تحرير الخيال لدى جيل التقنية.. أدب اليافعين يكافح للوصول إلى قرائه
خلود الفلاح-ليبيا
وعن تجربتها تقول بثينة -التي ترجمت عدة أعمال عالمية، بينها "صاحب الظل الطويل" للأميركية جين ويبستر- إنها "كانت مغامرة، رغم أنني لم أر الأمر هكذا، لكننا بحاجة لهذا النوع من "المغامرات" لاسترجاع شيء مما أخذته التقنية، وأهم شيء على الإطلاق هو القيم والخيال".
وأفادت بأن دور النشر التي اقترحت عليها ترجمة الأعمال الكلاسيكية، ومنها أعمال لليافعين تحمست للترجمة، وأرجعت هذا الحماس إلى وعيها بالحاجة لهذه الأعمال، غير المتوفرة في العالم العربي.
رفض المسلمات
وأشارت الكاتبة الأردنية تغريد النجار إلى أنه عند الكتابة لليافعين يجب على الكاتب أن يمتلك فكرة مناسبة يعرضها بطريقة مشوقة وواضحة وبأسلوب سلس. ومن المهم أن يختار أفكارًا تعكس اهتمامات اليافعين وتعبر عن مشاعرهم بصدق.
وتتابع أنه في هذه المرحلة العمرية يكون لدى اليافع الكثير من التساؤلات عن العالم من حوله، فهو يحاول أن يجد طريقه في الحياة، ولا يتقبّل الأمور دون تمحيص، وقد يرفض الكثير من المسلَّمَات. من المهم ألا نستهين بذكائه، وألّا نكتب له بدونية، ووفق منظورنا الشخصي، فنحاول أن نقوّمه ونعلمه دروسًا في الحياة.
واستطردت للجزيرة نت "علينا أن نكتب له رواية بكل مكونات الرواية من شخصيات ثلاثية الأبعاد وحبكة مشوقة وأحداث مثيرة. وفي العادة تكون الشخصية الرئيسية في روايات اليافعين من عمرهم؛ حتى يتماهى اليافع مع الشخصية، ويشعر بأنها تتحدث معه مباشرة وتشاركه همومه وأفراحه. الكتابة لليافعين مثل الكتابة للكبار، يمكنها أن تعرض أي موضوع، ولكن من منظور اليافع وبالأسلوب المناسب لهذه الفئة العمرية".
وبدأت النجار الكتابة للأطفال منذ أكثر من أربعة عقود، وركزت قبل سبع سنوات على الكتابة لليافعين، ليصل رصيدها من هذا الأدب إلى خمس روايات.
من التكنولوجيا
ولا تنكر مؤلفة روايتي "ست الكل" و"لغز عين الصقر" دور الهاتف المحمول في حياتنا، إذ أصبح أهم مقتنيات اليافع، يجوب من خلاله العالم، ومن خلال البحث أصبح بإمكانه أن يصل إلى أي موضوع يهمه بكبسة زر، ولكنها تراه سيفا ذا حدين.
وتعتبر النجار أن علينا أن نكتب لهم روايات مشوقة تجعلهم يقبلون على القراءة، علما بأن التكنولوجيا موجودة في أنحاء العالم جنبا إلى جنب مع الروايات التي يقبل عليها اليافعون حول العالم، مثل روايات هاري بوتر التي بيعت منها ملايين النسخ.
وتمت ترجمة روايات تغريد النجار للإيطالية والتركية، وهي الآن معتمدة في كثير من المدارس كقراءات خارجية. وتعالج في رواياتها مواضيع جدية، بعضها له خلفية سياسية ووطنية مستخدمة أسلوب التشويق الذي يوصل الفكرة عن طريق المغامرة أو الأحداث المتتابعة وليس عن طريق التلقين.
التشويق أولاً
وحاول الكاتب الفلسطيني محمود شقير في بعض أعماله الاستفادة من التراث؛ ففي رواية "أنا وجمانة" استحضر شخصية صلاح الدين الأيوبي ليرافق بطل الرواية.
وبسؤاله: إلى أي مدى يستطيع يافع اليوم التفاعل مع التراث؟ يجيب بأن المهمة ليست سهلة؛ ذلك أن ثمة مسافة واسعة تفصل جيل اليوم من اليافعين عن التراث المحكي والمقروء.
وفي زمان سابق؛ قبل التلفاز والإنترنت، كانت حكايات الجدات والأمهات هي الزاد الثقافي الرئيسي للأطفال واليافعين، وأشار إلى أن المناهج المدرسية ربما تغطي بشكل جزئي بعض جوانب التراث المقروء، ولذلك تظل الحاجة ماسة إلى تعريف اليافعين بالجوانب المشرقة في هذا التراث، وهنا يأتي دور الأدب بأجناسه المتعددة: قصة ورواية وشعرًا.
ويضيف شقير للجزيرة نت أن ثمة شخصيات في تراثنا من طراز صلاح الدين الأيوبي والزير سالم والأميرة ذات الهمة والخنساء وشجرة الدر، ويوجد شعراء وفلاسفة ومفكرون يمكن للأدب أن يضطلع بمهمة تقديمهم لليافعين، وثمة كتب مثل "كليلة ودمنة"، و"ألف ليلة وليلة"، وفيها من الحكمة والخيال والمفارقات ما يوازي الواقعية السحرية التي شاعت في أدب أميركا اللاتينية، بل إن أدباء عالميين تأثروا باعترافهم بكتاب "ألف ليلة وليلة" واستلهموه في إبداعاتهم.
وتابع "في كل الأحوال، يمكن تقريب ما هو إيجابي في تراثنا من خلال الكتابة الإبداعية التي تتوخى توفير أكبر قدر من المتعة والإبداع أثناء تقديم هذا التراث للأجيال التي تتعرض كل يوم لتقنيات التواصل الحديثة ولتأثيراتها الأكيدة".
وترتكز أعمال صاحب كتاب "طيور على النافذة" على القيم الوطنية، وحبّ الوطن والأرض والطبيعة، وكذلك على رفض الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة كره المحتلين ما داموا يجثمون فوق أرض فلسطين ويرتكبون جرائم يومية في حق أبنائها.
الخيال مع الفكاهة
يسعى شقير في أعماله لاستثمار عنصر الخيال المقرون بالفكاهة، ومتعة القراءة إلى أقصى حد ممكن؛ ذلك أن الخيال ضروري لليافعين، كما أن متعة القراءة مسألة لا غنى عنها لكل أدب جيد.
ويشير صاحب "أحلام الفتى النحيل" إلى أن عمليه "أنا وجمانة" و"فدوى طوقان.. الرحلة الأبهى" كان لهما حضور جيد لدى اليافعين.
وفي عام 2018، اختيرت روايته "أنا وصديقي والحمار" بتنسيب من المجلس العالمي لكتب اليافعين-فرع فلسطين لتكون على قائمة الشرف ضمن مئة كتاب من العالم، وأصدر شقير أكثر من أربعين كتابًا للأطفال، قبل أن يتحول للكتابة لليافعين والكبار، التي يعتبرها عملاً احترافيًّا إبداعيًّا أكثر منها هواية.
التلقين المباشر
وبعد نحو ثلاثين كتابا قدمتها للطفل، تستعد الكاتبة المصرية أميمة عز الدين لإصدار روايتها الأولى حول أدب اليافعين بعنوان "تغير كل شيء". وحول هذا التحول تقول إن فكرة الكتابة لليافعين تراودها منذ فترة، وأوضحت أن الكتابة لهذه الفئة العمرية متأرجحة بين منطقة الطفولة ومنطقة ما يطلق عليه الكبار الكتابة لطفل لم يعد طفلا، لكنه في ذات الوقت يتطور فكريا ووجدانيا ليصبح كبيرا بما يكفي ليحكم ويناقش ويقرر.
في الرواية تتحدث صاحبة كتاب "أنفي كبير" بروح البطل القلق الذي يحاول الخروج عن طوق الوصاية والحماية. وتعتبر الكاتبة أميمة عز الدين هذه التجربة مثيرة ومرهقة جدا على جميع المستويات. وتضيف للجزيرة نت "أن تنفض عنك غبار الكبار لتدلف إلى عالم الطفل الرائع والمعقد في الوقت نفسه، ربما كان عليّ القفز مثلهم والبكاء والضحك مثلهم حتى أختبر ما أكتبه".
وبحسب عز الدين، فإن كثيرين بالوطن العربي يكتبون الآن لليافعين، لكن قلة منهم تمكنوا من الوصول إلى ذلك المتلقي اليافع المتمرد، الذي ينفر من الخطابية الزاعقة والوعظ المباشر.