حرب طبقية جديدة.. وجوه الصدام الثقافي التي تهدد الديمقراطية الغربية

غلاف كتاب : الحرب الطبقة الجديدة: إنقاذ الديمقراطية من النخبة الإدارية
كتاب "الحرب الطبقية الجديدة.. إنقاذ الديمقراطية من النخبة الإدارية" يناقش سيطرة النخب على المؤسسات الثقافية في الغرب

زعزع صعود "الشعبويين" -مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون- نظام الأحزاب القائمة في أوروبا وأميركا الشمالية على حد سواء، وأصبحت الحكومات في حالة اضطراب، وبينما تزعم المؤسسة الرسمية "المحاصَرة" أن هذه "التمردات الشعبوية" تسعى لإسقاط "الديمقراطية الليبرالية"؛ تبدو الحقيقة أكثر تعقيدا؛ إذ "تتمزق الديمقراطيات الغربية بسبب حرب طبقية جديدة"، حسب كتاب صدر في يناير/كانون الثاني الجاري.

وفي هذا التحليل الجديد والمثير للجدل، ينفي مايكل ليند -الصحفي والمؤرخ الأميركي- في كتابه "الحرب الطبقية الجديدة"؛ فكرة أن التمردات هي في المقام الأول نتيجة للتعصب، ويتتبع كيف أدى انهيار "التسويات الطبقية" السابقة إلى صراع جديد يكشف عن خطوط المعركة الحقيقية، حسب تعبيره.

من ناحية أخرى، توجد الطبقة الإدارية العليا والنخبة الجامعية التي تتجمع في المراكز ذات الدخل المرتفع وتهيمن على الحكومة والاقتصاد والثقافة، وتصطدم مع الطبقات العاملة حول الهجرة، وقواعد التجارة، والبيئة، والقيم الاجتماعية.

وكنتيجة للانهيار الذي استغرق نصف قرن في المؤسسات التي كانت ذات يوم تُمكّن الطبقة العاملة؛ انتقلت السلطة إلى المؤسسات التي تسيطر عليها الطبقة العليا: الشركات، والفروع التنفيذية والقضائية ، والجامعات، ووسائل الإعلام.

ويتوقع الكاتب حل الحرب الطبقية بإحدى الطرق الثلاث التالية: انتصار الطبقة العليا، أو تمكين الشعبوية، أو الوصول لتسوية وسط بين الطرفين تدمج جميع الأعراق والمعتقدات في صنع القرار في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة.

ويقول ليند إن "هذه التسوية الطبقية هي وحدها التي يمكن أن تتفادى حلقة لا نهاية لها من الصراع بين النخبة القليلة والجماهير الغفيرة، وتنقذ الديمقراطية".

انقلاب النخب
ونشر موقع "أميركان كونسيرفاتيف" الأميركي مقال رأي للكاتب روب دريهر، تحدث فيه عن كتاب مايكل ليند، حيث يقول إن ليند في مؤلفه يستدل على أن الديمقراطيات الغربية تمر بفترة تغير جذري، حيث إن النخب في الدول الغربية انقلبت على الطبقتين الكادحة والمتوسطة في بلدانها، واتجهت نحو الاستثمار في عولمة اليد العاملة، حيث باتت تفضل الاعتماد على عمال من الصين ودول أخرى، بدل تعزيز الإنتاجية والبقاء في بلدانها الأصلية.

وخلال هذا المسار، خلقت هذه النخب سوق شغل بات فيها المنتمون للطبقة الكادحة يواجهون صعوبات متزايدة للحصول على فرص وظيفية، تمكنهم من تحقيق المستوى المعيشي الذي يرغبون فيه.

كما أن هذه التغيرات خلقت عالما اجتماعيا أصبحت فيه مؤسسات مثل النقابات ودور العبادة ضعيفة ومحدودة التأثير، بعد أن كان العمال يعتمدون عليها بشكل كبير، وكذلك تراجع دور النقابات العمالية بسبب العولمة بالتزامن مع تباطؤ قطاع الصناعة الأميركي.

وانتقد الكثير من علماء الاجتماع والنقاد السياسيين والثقافيين فكرة الصراع الطبقي لتفسير التاريخ والمجتمع، وهي الفكرة التي طرحها عالم الاجتماع الألماني كارل ماركس، ويرى النقاد أن المجتمعات الحديثة قضت على التفاوت الطبقي، ولم يعد المفهوم الماركسي فعالا في فهم التاريخ.

تعاطف
ويقول الكاتب إن مؤلف هذا الكتاب يعبر عن تعاطفه مع الطبقتين المتوسطة والكادحة، ويرى أنهما يتعرضان للخداع من قبل "الأوليغارشية" أو الأقلية الحاكمة. ويعتبر أن هذه النخب تقوم بتزييف الحقائق، وإطلاق تسميات خاطئة على الظواهر الاجتماعية، مثل اعتبار الأحكام المسبقة المنتشرة في صفوف العمال البيض مجرد فوبيا أو رهاب، يجري تشبيهه بالإسلاموفوبيا مثلا. 

والهدف من ذلك هو جعل هذه المواقف السياسية والآراء المختلفة تبدو كأنها مجرد أمراض نفسية واختلالات عاطفية تحتاج للعلاج الطبي. 

ويضيف الكاتب أن هؤلاء الليبراليين الجدد إذا كانوا يعتبرون كل من يعارض أسلوبهم في إدارة الشأن العام مجرد شخص مختل نفسيا أو عقليا، فإن عليهم إعلان نيتهم لحجز معارضيهم في المستشفيات قسريا، بما في ذلك ناخبو دونالد ترامب والمصوتون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وباقي أنصار الحركات الشعبوية، وذلك من أجل مصلحة هذه النخب ومصلحة المجتمع كما يرونه.

ويرى الكاتب أن النخب المتنفذة في دوائر السياسة والمال تحاول التحكم في عقول الناس وثقافتهم، والترويج لفكرة أن الحاضر أفضل من الماضي، والمستقبل أفضل من الحاضر، وجعل الناس يشعرون بالخجل تجاه تقاليدهم وهويتهم الأصلية، ليكونوا مستعدين للتخلي عنها أمام الدعاية وسطوة الإعلام.

حرب طبقية
ويضيف الكاتب أن هذه النخب سيطرت على المؤسسات الثقافية في الدول الغربية، وفرضت قواعد مفادها أن كل من يتصدى لأهداف الليبرالية الاجتماعية يعد إنسانا رجعيا ومثيرا للخجل، ولم يعد المدافعون عن الفكر المحافظ والتقاليد ينظر إليهم فقط على أنهم متخلفون أو ينتمون للماضي، بل يجري اعتبارهم "أعداء للشعب". 

ويتم نشر أفكار مفادها أن غياب السعادة المطلقة في هذا العالم هو ذنب من يعارضون الفكر التقدمي، وإذا تمكنا من إلغاء وجود هؤلاء المعارضين، فإن العدالة والانسجام سيسودان.

ولذلك يرى الكاتب أن كل هذه الأساليب في التعامل مع المنتمين للفئات الكادحة والمتوسطة هي نوع من الحرب الطبقية التي تشنها ضدهم النخب الحاكمة، من خلال تغيير نظرتهم للمجتمع والواقع. 

وما كان يعرف سابقا بالأفكار والرؤى "التقدمية"، تحول اليوم إلى سلاح في يد النخب المتنفذة، تشن به حربا ضد خصومها، وضد الطبقتين الأدنى في الهرم الاجتماعي، وذلك في إطار حرب ثقافية. 

وهكذا تم مثلا تشويه صورة البيض المنتمين للطبقة الوسطى في الولايات المتحدة، وتصويرهم على أنهم معادون لحركات الحقوق المدنية والفكر التقدمي.

المصدر : الصحافة الأميركية