نبيل فاروق.. الكتابة للشباب واليافعين أم الأدب "الوطني" كما تريده السلطة؟

الكاتب المصري الراحل نبيل فاروق
مواقف فاروق من ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 أثرت على شعبيته التي احتلها بين جيل الثمانينيات والتسعينيات (الصحافة القطرية)

شيعت في القاهرة جنازة الكاتب المصري نبيل فاروق، الذي وافته المنية عن عمر 64 عاما، بعد أن أثرى المكتبة العربية بمئات من قصص الشباب والمراهقين تجعله واحدا من أكثر الأدباء غزارة في الإنتاج والأكثر انتشارا في التسعينيات من القرن الماضي.

ونعى الكاتب الراحل العديدُ من قرائه وجمهوره وتلامذته في الوسط الثقافي، كما نعته وزارة الثقافة المصرية وهيئة الكتاب ورئيس مجلس النواب، في وقت تجدد فيه الجدل بشأن مواقفه السياسية بين من يراه من رواد أدب الشباب واليافعين، ومن يرى أن اعترافه بالتنسيق مع أجهزة الدولة، لكتابة رواياته، جاء على حساب القيمة الأدبية والفنية لأعماله الأدبية.

وولد فاروق يوم 9 فبراير/شباط 1956، وتخرج في كلية الطب بجامعة طنطا عام 1980، ليعمل طبيبا بضعة أعوام قبل أن يفوز في مسابقة أدبية نظمتها المؤسسة العربية الحديثة بالقاهرة، ليعتزل الطب ويتفرغ للكتابة منذ منتصف الثمانينيات.

وتنوعت كتابات فاروق بين الأدب البوليسي وأدب المغامرات والجاسوسية والخيال العلمي، كما قدم قصصا في الرواية الاجتماعية والرومانسية تجعله كذلك واحدا من أكثر الكتاب تنوعا.

رجل المستحيل.. وجدل التسييس

تعد سلسلة "رجل المستحيل" أشهر ما قدمه فاروق ضمن مشروع إصدارات "روايات مصرية للجيب"، الذي تبنته المؤسسة العربية الحديثة منذ منتصف الثمانينيات، وتتناول السلسلة مغامرات رجل المخابرات المصري "أدهم صبري"، الذي يجيد كل أنواع الفنون القتالية وعدة لغات حية، ويجيد مهارات التنكر، ويخوض مهمات يكلفه بها جهاز المخابرات المصري في بلاد العالم المختلفة، متحديا أعتى أجهزة المخابرات وشبكات الجريمة والمافيا.

ولم تخلو قصص أدهم صبري من علاقاته الرومانسية، إذ يرتبط بعلاقة حب مع زميلته منى توفيق، ويرفض دائما الزواج منها لأن حياته دائما في خطر، لكن المفاجأة التي قدمها فاروق لجمهوره خلال القصص أن صبري يفقد ذاكرته ويتزوج من عدوته اللدودة ضابطة الموساد الإسرائيلي سونيا غراهام وينجب منها، ليصير ابنه نقطة ضعفه الوحيدة خلال عشرات القصص.

ورغم الشعبية الشديدة لقصص رجل المستحيل، فإنها واجهت انتقادات بتقديمها صورة البطل الأسطوري الذي يجيد كل المهارات واللغات وينجو من مصاعب مستحيلة، كما غلبت النزعة الدعائية والأهداف السياسية الوطنية على حساب جودته الأدبية أو المصداقية، وهو ما يفسره البعض بمحاولته تقديم بطل مخابرات شعبي خارق بمواصفات مصرية على غرار البطل البريطاني جيمس بوند، حتى وإن فاقه أدهم صبري قوة ومهارة.

وارتبط فاروق بعلاقة وثيقة مع جهاز المخابرات المصرية، الذي فتح له أرشيفه ليستوحي منه قصصه ومغامراته، حتى إن فاروق كشف لقرائه أن شخصية أدهم صبري مستوحاة من شخصية حقيقية، بحسب تعبيره.

وسبق للأديب الراحل أن انتقد بشدة شباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مؤكدا على دعمه لجهاز الشرطة، ومعتبرا أن الشباب الذين نزلوا إلى الميادين يمارسون نوعا من الدكتاتورية وهم إما سذج وإما إرهابيون، على حد وصفه.

أنواع مختلفة من الأدب

وتزامنا مع سلسلة "رجل المستحيل"، أطلق فاروق أيضا سلسلة قصص "ملف المستقبل" من أدب الخيال العلمي عن الضابط نور الدين محمود وفريقه من جهاز المخابرات العلمية، الذين يخوضون مغامرات مختلفة لإنقاذ الوطن أحيانا، وأحيانا أخرى لإنقاذ كوكب الأرض من مخاطر جمة تصل لغزو فضائي أو هجوم نووي أو فيروسات قاتلة، كما قدم خلالها قصصا تناولت السفر عبر الزمن والهندسة الوراثية وغيرها، مما أثرى وجدان قرائها من المراهقين بالمفاهيم العلمية في عصر ما قبل انتشار الإنترنت.

وخلال سلسلته "كوكتيل 2000″، جرب فاروق أنواعا مختلفة من الأدب من القصة القصيرة إلى المذكرات والروايات القصيرة، كما قدم عبر صفحاتها روايته الاجتماعية "أوراق"، وخصص جزءا منها للتواصل مع قرائه ونشر أعمالهم الأدبية.

كما بدأ فاروق سلسلة "روايات عالمية" لترجمة أبرز المؤلفات العالمية قبل أن يتركها لزميله أحمد خالد توفيق لاستكمالها، ونشر أيضا قصصا مصورة وعشرت القصص والمقالات في مجلات مختلفة، أبرزها مجلة الشباب وجريدة الدستور.

وفاز فاروق بجائزة إبداع أكتوبر عن قصته "جاسوس سيناء.. أصغر جاسوس في العالم"، وهي قصة مصورة تصور بطولات طفل بدوي يعمل لصالح المخابرات المصرية خلال الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء، كما فاز بجائزة الدولة التشجيعية.

وقدم فاروق عددا من الأدباء للساحة الأدبية، وكان على علاقة صداقة مع الكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، إذ ساعده في نشر قصته الأولى من سلسلة "ما وراء الطبيعة"، كما تعاون فاروق مع الأدباء الشباب في سلسلته الساخرة "مجانين"، التي خرج من عباءتها عدد من الأدباء الشباب.

أثر السياسة

كانت ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 نقطة التحول في العلاقة بين الكاتب الراحل وجمهوره العريض من الشباب بسبب انتقاده الثورة وتبعاتها، واتخاذه مواقف مختلفة مؤيدة للسلطة جعلته محسوبا على النظام الحاكم ومنتقدا للمعارضين عامة وروابط الأندية الرياضية "الألتراس"، والتيار الإسلامي بصفة خاصة، مما أثر على شعبيته الجارفة التى احتلها بين جيل الثمانينيات والتسعينيات.

ويرى البعض أن فاروق اكتفى بدوره في تقديم قصص المراهقين والشباب، ولم يقدم الرواية الأدبية التي تخاطب جمهورا أعرض، كما أن أغلب شخصيات قصصه تفتقد العمق اللازم، وتحولت لنماذج أبطال أسطوريين يخلون من العيوب البشرية، مما أثر على واقعيتها الدرامية وحبكتها الروائية.

ولا يثير أدب اليافعين في العالم العربي اهتمام الناشرين إلا بقدر محدود، ولا ينتج إلا القليل من هذه الإصدارات قياسا إلى الوضع العالمي، وهو ما يضاف إلى مؤشرات أخرى تكرس الوضع الهامشي لليافعين في الفضاء العام.

المصدر : الجزيرة