كشف حساب المتاحف في 2020.. عام الخسارات والانتصارات المعلنة

معرض “بينالي جينان الدولي للفن المعاصر” Shandong Official @iShandong
معرض بينالي جينان الدولي للفن المعاصر (مواقع التواصل الاجتماعي)

"قوة التناغم"، عنوان اختار متحف "شاندونغ" الصيني أن يختتم به هذا العام، ليجعل منه شعار الدورة الأولى التي أطلقها من "بينالي جينان الدولي للفن المعاصر" في 12 ديسمبر/كانون الأول، ودعا إليها 378 فنانا يعرضون ما يفوق 500 عمل.

تبدو التظاهرة كما لو أنها انتصار ثقافي معلن تجاهر به الصين بينما العالم يستعد لمواجهة جيل جديد من فيروس كورونا، حيث تنهي البلاد -التي تلقت الكثير من اللوم على ظهور الفيروس في الأساس- زمن الحجر والإغلاق.

ولا يخفى ما في تعبير "قوة التناغم" من إحالات تتعلق بإدارة أزمة كوفيد-19، ليس هذا فقط بل إن المتحف يخصص معرضا بعنوان "العالم ينتظر في الخارج"، ضمن البينالي، تستلهم كل الأعمال فيه فكر الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، من حيث علاقته بالوجود والزمن والآخر.

وحين نتحدث عن الوجود في 2020، فقد صارعت جل متاحف العالم من أجل البقاء، وتوقع أبرز المتخصصين في هذا المجال أن تقفل العديد منها أبوابها إلى الأبد وأن تعلن إفلاسها.

المتاحف الغربية

صحيح أن هذه النبوءة الاقتصادية لم تتحقق حتى الآن، لكن التهديد ما زال قائما. ففي أميركا مثلا شهد هذا القطاع (يساهم بنسبة 55 مليار دولار سنويا في الاقتصاد) خسائر غير مسبوقة، وأجرى التحالف الأميركي للمتاحف استطلاعا نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) نتائجه مؤخرا، جاء فيه أن واحدا من كل 3 متاحف في الولايات المتحدة لا يزال مغلقا بسبب الوباء، ومعظمها لم يفتح أبدا منذ الإغلاق الأولي في مارس/آذار الماضي.

وأظهر المسح (أجري في النصف الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، أن ربع المتاحف تقريبا لديها 6 أشهر أو أقل من احتياطي التشغيل المالي المتبقي، ولدى معظمها ما يكفي لسنة أو أقل، لكن المؤسسات التي أعيد فتحها تعمل بثلث طاقتها فقط، فأكثر من نصفها سرح عددا كبيرا من موظفيه.

كما تقدم متحف التاريخ اليهودي، الذي تأسس عام 1976 في فيلادلفيا، إلى المحكمة بطلب الحماية من الإفلاس، لا سيما أن المتحف يواجه مديونية كبيرة يحل موعد سدادها في 2022، تبلغ قيمتها ضعف الإيرادات السنوية للمتحف قبل أزمة كورونا.

وفي بلد مثل إيطاليا، حيث عائدات المتاحف لها مساهمة كبيرة في الدخل القومي، يقدر القطاع الثقافي في البلاد خسارته حتى الآن بـ3 مليارات يورو، وربما يرتفع هذا الرقم؛ لا سيما أن المتاحف التي افتتحت عدة أشهر بعد انحسار جائحة كوفيد-19 عادت لتغلق أبوابها من جديد الآن، وربما يمتد الإغلاق خلال الربع الأول من 2021 بشكل أولي.

المتاحف العربية

نجت الكثير من متاحف العالم إلى الآن، لأنها كانت انتهجت منذ سنوات سياسات الاعتماد على الفعاليات المستقلة، ومساهمات الأثرياء وتبرعاتهم، وبعض المساعدة من الدولة، وأرشيفها الضخم الذي حوّلته إلى مواد تباع وتشترى، إلى جانب الإجراءات القانونية التي سمحت للمتاحف أن تبيع بعض مقتنياتها الأثرية.

وهذا يحيلنا إلى التساؤل عن قدرة كثير من المتاحف العربية على الصمود إذا مرّ عليها عام عسير آخر، فهي قطاع يعتمد معظمه بشكل شبه كامل على دعم الدولة المتقشف في معظم الأحيان.

في مصر لا يوجد حتى الآن إحصائيات أو بيانات رسمية تكشف عن حجم الخسائر في قطاع المتاحف، والسياحة بالعموم التي تشكل ما يقارب 15% من إجمالي الدخل القومي.

لكن اجتماعاً عقدته "اليونسكو" في مايو/أيار الماضي وضمّ مسؤولي قطاع المتاحف في مصر ومديري أبرز متاحفها، طالب بالإسراع في تطوير مجموعة متنوعة من الأدوات الرقمية، بما في ذلك الجولات الافتراضية والمعارض عبر الإنترنت ونشر الوسائط الاجتماعية والبث المباشر والفيديو عبر الإنترنت وحجز التذاكر الإلكترونية.

الحقيقة أن معظم هذه الأمور ظلت قيد التوصيات، فمن يفتح موقع المتحف المصري الكبير مثلا، الذي وعد منذ يوليو/تموز الماضي بإطلاق خدمات وفعاليات افتراضية، لن يجد أن هذه الوعود تجسّدت، فلا وجود لجولات افتراضية أو صور ثلاثية الأبعاد أو ندوات رقمية، وهذا ينطبق على المتاحف الأساسية في مصر مثل المتحف الوطني للحضارة المصرية، والمتحف المصري بالقاهرة، ومتحف الفن الإسلامي.

أما في لبنان فقد مني القطاع الثقافي بعدة ضربات كان آخرها انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب الماضي الذي تضررت جراءه بشكل كبير صالات عرض ومتاحف من أبرزها متحف سرسق، وأعلن عن انتهاء أعمال ترميمه مؤخرا وأعاد فتح أبوابه قبل أيام.

مع كل ذلك، فإن أزمة 2020 لم تمنع من وجود مبادرات جديدة من نوعها، من حيث إنها كشفت للمتاحف عن غياب الأرشيف المتعلق بالأوبئة في سجلاتها وأجنحتها، فأعلنت متاحف اليابان مثلا تخصيص أجنحة فيها تسارع إلى أرشفة هذه المرحلة، وتوجهت إلى الناس تطالبهم بالمشاركة في هذه الأقسام بأقنعة الوجه والنشرات والصور والملابس والتذاكر الملغاة والمؤجلة وصور فوتوغرافية للضحايا، لأن "الحياة اليومية الراهنة هي قطعة من التاريخ الذي سوف يجري تسليمه إلى المستقبل، ولأن الناس تنسى بسرعة"، بحسب تعبير القائمين على المبادرة.

تحديات أخرى

لكن الوباء لم يكن التحدي الوحيد الذي عاشته متاحف العالم، فقد عاشت هذه المؤسسات العتيدة مواجهة من نوع مختلف بدأت مع اندلاع حركة "حياة السود مهمة" في أميركا ووصول آثارها إلى شوارع لندن، فارتفع صوت المطالبات بتحرير المتاحف من الكولونيالية وإعادة الكثير من المقتنيات التي نهبها الاستعمار إلى بلدانها الأصلية، ووسمت كثير من المؤسسات الثقافية في بريطانيا وفرنسا وأميركا بالعنصرية، من الجامعات إلى دور النشر وصولا إلى المتاحف الرسمية.

ويمكن أن تفسر هذه الاتهامات توجه الجهات الرسمية، مؤخرا، إلى الاهتمام بثقافة السود. على سبيل المثال، أقام المتحف البريطاني خلال النصف الثاني من 2020 فعاليات افتراضية ومعارض تحتفي بثقافة البريطانيين من أصول أفريقية، وتبرئه من العنصرية واحتفائه بالإرث الأبيض الإمبريالي، بل إن بعض هذه الفعاليات ناقش بشكل علني ومفتوح مسألة عودة المقتنيات وعلاقة تاريخ الحضارات الأفريقية بالتاريخ الإنساني بالعموم.

ما كشف عنه الوباء وما وقع من احتجاجات ضد العنصرية وعدم المساواة الاجتماعية، هو دعوة إلى التفكير في المتاحف كقوة مادية ورمزية محل نزاع شديد وموضع سلطة للثقافة المركزية.

المصدر : الجزيرة