرة وزعماء دينيون وعلماء نقلوا معارفهم إلى الأجيال الجديدة في جنوب أفريقيا.

يشار إلى أن سكان الحي الذي يقع في دولة عرفت نظام الفصل العنصري وممارساته ضد السكان الأصليين، والتفرقة على أساس لون البشرة والعرق لفترة طويلة، يرتبطون ارتباطا وثيقا بفلسطين، الأمر الذي عاد بشكل إيجابي على علاقة مميزة واستثنائية على المستوى الشعبي وحتى الرسمي.

فلسطين حاضرة
حال دخولك حي "بوكاب" ستلاحظ الأعلام الفلسطينية معلقة على أبواب المنازل وعلى جانبي الطريق، إضافة إلى لوحات وجداريات تدعم المقاومة وتتضامن مع الفلسطينيين، حسبما أشار إليه مؤسس ومدير متحف فلسطين في المدينة أنور ناجيا.

وأضاف ناجيا في حديثه للجزيرة نت أن "سكان جنوب أفريقيا عامة وأهل حي بوكاب خاصة عرفوا معنى التفرقة على أساس اللون والدين والعرق، ومن هنا شبهوا ممارسات نظام الفصل العنصري عليهم بممارسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين".

وأوضح أن متحف فلسطين يعد أيضا أول مركز حقوق إنسان في قارة أفريقيا، مؤكدا على وجود لجان حقوق إنسان عالمية، إلا أنه الأول كمركز متكامل على حد وصفه، موضحا أن الدور الذي يلعبه المركز هو إنشاء ألبوم لذاكرة التاريخ من الانتهاكات التي يتعرض لها البشر في بلدان مختلفة، وتضمينها برسائل تضامن وتأييد لحقوق الإنسان.

وكان مانديلا مانديلا حفيد الرئيس الراحل نيلسون مانديلا، قال العام الماضي في خطابه للسكان ووسائل الإعلام في ذكرى النكبة من داخل حي "بوكاب"، إن الفلسطينيين الذين يعانون حاليا سينعمون في يوم من الأيام أيضًا بثمار كفاحهم الشجاع، مؤكدًا أن أهالي البلاد الأصليين يرون معاناة ودموع الفلسطينيين ويشعرون بألمهم وتعبهم.

وأكد مانديلا أن على الشباب الجنوب أفريقي رفع العلم الفلسطيني في كل شارع من شوارع "بوكاب"، موضحا أنه حين يأتي العالم إلى هنا لمشاهدة حيّ الرقيق التاريخي ويرون الأعلام الفلسطينية، حينها سيقولون إن "إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين ما زالوا يتعرضون للاحتلال والوحشية والإبادة الجماعية من قبل إسرائيل العنصرية"، حسب خطابه الذي ألقاه مايو/أيار 2018.

أحد مساجد حي
أحد مساجد حي "بوكاب" في لقطة مع جبل "الطاولة" الشهير في كيب تاون (مواقع إلكترونية)

تاريخ إسلامي
ويتضمن حي "بوكاب" 10 مساجد، أقدمها "المسجد الأول" وهو أول مسجد في جنوب أفريقيا، وقد بني عام 1798 في بداية الاحتلال البريطاني لرأس الرجاء الصالح، بينما يعتبره أهل الحي حجر الأساس للإسلام في البلاد، إضافة إلى كونه رمزا لنضال مسلمي جنوب أفريقيا من أجل الاعتراف بالإسلام وحريتهم في العبادة.

ويحتفظ المسجد بنسخة من القرآن الكريم مكتوبة بخط اليد، وتمثل معلما مهما لتراث المسلمين في جنوب أفريقيا حسب إمام "المسجد الأول" الشيخ إسماعيل لوند.

مسلمون يؤدون الصلاة في منتزه
مسلمون يؤدون الصلاة في منتزه "سيبوينت" بمدينة كيب تاون (مواقع إلكترونية)

تراث ملون
وليست المباني فقط ما يجعل حي "بوكاب" فريدا من نوعه، إذ حتى المنازل عبارة عن مزيج فريد من الأساليب المعمارية الهولندية والشرق آسيوية، إلى جانب تأثير الهندسة الإسلامية، فضلا عن الألوان المتنوعة التي يتميز بها الحي.

ولا يُعرف على وجه الدقة سبب الألوان المميزة لمباني الحي، لكن يُعتقد أنه عندما اشترى سكان "بوكاب" منازلهم زينوها بألوان زاهية، تعبيرا عن حريتهم في الاختيار بعد انتهاء نظام الفصل العنصري.

وفي وقت سابق، دعا مانديلا الحفيد سكان البلاد ليكونوا متحدين في مجتمع متماسك تمامًا كما هي المنازل الملونة المتنوعة في هذا الحي، وأن يتحدوا في عملهم من أجل فلسطين حرة، بحسب تعبيره.

صراع الحاضر
سهام ساماي المحامية العاملة في قضايا الأراضي والأملاك والتشريعات المدنية بمنطقة "بوكاب" التي تسكنها منذ أكثر من 30 عاما، تقول في حديثها للجزيرة نت إن اسم الحي يأتي من اللغة الأفريكانية، ويعني "فوق الرأس"، وكان يعرف سابقا باسم "حي الملاي" نسبة إلى عرقية الملايو المنتشرة خصوصا في ماليزيا وإندونيسيا.

وأكدت ساماي أن سكان الحي من الذين عارضوا نظام الفصل العنصري الذي عاشته جنوب أفريقيا حتى منتصف التسعينيات، مشيرة إلى أن قضية امتلاك السكن والحفاظ على تراث الحي ما تزال تمثل مشكلة مع مجموعة من رجال الأعمال وبلدية كيب تاون التي ترغب في تحويل الحي إلى مبان تجارية.

وأضافت أن الحي المليء بالتاريخ والثقافة الغنية، أصبح مثارا للجدل مؤخرًا، حيث يقاتل السكان الحاليون من أجل تحسين وضعهم المعيشي والحفاظ على تراثهم، بينما ترتفع الأسعار وتزداد الحياة صعوبة.

ويشعر سكان "بوكاب" بالقلق إزاء التغييرات التي بدأت تجريها بلدية كيب تاون على الحي، ويتخوفون من أن يفقد حيهم مكانته وطرازه المميز، حسبما ذكرته الناشطة الشابة في الحي أنيقة سولومان.

وأشارت أنيقة إلى أن هناك خططا لبناء عدد من الفنادق الراقية والمتاجر والوحدات السكنية، الأمر الذي يجعل سكان الحي التاريخي في صراع مستمر للحفاظ على تراثهم.

المصدر : الجزيرة