جامع علولة بتونس من معلم تحت التراب إلى قائمة التراث الإسلامي

حياة بن هلال-تونس

بين جبال بني خداش في الجنوب الشرقي التونسي تتراءى للناظرين منارة قديمة صنعت من حجارة وطين نصفها تداعى للسقوط، والآخر صامد في وجه الزمن، تحمل جدرانها نقوشا من عهد غابر استعصى على المحو والنسيان.

تلك المنارة هي دليل على وجود كنز أثري تحتها، فهي صومعة جامع علولة الحفري "المحفور تحت الأرض"، وهو واحد من 159 معلما أثريا تزخر بها منطقة بني خداش، إلا أن وجوده تحت الأرض جعله منسيا بل كاد يدفن تحت التراب، وتدفن معه رواية كاملة لحقبة تاريخية ودينية مهمة.

ونفض جامع علولة الحفري في ديسمبر/كانون الأول الغبار عن جدرانه، بعد إدراجه في القائمة النهائية للتراث الإسلامي بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الإيسيسكو، لما يتميز به من خصائص معمارية ووظائف متعددة أهلته لاحتلال مكانة له في القائمة.

تاريخ
شيد جامع علولة الحفري عام 565 هجري تقريبا بحسب رئيس جمعية صيانة القصور والمحافظة على التراث ببني خداش، كيلاني الذوادي.

ويقول الذوادي للجزيرة نت، إن الجامع كان مهجورا ونقوشه مخفية، وقد أدرج منذ 2004 في القائمة المبدئية للمعالم التراثية الدينية بالمنطقة.

وتعد "بني خداش" منطقة جبلية تابعة لمحافظة مدنين جنوب تونس، ويسكنها قرابة 29 ألف نسمة وتقدر مساحتها الإجمالية بـ3586 هكتارا، وتغلب عليها السلاسل الجبلية وقد مثلت قلعة نضال مهمة في حقبة الاستعمار الفرنسي، وتعرف بكثرة المعالم الأثرية على غرار القصور الصحراوية والمعالم الحفرية.

كتابة قديمة بالأحرف العربية (الجزيرة)
كتابة قديمة بالأحرف العربية (الجزيرة)

ويعود تاريخ هذا الجامع الحفري إلى الحقبة الإباضية عندما كان المذهب الإباضي منتشرا من القرن الثالث إلى القرن التاسع الهجري حسب رئيس الجمعية، ويقول الذوادي "في عهد الدولة الحفصية أو بعدها بفترة كان أبو القاسم بن إبراهيم البرادي العالم الإباضي المعروف -صاحب كتاب الجوهرة المنتقاة- قد درس بجامع علولة، ومعنى ذلك أن الجامع كان أيضا جامعة تدرس الطلاب الذين تنتشر مساكنهم إلى اليوم على بعد مئة وخمسين مترا تقريبا".

وبني الجامع تحت الأرض لأسباب كثيرة عددها الذوادي للجزيرة نت، أهمها غياب العمران عام 565 للهجرة في منطقة تضاريسها جبلية مرتفعة بالأساس، إضافة إلى الأسباب الأمنية مثل الخوف من الغزاة وكذلك الأسباب الدينية حيث توجد الجوامع الحفرية في الجزائر أيضا في مواقع انتشار المذهب الإباضي.

أعضاء جمعية صيانة القصور وبعض الزوار يفحصون النقوش (الجزيرة)
أعضاء جمعية صيانة القصور وبعض الزوار يفحصون النقوش (الجزيرة)

تعدد الوظائف
يقبع جامع علولة الحفري وسط هضبة مرتفعة بجبال دمر في منطقة بني خداش، ويسع من ستمئة إلى ثمانمئة مصل تقريبا، ويتميز بأقواسه الحجرية التي تحمل 12 نقشا وثلاثة زخارف قديمة جدا، من بينها رسومات لسفن وأوراق زيتون وغيرها وقد اختفت نقوش أخرى بمرور الزمن.

وفي آخر الجامع، توجد أنفاق مظلمة رجح الذوادي أنها ممرات تؤدي إلى مساكن الطلاب الموجودة على بعد أمتار من الجامع، إلا أن الولوج إليها صعب خوفا من الانزلاقات التي قد تحدث أثناء المرور وقد حاول مجموعة من الشبان الدخول عبرها غير أنهم خافوا وعادوا من منتصف النفق. 

‪الجامع محفور بطريقة مقوسة‬ (الجزيرة)
‪الجامع محفور بطريقة مقوسة‬ (الجزيرة)

ولهذا المعلم الأثري وظائف متعددة إلى جانب وظيفته الدينية، إذ استخدم مرفقا تعليميا واجتماعيا حيث كان جامعة يؤمها الطلبة من عدة مناطق لدراسة العلوم الشرعية والفقه والمذهب الإباضي.

وأدرجت جميع هذه الميزات مع جامع علولة ضمن قائمة التراث الإسلامي، وهو ما يعكس الاعتراف بقيمته الدينية والتاريخية، رغم أنه يفتقر إلى الصيانة والترميم حيث طالته أيادي البشر بالنبش والتخريب.  

المصدر : الجزيرة