قال الكاتب كولبرت كنغ في مقال له بصحيفة واشنطن بوست إن حرب الاستقلال الأميركية لم تندلع لتحرير العبيد، إلا أن الجنود السود ساهموا فيها وكان لهم دور في حسمها.
في كتابه الأخير بعنوان "السلم والحرب والحرية: من أجل فهم السياسة الخارجية الأميركية"، يحاول الباحث كريستوفر أ. بريبل سبر أغوار ماضي الولايات المتحدة، ويستجلي مآلات تاريخها وتأثيراته -داخليا وخارجيا- على الأساليب التي تنتهجها في سياستها الخارجية.
يقول بريبل في كتابه إن كثيرين من جيل الآباء المؤسسين للولايات المتحدة كانوا يعتقدون أن بلادهم سيكون لها شأن وأي شأن في قادم السنوات، رغم أن كيفية تحقيق المجد المنشود لطالما ظلت موضع تساؤل.
أرض الله المختارة
وبحسب بريبل، توقع المؤسسون أن تتمكن بلادهم من الإتيان بأفعال عظيمة في العالم الجديد، بل إن قلة منهم آمنت بأن تلك هي مشيئة الله. ورغم أن أولئك الآباء وطئت أقدامهم ما عُرف فيما بعد بأميركا الشمالية، فإن البعض اعتبر تلك الأراضي بمثابة "إسرائيل جديدة، وأرض الله المختارة الجديدة".
واستلهم أولئك البعض ذلك الوصف من العهد الجديد ومن موعظة المسيح عليه السلام على الجبل، حين قال: "أنتم نور العالم، لا يمكن أن تخفى مدينة منتصبة فوق جبل".
وبغض النظر عما إذا كان الأمر محض خرافة أم غير ذلك، فقد راج اعتقاد على نطاق واسع حينها بأن الله سبحانه أسبغ نعمه على الولايات المتحدة وشعبها، وأنه "خص شعبها المختار بمهمة نشر الحكم الراشد والعدالة، ليس في حدود أميركا الشمالية وحدها، بل في كافة أرجاء المعمورة في نهاية المطاف"، وفق الكاتب.
تجربة استعمارية أفقدتهم حماستهم
غير أن تجربة الأميركيين "المريرة" تحت الحكم البريطاني أفقدتهم حماستهم إزاء نسخ أساليب المستعمِر في الترويج لرؤيتهم للعالم، فقد انتابت الشكوك الكثير من الأميركيين فيما يتعلق بالمدى الذي يمكن أن تبلغه دولة ما من حيث القوة والنفوذ، وقدرتها على حماية تلك السطوة.
ويمضي المؤلف في استعراضه للفصل الثالث من كتابه إلى القول: لقد كان من الأمور المنافية للعقل في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، أن يعتقد المرء بقدرة الدولة الجديدة (الولايات المتحدة) الواقعة في قارة أميركا الشمالية على بسط نفوذها في مناطق تبعد عنها آلاف الأميال، تماما مثلما فعلت الإمبراطورية البريطانية قبلها بنجاح.
تأثير الزمن على الرؤى
ويقول بريبل: لقد شهدت أفكار الأميركيين ورؤاهم حول نوعية الإمبراطورية التي ينبغي أن تكون عليها الولايات المتحدة تطورا عبر الزمن. ففي سنوات الاستقلال الأولى، وقبل إجازة الدستور الجديد، وصف توماس جيفرسون -أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وثالث رؤسائها- بلاده بأنها "إمبراطورية الحرية" التي تمنح الحرية لكل من يعيش في أرضها وللمهاجرين الجدد إليها من العالم القديم.
وعزا الأميركيون تمددهم في الأراضي اليابسة المتاخمة لهم في أميركا الشمالية إلى أسباب اقتصادية وأمنية، كما وضعوا نصب أعينهم على الأراضي التي تفصلهم عنها مياه البحار، مثل كوبا وسانت دومينغو وجزر الكاريبي الأخرى وهاواي والفلبين وبنما.
وبحلول القرن العشرين، كانت الولايات المتحدة قد استحوذت على عدد من المستعمرات السابقة للدول الأخرى، وذلك إما بالغزو أو عبر "دبلوماسية الإكراه"، لتضاهي بذلك العديد من الإمبراطوريات الأوروبية التقليدية الأخرى، إلا أنها لم تبلغ شأو بريطانيا العظمى آنذاك.