التاريخ والأيديولوجيا والترجمة الخاطئة.. هكذا لفق الغرب الاستعماري صورة البربر

رجال من الطوارق في صحراء الجزائر- المصدر بيكسابي.
مؤرخون يؤكدون أن الكثير من عدم الدقة والارتباك ساد الكتابات الأوروبية التي تتناول الثقافة والسكان المحليين في شمال أفريقيا (بيكسابي)

عمران عبدالله

صدر حديثا عن دار برينستون الجامعية كتاب "اختراع البربر.. التاريخ والأيديولوجية في المغرب"، ويتناول قضايا التاريخ الاستعماري والتعريف العرقي الحديث في بلاد المغرب العربي.

ويحكي مؤلف الكتاب رمزي روغي -وهو أستاذ مشارك في دراسات الشرق الأوسط والتاريخ بجامعة جنوب كاليفورنيا- قصة القنصل الأميركي العام وليام شالر الذي وصل إلى الجزائر العاصمة في عام 1815، ليمثل الولايات المتحدة في مفاوضات السلام التي تلت الحرب الأميركية على إيالة (إقليم) الجزائر.

وكانت الحرب البحرية الأميركية-الجزائرية هي ثاني حرب بين الولايات المتحدة الناشئة حديثا وبين إيالة الجزائر التابعة للإمبراطورية العثمانية، وخلال إقامة شالر التي استمرت 10 سنوات في الجزائر العاصمة تواصل اجتماعيا مع التجار والدبلوماسيين الأجانب، الفرنسيين والإيطاليين في الأغلب، مستمتعا بالأجواء الفرنسية التي سادت هذه النخبة، وألف كتابه الذي أصبح مرجعا للغربيين في دراسة الساحل الجزائري وما حوله.

جهل وعنف
وتقدم مذكرات شالر معلومات عن الوضع التجاري والعسكري للجزائر، لكنها مليئة بعدم الدقة، وأنصاف الحقائق، وسوء الفهم المتعلق ببلاد المغرب العربي وسكانها، بحسب روغي.

ومثل العديد من الأجانب في الجزائر العاصمة، لم يتمكن شالر من التحدث أو فهم اللغة التركية التي يتحدثها المسؤولون الحكوميون، ولا اللغة العربية المغاربية لأغلبية السكان، ولا العبرية التي استخدمها اليهود في معابدهم، وكان يعرف القليل فقط من اللهجات الأمازيغية، بحسب مقال المؤلف المنشور في موقع آيأون البريطاني.

ويقول المؤلف إن الكثير من عدم الدقة والارتباك ساد الكتابات الأوروبية التي تتناول الثقافة والسكان المحليين في شمال أفريقيا.

وأثناء الكتابة عن الجزائر في عام 1837، أي بعد سبع سنوات من الاحتلال الفرنسي، عبر المؤرخ والمنظر السياسي ألكسيس دي توكفيل عن الفكرة المتداولة بين المثقفين الباريسيين قائلا "لم تكن لدينا فكرة واضحة عن الأجناس المختلفة التي تعيش في هذه البلاد وعاداتها، ولا نعرف كلمة واحدة من لغاتها".

وأضاف "إن جهلنا شبه الكامل لم يمنعنا من الفوز بهذه البلاد، لأن النصر في المعركة يكون من نصيب الأقوى والأكثر شجاعة، وليس الأكثر دراية".

وبعد احتلال الجزائر استخدم الجنرالات الفرنسيون العنف الوحشي لإخضاع السكان المحليين، وبعد إعدام قادة المقاومة الجزائرية  جمع الجنود الفرنسيون جماجمهم المقطوعة وأرسلوهم إلى منازلهم كتذكارات وعينات للدراسة العلمية، ولا يزال بعضها محفوظا في متحف الإنسان بباريس، بحسب المؤلف في المقال الذي عنونه بقوله "كيف حول الغرب كلا من العرب والأمازيغ إلى أعراق؟".

ابن خلدون في سياق استعماري
وينفي المؤلف أن يكون "الموريون" كما كان يسمون قديما في الزمن الروماني يشتركون في أصول وثقافة ولغة مشتركة قبل وفود العرب في القرن السابع الميلادي، ويبحث في كتابه عن طرق تشكل المفهوم العرقي منذ كتب ابن خلدون تأريخه للسلالات التي حكمت المغرب الكبير.

ويعتبر روغي أن أفكارا من مقدمة ابن خلدون استخدمت في القرن الـ19 من قبل السلطات الاستعمارية الأوروبية والفرنسية تحديدا للوقيعة بين العرب والأمازيغ وجرى توظيفها في السياسات الاستعمارية وصراعات الهوية.

ورغم أن ابن خلدون انتقد العرب في "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" لكنه لم يقصد العرب بالمعنى العرقي وإنما حالة اجتماعية بدوية معينة، لكن التأويل الاستعماري لأفكار "العصبية" الخلدونية والتوظيف الأجنبي لها هو ما أخرجها من سياقها وأسقط عليها رغبة سياسية في استدعاء الهويات المتنافسة.

وفي عام 1844 بدأ المستشرق الفرنسي البارون دي سلان في ترجمة ابن خلدون الذي اكتشفه الفرنسيون متأخرين بحسب المؤلف، وبعد ذلك بعامين أصبح دي سلان كبير المترجمين الفوريين للجيش الفرنسي في الجزائر، ولاحقا أصبحت ترجمته هي المرجع الرئيسي عن ابن خلدون بالنسبة للمستشرقين الفرنسيين.

ترجمة خاطئة
وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء هي "أصول العصور الوسطى" الذي يتناول الكتابات العربية عن الأمازيغ مبينا تنوعها وتعددها، وفي الجزء الثاني يتناول ابن خلدون وأعماله بالتحليل، في حين يخصص الجزء الأخير للمصادر الحديثة عن الأمازيغ بما في ذلك التطورات المتزامنة مع حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر، معتبرا أن ترجمة دي سلان لابن خلدون شكلت وجها مهما من المعرفة الحديثة عن الأمازيغ.

undefined

ويلفت الأكاديمي والمؤلف رمزي روغي النظر إلى كون عمل دي سلان ليس مجرد ترجمة، بل نسخة جديدة مليئة بالمفاهيم الحديثة والغريبة على نص ابن خلدون الأصلي، مثل العرق والأمة والقبيلة بدلالاتها الحديثة، وعلى سبيل المثال ترجم مصطلح "الأمة" الخلدوني إلى "العرق".

ويقول المؤلف إن الترجمات الخاطئة لابن خلدون لم تكن فرنسية فحسب، ففي عام 1958 ظهر عمل أستاذ اللغات السامية في جامعة ييل الأميركية العريقة فرانز روزنتال الذي ترجم وحقق مقدمة ابن خلدون للإنجليزية، وتضمنت ترجمته أفكارا عرقية لم يقلها ابن خلدون أبدا.

ورغم أن هناك وفرة من الغربيين الذين يتقنون القراءة بالعربية ولديهم خبرة بشمال أفريقيا فإن المؤلف يرى أن ترجمات دي سلان وروزينثال هي التي شكلت آراء عدد كبير من الدبلوماسيين الفرنسيين والأميركيين وخبراء السياسة والصحفيين وحتى الأكاديميين في الغرب.

المصدر : الجزيرة