رفضت وسام الجمهورية الفرنسية.. الجزيرة نت تحاور كمالا إبراهيم رائدة الفن التشكيلي السوداني

صور للفنانة التشكيلية السودانية كمالا إبراهيم إسحاق
التشكيلية السودانية كمالا إبراهيم إسحاق مع إحدى لوحاتها (مواقع التواصل)

"من الفن أن تحترم الآخر". هذا ما تراه كمالا إبراهيم إسحاق إحدى رائدات فن التشكيل السوداني التي جعلت البلور فكرة، وكشف الحُجُب ممارسة.

كمالا المولودة في "أم درمان" عام 1939 تعد رمزا تشكيليا في السودان، ورائدة من رواده ليس في موطنها فحسب، بل على الصعيدين العربي والأفريقي.

تخرجت كمالا في كلية الفنون الجميلة عام 1963، وسافرت إلى لندن للدراسات العالية، لتدرس التلوين والتوضيح، والطباعة الحجرية في الكلية الملكية للفنون، ومن ثمَّ عادت إلى كلية الفنون الجميلة وتولّت عام 1978 رئاسة قسم الرسم فيها.

ولكمالا مسيرة متعددة المحطات حافلة بالإنجازات الفنية، ولعل تأسيس جماعة ذات مفاهيم فنية (الكريستاليون) عام 1974 من أبرزها. وترى الجماعة -في بيانها التأسيسي- أن "جوهر الكون بمنزلة مكعب بلوري كامل الشفافية وأبديّ التحول يتغير باختلاف موقف المشاهد، ويقبع الإنسان أسيرا داخل هذا المكعب البلوري الشفاف"، وتسعى الجماعة نحو كشف الحجب والشفافية.

وقدمت الفنانة السودانية عددا من المنجزات التشكيلية والجوائز والمشاركات الخارجية، من أهمها الحصول على جائزة الأمير "كلاوس" في هولندا عام 2019، إضافة لمحطة آثرت الفنانة أن لا تمر بها، إذ كان من المفترض أن تنال وسام الآداب من جمهورية فرنسا الشهر الحالي بعد أن تقيم معرضًا في المركز الثقافي الفرنسي بالخرطوم، لكن كمالا رفضت الوسام  بسبب ما بدر من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من إساءة للإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتخلّت عن عرض لوحاتها في المركز. وبشفافية البلور أجابت كمالا عن أسئلة الجزيرة نت:

حدّثينا عن بداياتك في التشكيل وكلية الفنون الجميلة طالبة ومحاضرة..
البداية الحقيقية كانت مع دخولي كلية الفنون الجميلة، رغم أنني كنت أرسم من قبلها في المرحلة الثانوية. ففي ذلك الزمان كانت الفنون تدرس منذ المرحلة الأولية.

ففي السنة الأولى في كلية الفنون كنا ندرس برامج كل الأقسام، ثم في السنة الثانية يبدأ التخصص وكان هناك تخصص أول وثان، الأول كان التلوين والثاني النحت.

وبعد التخرج عملت معيدة في قسم التلوين مدة عام، بعدها ابتعثت إلى الكلية الملكية في لندن للتخصص في قسم تلوين الجداريات ومكثت بها مدة عامين. رجعت بعدها إلى الكلية مدة عام ثم عدت إلى الكلية الملكية، لكن إلى قسم الجرافيك هذه المرة ودرست فيه مدة عام "تصميم الكتب والمجلات والطباعة والليثوغراف" (الطباعة الحجرية). عدت بعدها إلى كلية الفنون الجميلة في قسم التلوين، ثم انتدبت إلى المتحف القومي وكان قد شرع في عمل جدارية في المدخل تشمل كل العصور التاريخية.

مدرسة الخرطوم.. المدرسة الكريستالية، وأسماء كثيرة قدمت للفن التشكيلي السوداني..
"مدرسة الخرطوم" تسمية أطلقها الأستاذ "دينيس وليامز"، وكان أستاذا في قسم التاريخ وكنت حينها طالبة بالسنة الثانية في الكلية، وأسماها مدرسة الخرطوم بمعنى كل الفنانين العاملين في مجال الفنون.

المدرسة الكريستالية.. ماذا عن ظروف النشأة وامتداد التجربة؟
أقمت معرضا في المتحف القومي عام 1974، ومن ضمن اللوحات لوحة كبيرة بطول 3 أمتار ونصف المتر، فيها 15 كرة من الكريستال بها نباتات ووجوه.

وعرضت هذه اللوحة عام 1977 في واشنطن في متحف الفن الأفريقي المعاصر. وقتها كان من طلبتي محمد حامد شداد ونايلة الطيب، وكان إنتاجهما أعمالا زجاجية كتب بعدها محمد شداد البيان الكريستالي وشرح فيه الفكرة.

ثم بعد ذلك ظهرت مدرسة "الواحد"، وشارك في صياغة بيان المدرسة الأساتذة: إبراهيم العوام رحمه الله، ومحمد حسين، وعتيبي، وأوكلت كتابته إلى الأستاذ أحمد عبد العال رحمه الله.

أعتقد أن هذه هي المدارس التي ظهرت بعد مدرسة الخرطوم، وكلها ليست مدارس بالمعنى المعروف بل هي اتجاهات فنية، وهذه الاتجاهات الفنية لم تستمر طويلا عدا مدرسة الخرطوم.

ولا أحبّذ لفظة "مدرسة" بل "اتجاه" لعمل تشكيلي، فالمدرسة تحصر العمل الفني، وأعتقد أنها صِيغَت لتسهّل عمل النقاد. ليس هناك أي امتداد لأي اتجاه أو مدرسة كما يطلق، ليس في السودان فحسب ولكن في كل البلدان منذ بداية الاتجاهات الفنية الحديثة التي ظهرت بعد اختراع الكاميرا من سريالية وتكعيبية وعدد من الاتجاهات، ولم يستمر أي منها فكانت تظهر وتنتهي.

وما رأيك بالمشهد التشكيلي الراهن؟
المشهد الآن يختلف كثيرا عن الماضي. في السابق كان هناك اتحاد الفنانين وله صلة باتحاد الأدباء، والمعارض كانت تقام مرتين في العام، شتاء وصيفا، وكان يشارك فيها كل الفنانين وبينها معارض فردية، وتقام ندوات ومحاضرات وليال شعرية. منذ زمن تقلص ذلك الحراك واستبدل ببعض المعارض الفردية لأنه ليس هناك اتحاد جامع لكل الفنانين.

اقترابا من الآني.. الحرية من مقتضيات العمل الإبداعي.. هل ترى كمالا للإبداع سقفا؟
الحرية في العمل الإبداعي ليس لها سقف.

رفضتِ وسامًا كان من المفترض أن تتقلديه من فرنسا كما ألغيتِ معرضا كان من المقرر إقامته في المركز الثقافي بالخرطوم . متى تم إخطارك؟
أخطرت بالوسام من قبل المديرة السابقة للمركز الثقافي الفرنسي بالخرطوم إذ أخبرتني بأنني سأمنح وسام الآداب والفنون، وكان ذلك منتصف 2018 ثم تغيرت المديرة، وأخبرني المدير الحالي للمركز أنه تم تحديد الأول من يناير/كانون الثاني 2019 موعدًا للمعرض.

أعرِضُ في المركز سنويا إلا إذا تعارض مع معرض خارجي، والوسام مرتبطٌ بقيام المعرض، إذ من المفترض أن يقدم لي بعد الافتتاح مباشرة، وكانت الثورة حينها قد انطلقت في السودان، ولم يكن بالإمكان إقامة معرض آنذاك، و كان من المفترض أن يكون المعرض بعد ذلك في أوائل عام 2020، وتأخر مرة أخرى وحدد له هذه المرة أول نوفمبر/تشرين الثاني.

صور للفنانة التشكيلية السودانية كمالا إبراهيم إسحاق
لوحة لكمالا إبراهيم التي تحدّت الممارسات التقليدية في المشهد الفني السوداني (مواقع التواصل)

اختلف البعض في تفسير موقفك.. على بداهة السؤال لكنه ضروري، ما الذي دعاك لهذا الموقف؟
الاختلاف في تفسير أي موقف متوقع، وما جعلني أقف موقفي هذا رأي رئيس جمهورية فرنسا في الرسومات والسخرية، ووصفه لها بحرية الرأي، وأرى أنه ليس هناك حرية مطلقة.

اتصلت بمدير المركز وأخبرته بأني أرفض الوسام، وطلبت منه إخطار السيدة السفيرة باعتذاري عن تسلمه كما أرجو الرد. قال لي إن هذه الرسومات من حرية الرأي، وإنهم ينتقدون ديانتهم المسيحية ورسولهم وكذلك اليهودية، فقلت له إنها (أي الرسومات المسيئة) في رأيي "غير مقبولة لأنهم أنبياء وفي ديننا نؤمن بكل الرسل والأنبياء".

جاء الرد في اليوم التالي، فقد تلقيت اتصالا من المدير مفاده أن السفيرة أخطرته بسحب الوسام، وسألت عن المعرض فقلت له إن المعرض بالأساس لتسلّم الوسام ولذلك لا ينبغي أن يحصل، وطلبت منه أن يبلغها احترامي وتقديري لها وللكل وللمركز الثقافي.

ألا ترى كمالا أن ما فعلته مجاف لروح الفن؟

ما اتخذته من قرار مجاف لروح الفن؟ كيف؟ هل الفن يدعو للتعدي على مقدسات الآخرين؟ أعتقد أنه من الفن احترام الآخر ومراعاة مشاعره. هذا هو روح الفن.

ما تعليقك على خبر إلغاء فنان تشكيلي موريتاني علاقته مع جمعية فرنسية بعد أن رسم كاريكاتيرا ساخرا للرئيس الفرنسي؟
هذا رد على الرئيس ماكرون، وسؤال يطل بقوة: أين حرية الرأي؟ مع كون الرئيس بشرا عاديا لا قداسة له يمكن أن يرسم وأن يسخر منه، وتكون الرسومات الساخرة من حرية الرأي، ولكن الأنبياء والرسل لهم قداسة.

كل هذا يجعلنا نسأل لماذا نبدع إذا كان الإبداع يبعث على كل ذلك؟
نبدع لأن الإبداع جزء منا لا نستطيع الفكاك منه، أما إذا كان السؤال عن الرسم (الفرنسي) الذي نحن بصدده فهذا ليس إبداعا. هذا في رأيي تعدّ ومحاولة سيئة للشهرة، الفن أخلاق وجمال وإبداع كما قلت، وهذا ما تدعو له الفنون وتحاول صياغته.

المصدر : الجزيرة