نقص التمويل وهجرة الأدمغة.. البريكست يخدش صورة الجامعات البريطانية ويهدد ريادتها العالمية

جامعة غرينتش في لندن | بريطانيا | الجزيرة
جامعة غرينتش في لندن (الجزيرة)

الجزيرة نت-لندن

لسنوات عديدة، ظلت الجامعات البريطانية مضرب المثل في الرقي العلمي، وصاحبة الصدراة لأفضل الجامعات في العالم، بفضل أيقونتها الأشهر جامعة أوكسفورد، وبفضل نظامها التعليمي المتميز، مما يجعل حلم أي طالب في العالم أن يحمل لقب خريج جامعة بريطانية مصنفة، كما يسعى أي باحث أو أستاذ جامعي أن يكون ضمن الأسرة التعليمية لواحدة من الجامعات البريطانية الشهيرة.

لكن هذا الواقع المتفرد الذي تعودت عليه مؤسسات التعليم في المملكة المتحدة، يكاد ينهار بسبب "البريكست" الذي لن يغير الوضع السياسي للبلاد فحسب، وإنما سيغير ملامح الجامعات البريطانية التي ستعاني من نقص في الأساتذة والطلبة والموارد المالية للبحث العلمي، بل حتى في المواد الغذائية المقدمة للطلبة.

ولا تبدو هذه المخاوف مبالغات للتهويل من نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بقدر ما تعكس ما عبر عنه عدد من مسؤولي الجامعات البريطانية الذين أسقط في أيديهم، وأعلنوا صراحة عجزهم عن التعامل مع مرحلة ما بعد البريكست، مطالبين الحكومة بالتدخل.

الجامعات خائفة
أظهر استطلاع للرأي شمل 130 مؤسسة جامعية هي الأفضل في المملكة المتحدة، أن 80% من الجامعات عبرت عن قلقها من "الانهيار" في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، مؤكدين أن النقص الذي ستعاني منه المؤسسات الجامعية سيطال كل شيء، من المواد الكيميائية المعتمدة في مختبرات البحث إلى أقلام الحبر.

الاستطلاع الذي نشرت نتائجه صحيفة "الغارديان" البريطانية، كشف الخوف البالغ الذي يجتاح مجالس إدارة الجامعات في بريطانيا، حيث أكد 80% من مسؤوليها أنهم غير مستعدين لسيناريو الخروج من الاتحاد بدون اتفاق، وأنهم "في غاية القلق" مما تحمله المرحلة القادمة من أزمات للجامعات البريطانية.

وفي أفضل الأحوال، فقد أعلنت نصف الجامعات عن "استعداد نسبي" لمواجهة سيناريو الخروج بدون اتفاق، وهذا موقف لا يشفي غليل هيئة التدريس في هذه الجامعات ولا الطلبة الذين تعودوا على نظام مضبوط مثل عقارب الساعة.

ولمواجهة الأيام العصيبة التي ستعقب الخروج من الاتحاد مباشرة، أعلنت العديد من الجامعات أنها باشرت بالفعل في تخزين الأطعمة التي تحتاجها الإقامات الجامعية حتى تتمكن من مواجهة النقص المحتمل في الأسواق. أما الجامعات الطبية فوضعها أكثر حرجا بإعلان عجزها عن توفير المواد والمعدات الطبية الضرورية للتدريس خلال مرحلة ما بعد "البريكست".

البحث العلمي في خطر
تعلم الجامعات البريطانية أنها تواجه منافسة شرسة من الجامعات الأوروبية والأميركية خصوصا لاستقطاب ألمع الطلبة وأفضل الأساتذة، ولهذا فهي تعبر عن حسرتها وهي تواجه شبح فقدان طاقهما التدريسي، حيث أعلنت نحو 60% من الجامعات البريطانية عن فقدان أعضاء من فريقها، وهناك احتمال لرحيل موجة ثانية مباشرة بعد البريكست نحو جامعات منافسة استغلت حالة الاضطراب الجامعي في المملكة المتحدة لاستقطاب أفضل العقول التعليمية إلى صفوفها.

وتقدم جامعة "كنت" نموذجا معبرا عن حاجة الجامعات البريطانية إلى العاملين الأوروبيين، ذلك أن ربع الطاقم التدريسي في هذه الجامعة من دول أوروبية، وأغلبهم عبّر عن رغبته في الرحيل بما يعني خسارة وأزمة حقيقية لهذه المؤسسة.

ويضاف إلى مشكل نقص الموارد البشرية، نقص في تمويل البحث العلمي، فعلى امتداد سنوات استفاد الباحثون في المملكة المتحدة من دعم سخي من الاتحاد الأوروبي عبر المجلس الأوروبي للبحث، حيث حافظت المملكة على صدارة المستفيدين من هذا التمويل الذي حصل عليه 66 مشروعا للبحث العلمي في رحاب الجامعات البريطانية. وتبلغ قيمة هذا التمويل أكثر من 160 مليون دولار، كلها الآن ستتوقف في حال الانفصال دون اتفاق.

وسيكون من الصعب تحقيق الانفصال الأكاديمي في أشهر معدودة، بعد سنوات من التعاون والتنسيق، فخلال الفترة الممتدة بين عامي 1981 و2014، انخفض حجم الأبحاث العلمية التي تنشر باسم جامعات بريطانية فقط دون مساهمة أوروبية من 84 إلى 48% فقط، وهو ما يعني أن أكثر من نصف الأبحاث العلمية تتم بالتعاون بين جامعات المملكة والاتحاد الأوروبي. ويطرح الكثيرون أسئلة عن قدرة الجامعات البريطانية على تعويض كل هذا التعاون والتنسيق مع نظيراتها الأوروبية، وإصدار بحوث علمية بنفس الإيقاع الذي كانت عليه قبل البريكست.

تبخر التمويل القادم من الاتحاد الأوروبي بات يؤرق الباحثين الأوروبيين الموجودين في بريطانيا، الذين سيجدون أنفسهم أيضا محرومين من الدعم المالي لأنهم يعملون في جامعات بريطانيا، وهو ما سيجبر الكثير منهم لنقل مشاريعهم إلى جامعات أوروبية، الأمر الذي سيكلف البحث العلمي في بريطانيا ما يفوق 1.5 مليار دولار.

وما يزيد من غضب الأكاديميين البريطانيين أنه لحد الآن لم تقدم الحكومة البريطانية أي تطمينات لتعويض التمويل الأوروبي للبحث العلمي في الجامعات البريطانية، مما يجعلهم يدخلون في نفق مسدود، أو يختارون الانتقال إلى جامعات أخرى خارج البلاد.

‪‬ القلق بشأن المستقبل يتزايد بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات البريطانية(الجزيرة)
‪‬ القلق بشأن المستقبل يتزايد بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات البريطانية(الجزيرة)

أزمة في المداخيل
ظلت الجامعات البريطانية لسنوات طويلة الوجهة المفضلة للطلبة الأوروبيين، بالنظر إلى مستواها التعليمي ولأنهم معفيون من دفع رسوم الحصول على تأشيرة الدراسة، وهو الواقع الذي سيتغير تماما بعد انسحاب المملكة من الاتحاد، حيث سيصبح على هؤلاء دفع رسوم التأشيرة التي تعتبر باهظة، مما سيدفعهم للبحث عن وجهات علمية أقل كلفة.

ويتواجد حاليا أكثر من 130 ألف طالب أوروبي يدرسون في مختلف الجامعات البريطانية، كانوا يستفيدون في السابق من التعامل معهم كطلبة بريطانيين وغير أجانب. ويشير "الدليل الجامعي الشامل" الذي تضعه الحكومة في خدمة الطلبة إلى أن هذا الوضع كان يوفر على الطلبة الأوروبيين ما يفوق 50 ألف دولار على امتداد ثلاث سنوات.

في المقابل، يساهم الطلبة الأوروبيون في تمويل خزينة الجامعات، ومعها خزينة الدولة. وطبقا لنفس الدليل فإن هؤلاء يُدخلون إلى خزينة الدولة ما يفوق 2.5 مليار دولار، وساهموا في خلق 19 ألف منصب شغل. هذه الموارد ستتراجع كما تشير إلى ذلك العديد من التحاليل الاقتصادية بسبب تفضيل الطلبة الأوروبيين لجامعات داخل الاتحاد توفر لهم الكثير من التسهيلات، مقارنة بالجامعات البريطانية التي تعتبر من بين الأغلى في العالم.

المصدر : الجزيرة