ازدهار الترجمة ينعش التبادل الثقافي بين تركيا والعالم العربي

خليل مبروك - إسطنبول - اقبال عربي وتركي على زاوية الكتب العربية في معرض اسطنبول الدولي الخامس للكتاب - مراسل الجزيرة نت - أرشيفية
إقبال عربي وتركي على زاوية الكتب العربية بأحد معارض الكتاب بإسطنبول (الجزيرة)

خليل مبروك-إسطنبول

أبدت الأوساط الثقافية والسياسية العربية في تركيا اهتماماً كبيراً بإصدار مجموعة مؤلفات للكاتب والسياسي التركي ياسين أقطاي باللغة العربية، وتعمل عدد من دور النشر على ترجمة مؤلفات أخرى بين اللغتين. 

ويزاول آلاف العرب والأتراك مهام الترجمة المتبادلة ويحترفونها كمهن تعيلهم في الأسواق والمؤسسات التعليمية والتجارية والصحية وفي الطبابة، لكن اللافت للعيان تجلى في نشاط حركة الترجمة المعرفية والثقافية التي تطورت مؤخراً مع توسع حضور الجالية العربية لتتشكل هيئات أدبية وثقافية عربية تركية مشتركة مثل رابطة أدباء الأناضول التي تجمع شعراء ونقاد وأدباء من الأتراك والعرب.

كما تنشط عشرات دور النشر والتأليف مزدوجة اللسان التي أخذت على عاتقها نشر المطبوعات العربية بالتركية وبالعكس، مما أوجد حالة تقارب ملموسة بين ثقافتي العرب والأتراك.

وتحفل رفوف المكتبات في إسطنبول بالأعمال العربية التي تمت ترجمتها إلى التركية، وأخرى من النتاج التركي باتت متاحة للقارئ العربي بلغة الضاد.

مستجدات الترجمة
أعلنت دار الفكر للنشر في بيروت مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي عزمها إصدار مؤلفات بالعربية للشاعر التركي الراحل نجيب فاضل قيصا كورك الملقب بسلطان الشعراء.

وجاء الإعلان ضمن اتفاق مع وكالة "أكدم" للترجمة وحقوق الملكية الفكرية التركية على هامش معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي.

وشهدت العقود الأخيرة مساعي جادة لإثراء المكتبة العربية بالمؤلفات الأدبية الخاصة بشعراء أتراك مثل محمد عاكف وناظم حكمت وسيزائي كاراكوج وعصمت أوزال.

كما يعتبر الأكاديمي والمحاضر بجامعة صباح الدين زعيم محمد حرب من رواد حركة التبادل الثقافي والمعرفي بين العربية والتركية، فقد ترجم العديد من الأعمال الأدبية التركية بينها أعمال نجيب فاضل حيث كان على علاقة قوية به.

ومن مستجدات حركة الترجمة فعاليات التنسيق والتعارف والتعاون التي تنظمها اتحادات الناشرين الأتراك بين الناشرين العرب والأتراك لعرض إنتاجاتهم وتسويقها وشراء حقوق الترجمة.

مكتبة تركية تبيع كتباً عربية في إسطنبول الجزيرة)
مكتبة تركية تبيع كتباً عربية في إسطنبول الجزيرة)

ترجمات منوعة
ويعدد الناشر السوري عبد الله الشلاح كتباً ترجمتها دار "أفق نشريات" التي يملكها بمجالات متنوعة في الفكر والسياسة وعلوم الإنسانيات والتنمية وقطاع الأطفال، موضحا أنها تشمل كتبا للدكتور عبد الكريم بكار منها "التفكير الموضوعي، أسس الإدارة في الإسلام، تفكيك ثقافة الغلو" وكذلك "سلسلة التربية الرشيدة" المؤلفة من ثمانية كتب، وكتاب "وقفات العقل والروح".

كما ترجمت الدار للدكتور ياسر العيتي "سلسلة الذكاء العاطفي" وللدكتور عبد المجيد الزنداني كتاب "البرهان شرح كتاب الإيمان" وللدكتور مسلم تسابحجي كتاب "أولادنا جواهر لكننا حدادون".

ويعتبر الشلاح -الذي تحدث بإسهاب للجزيرة نت- العامل الديني أحد المركبات المهمة في إيجاد تيار التبادل الثقافي بين العرب والترك، موضحاً أن السنوات الأخيرة شهدت ترجمة أمهات الكتب العربية الدينية إلى التركية ومنها كتب الصحاح ومؤلفات المفكرين العرب الجدد من أمثال جاسم سلطان والشنقيطي وغيرهما من رواد المدرسة المقاصدية.

أما من التركية إلى العربية فقد تمت ترجمة كتب كثيرة مثل "تهجير الأرمن.. الوثائق والحقائق" الذي كتبه يوسف حلاج أوغلو وترجمه إلى العربية أورخان محمد علي، وكتاب "الفرصة الأخيرة" لأورخان محمد علي من تأليف جنيد سعاوي وهي مجموعة قصصية من الأدب التركي المعاصر ترجمتها دار الأستاذ عبد الله.

ويشير الشلاح، وهو صاحب مكتبة الأسرة العربية في إسطنبول أيضاً، إلى حرص القارئ التركي ذي الاتجاه المحافظ والفكر الإسلامي على الاطلاع على كتب التراث والدينية -التي صنفت أغلب علومها بالعربية- مما أسهم في تنشيط ترجمة الكتب الدينية إلى التركية.

الشلاح صاحب دار أفق نشريات ومكتبة الأسرة العربية في إسطنبول (الجزيرة)
الشلاح صاحب دار أفق نشريات ومكتبة الأسرة العربية في إسطنبول (الجزيرة)

العوامل المشجعة
ويعتقد الناشر السوري أن رغبة الشعبين العربي والتركي بالتقارب والتلاقح والعيش المشترك الذي يحقق مصالح المجتمعين واحتياجاتهم، والدعوات -التي بدأت تظهر بالمجتمع التركي لترسيخ الاندماج- أسهمت في تعزيز حركة الترجمة بين التركية والعربية.

كما يرى أن دعم الحكومة التركية لنقل الثقافة والفكر إلى اللغات الأخرى، ورغبة المؤلف والناشر العربي بدخول أسواق جديدة بعيدة عن قيود الرقابة والاحتكار للفكر والقيمة والرأي أسهمت في تنشيط الترجمة.

ومن اللافت الاهتمام الكبير من الحكومة التركية بنقل المصنفات والأعمال الفكرية والثقافية والأدبية إلى العربية، وتخصيص منح لذلك عبر آلية معتمدة معروفة بين الناشرين.

ولا توجد في تركيا جهات معنية بمراقبة الكتاب قبل طباعته، وإنما تتم مراجعة أي كتاب يتضمن مخالفة للقوانين إذا تم تقديم شكوى قضائية رسمية بعد نشره.

دار نشر عربية مشاركة بمعرض إسطنبول الدولي (الجزيرة-أرشيف)
دار نشر عربية مشاركة بمعرض إسطنبول الدولي (الجزيرة-أرشيف)

ووفقاً للشلاح فإن لتركيا جهوداً كبيرة ونموذجية لحماية الحقوق الفكرية، فقد سنت الكثير من القوانين لضمان مكافحة الكتاب المقرصن وغير الشرعي بما يخدم عملية النشر والفكر ويشجع الكتاب على عملية التأليف.

نهضة الترجمة
من جهته يرجع الأكاديمي والأديب رمضان عمر نهضة حركة الترجمة بين العربية والتركية إلى عام 2000، تقريباً، بالتزامن مع توجه تركيا للشرق واتساع القناعات بأن فكرة الاندماج في أوروبا لم تعد واقعية، مشيراً إلى أن هذا التقارب ازداد بعد الربيع العربي الذي نشطت خلاله علاقة أنقرة مع العالم العربي.

وقال المحاضر بقسم اللغة العربية بجامعة حران في أورفا أن هناك ما يقرب من عشر مؤسسات رسمية تركية تعمل بنظام المجلات المعنية بالترجمة بين الثقافتين العربية والتركية، فضلاً عن عدد لا بأس به من المؤتمرات الأكاديمية التي تعتمد التركية والعربية والإنجليزية لغات رسمية خاصة في إسطنبول العتيدة والعاصمة أنقرة وولايات الجنوب مثل غازي عنتاب وأورفا وكليس وماردين.

‪يعتبر الشاعر الفلسطيني رمضان عمر الترجمة بين اللغتين ضرورة ملحة‬ (الجزيرة)
‪يعتبر الشاعر الفلسطيني رمضان عمر الترجمة بين اللغتين ضرورة ملحة‬ (الجزيرة)

كما أشار عمر في حديث للجزيرة نت إلى أن العقد الأخير شهد ظهور اتجاه عدد من الجامعات التركية للتدريس بالعربية في مجالات متعددة كالعلوم السياسية والعلاقات الدولية وعلوم الاجتماع.

ترجمات أدبية
لكن عمر، وهو من مؤسسي رابطة أدباء الفرات، يعتقد أن ترجمة الأدب بين العربية والتركية لم تنل الحظ الذي تستحقه من هذه النهضة، موضحاً أن الأدب التركي ما زال مجهولاً بين العرب والعكس صحيح.

ويعتقد الأديب الفلسطيني أن الترجمة بين العربية والتركية باتت ضرورة ملحة، مشيراً إلى أن اتفاقات تمت خلال زيارات لاتحاد الكتاب واتحاد المترجمين الأتراك في إسطنبول، تنص على ضرورة البدء بترجمة مباشرة للأعمال الأدبية النوعية.

ويشير إلى أن من بين الأعمال العربية الأدبية التي تمت ترجمتها إلى التركية أعمال الشاعرين درويش وجبران، إضافة إلى نشاط في ترجمة الأدب السوري الحديث مثل روايات الكاتبة ابتسام شاكوش وبعض القصائد لشعراء سوريين لفتوا الأنظار.

وقد ترجم اتحاد الكتاب الأتراك للشاعر عمر قصيدة "وتبقى القدس" ونشرها بمجلة الاتحاد، وقصيدة "شكراً تركيا" التي نشرت بمجلة جامعة حران، وتُرجمت أعمال تاريخية وفكرية لأمين معلوف وسيد قطب وإدوارد سعيد، وأعمال أدبية لفدوى طوقان وبدر شاكر السياب.

 وترجمت حديثا قصائد للسوريين وبعض الروايات، وهناك مشروع تم التوقيع عليه لترجمة أعمال الأديب الأردني أيمن العتوم.

المصدر : الجزيرة