الصوفية "النيوتقليدية" عند حمزة يوسف وابن بيّه.. إطفاء الحرائق أم إشعالها؟

غلاف كتاب الصوفية العالمية.

حوار: عمران عبد الله

صدر حديثًا كتاب "الصوفية العالمية" الذي اشترك فيه 14 خبيرًا وباحثًا، في محاولة لرسم خريطة للثقافة الصوفية العالمية في وجوهها المختلفة من جلال الدين الرومي إلى موسيقى الراب، ومن سان فرانسيسكو الأميركية إلى السنغال غرب أفريقيا، من أجل فهم ديناميات التصوف الإسلامي وتحولاته حول العالم. 

وفي مشاركته ضمن الكتاب، تناول الأكاديمي والباحث أسامة الأعظمي -الحاصل على الدكتوراه في دراسات الشرق الأدنى من جامعة برينستون- ما أسماه الصوفية "النيوتقليدية" أو "التقليدية الجديدة"، التي اعتبرها مدرسة فكرية ظهرت بشكل بارز بالتزامن مع أحداث الربيع العربي، ومدعومة من بلدان بعينها.

استغلال واستبداد
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال الأكاديمي البريطاني -الذي تخرج من قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أوكسفورد- إنه لا يشعر بتناقض بين دعم الإمارات لتيارات فكرية صوفية، وأخرى "تنويرية تحديثية"، وثالثة سلفية مدخلية؛ معتبرًا أن الأمر انتهازي واستغلالي لا أكثر، ويعتبر الأعظمي أن هذا التصوف -الذي تحفظ على تسميته بالسياسي- يعد استغلالاً للجانب الصوفي لتعبئة الناس لمصالح سياسية معينة.

ويرى الأعظمي أن التقليد الإسلامي عرف مجموعة متنوعة من ردود الفعل على الحكم الاستبدادي، بدءًا من "المعارضة بالقلب"، وحتى "التمرد المسلح"، مؤكدًا أن أغلب المتأخرين مثل الغزالي وابن رجب الحنبلي وابن حجر العسقلاني كانت لهم مواقف بين هذين القطبين، ودعوا للتمرد في ظروف معينة فقط، لكنهم في الوقت نفسه ينصحون بموقف حاسم في التعبير عن الطغيان.

ويؤكد الأعظمي أن مقاومة الاستبداد بالكلمة كان في صميم التقليد الإسلامي، على عكس مزاعم الشيخ حمزة يوسف، لكنه أشار إلى أن القرون المتأخرة شهدت نوعًا من التصوّف يسهل تسييسه، وينطبق عليه قول كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب"، مشيراً إلى المداخلة والصوفية السياسية الذين يتم استخدامهم من قبل الأنظمة العربية مثل الإمارات، على عكس صوفية آخرين واجهوا الاستعمار، مثل الأمير عبد القادر الجزائري والحركة السنوسية الليبية، حسب تعبيره.

‪عمل حمزة يوسف مؤخرًا مستشارًا للجنة حقوقية تابعة للإدارة الأميركية وواجه مشكلات تتعلق بشرعيته كداعية‬ (مواقع التواصل)
‪عمل حمزة يوسف مؤخرًا مستشارًا للجنة حقوقية تابعة للإدارة الأميركية وواجه مشكلات تتعلق بشرعيته كداعية‬ (مواقع التواصل)

وفي جانب آخر، يرى الأعظمي أن العلمانية تتوافق مع الديمقراطية في الغرب، لكن في العالم العربي يريد بعضهم إنتاج إسلام علماني لا ينخرط في السياسة، ولا يشكل معارضة للأنظمة، وفي المقابل يحجّم الإسلام السياسي؛ وضرب الأعظمي المثل بأفكار الفيلسوف الأخلاقي الأميركي جون راولز وعالم الاجتماع الألماني يروغن هابرماس، الذين أعادوا النظر في العلمانية في الغرب.

بين الدين والسياسة
وأشار الأعظمي إلى كتب الشيخ الموريتاني عبد الله بن بيّه الأخيرة، ومنها "مشاهد من المقاصد" و"تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع"، التي يؤصل فيها لما أسماه "الانقياد التام للسلطان فقهيا وأصوليًّا"، لكنه رفض في حواره مع الجزيرة نت اعتبار ذلك من باب التصوّف.

‪أسامة الأعظمي: حمزة يوسف يدافع عن الاستبداد بدل لوم الحكومات‬ (الجزيرة)
‪أسامة الأعظمي: حمزة يوسف يدافع عن الاستبداد بدل لوم الحكومات‬ (الجزيرة)

ويشرح الأعظمي فكرة التصوف "النيوتقليدي" الذي لا يعد امتدادًا للطرق والتقاليد الصوفية التي يعرفها من خلال دراسته، وبحكم كونه بنغالي الأصل، مميزاً بين الشيخ عبد الله بن بيّه وشيخ الأزهر أحمد الطيّب اللذين ورثا الطرق الصوفية من والديهما، لكن الشيخ حمزة يوسف لا يحبذ الطرق الصوفية ويدعو لتركها. 

ويرى الأكاديمي البريطاني أن منتدى تعزيز السلم ومجلس حكماء المسلمين والمؤسسات الشبيهة بهما تعد محاولة لخلق مرجعية بديلة منافسة لمؤسسات أخرى ضمن استقطاب ديني تزامن مع أحداث الربيع العربي، واستغلت دولة الإمارات الاستقطاب في المجتمع العربي لبناء قوتها الناعمة وشبكة مؤسساتها الفكرية. 

ويشير الأعظمي إلى مواقف حمزة يوسف الذي يلقي اللوم على المتظاهرين السلميين لتسببهم في إثارة الحكومات؛ مما يدفعها لسحقهم! منتقداً الذي يدافع عن الاستبداد بدل لوم الحكومات على الممارسات الديكتاتورية المدمرة.

أصداء غير عربية
وبسؤاله عن أصداء هذه المدرسة "النيوتقليدية" خارج العالم العربي، أجاب الأعظمي بأن هذه المؤسسات مثل منتدى تعزيز السلم الذي يترأسه ابن بيّه ويستدعي شخصيات حول العالم؛ تنشط في عقد فعاليات كثيرة، منها مؤتمر بماليزيا، ومؤتمر "إحياء الروح الإسلامية" الدوري الذي ينظمه حمزة يوسف في كندا، وأصبح له مؤخرًا فرع بماليزيا أيضًا.

‪الشيخ الموريتاني عبد الله بن بيّه‬ (الجزيرة)
‪الشيخ الموريتاني عبد الله بن بيّه‬ (الجزيرة)

ويضيف الأعظمي أنه في الغرب الأوروبي والأميركي، تعد أفكار يوسف "مشكلة"، خاصة أنها مدعومة بقوة من دول مثل الإمارات وله علاقة هو وشيخه ابن بيه بالإدارة الأميركية؛ مثل موقفه السلبي من الثورات العربية، مؤكداً أن هذه الأفكار مناهضة بشدة للديمقراطية والعقد الاجتماعي في الغرب، مستنكرًا للجزيرة نت قبول هذه الأفكار بين أوساط مثقفين غربيين.

وأشار الأعظمي إلى حضور ابن بيّه مؤتمر "حماية الحريات الدينية" في نيويورك قبل يومين بمشاركة شخصيات "إسلاموفوبية" من الحزب الجمهوري الأميركي، وبحضور المتحدث باسم الزعيم الصربي المتورط في حملات التطهير الواسعة ضد البوسنيين في البلقان سلوبودان ميلوسوفيتش.

ويرى الأعظمي أن ابن بيّه وحمزة يوسف يرعيان "فكرًا انهزاميًّا يحض على الاستسلام من أجل إطفاء الحريق"، ويعتبر أن ذلك الفكر يتأصل ويتأسس برعاية شبكة المؤسسات الصوفية والدينية التي ترعاها الإمارات في بلدان مختلفة.

المصدر : الجزيرة