تكريم بطعم التأبين.. فلسطين والأردن يحتفيان بالشاعر أمجد ناصر

درع وزارة الثقافة الأردنية
الشاعر أمجد ناصر يتسلم درع وزارة الثقافة الأردنية (الجزيرة)

حسين نشوان-عمان

سلم وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف وسامَ الثقافة والعلوم والفنون من فئة الإبداع للشاعر الأردني يحيى النميري النعيمات، المعروف باسم أمجد ناصر (مواليد الطرة، شمال الأردن عام 1955) للجهود التي قدمها في إغناء الثقافة الفلسطينية والأردنية والعربية، وعمله لصالح القضية الفلسطينية، وهو الوسام الذي يمنح بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية.

كما سلم وزير الثقافة الأردني محمد أبو رمان درع الوزارة لناصر ضمن حفل نظمه مركز القدس للدراسات السياسية بالعاصمة عمان يوم الأحد، كما أعلن اتحاد الناشرين الأردنيين اختيار الشاعر ناصر شخصية العام لمعرض عمان الدولي للعام الجاري.

وتخلل الحفل معرض أغلفة إصدارات الشاعر اختتم بتوقيع كتابه الذي حمل عنوان "مملكة آدم" وهو مجموعة شعرية صدرت مؤخرا عن منشورات المتوسط بإيطاليا، يتناول فيه موضوع الجحيم في المثيولوجيا، ولكنه يركز على الجحيم الأرضي الذي صنعه البشر من خلال الحروب والموت.

‪أمجد ناصر انخرط باكرا في الدفاع عن قضية فلسطين التي ردت له الجميل بوسام وزاري‬ (الجزيرة)
‪أمجد ناصر انخرط باكرا في الدفاع عن قضية فلسطين التي ردت له الجميل بوسام وزاري‬ (الجزيرة)

كاتب مناضل
وفي الحفل الذي بدا فيه الشاعر ناصر عنيدا كما كان دائما، ومصرا على المقاومة للمرض الذي سرق من جسمه نحولة ورشاقة الكائن الصحراوي، ولأشكال الموت التي تنتشر في أرجاء البلدان العربية، ووصفه وزير الثقافة الأردني قائلا إنه "كاتب ومناضل قبل ذلك إنسان" لافتا إلى منجزه الشعري والنثري الذي شكل علامة مهمة في الأدب الأردني والعربي.

وأثناء تطويقه بوسام فلسطين التي أحبها وناضل من أجلها بالقلم والبندقية في بيروت والأردن وكل البلدان التي جالها، قال الوزير الفلسطيني أبو سيف: إن فلسطين تشكر الشاعر أمجد ناصر الذي طالما سخر قلمه وضحى لأجلها، ولأجل شعبها وعدالة قضيتها، اليوم نقول له ولكل من وقف مع فلسطين "تحية من الأعماق".

وتزاحمت الكلمات على شفاه الشاعر مطوقا بالأصدقاء ورفاق الكلمة والسلاح وذويه وعدد من الكتاب والفنانين، وربما وقع بين الفرح والارتباك الذي يصيب المحب فقال "إنها فلسطين نجمة العرب، وينبغي أن تبقى كذلك".

صرخات التمرد
إلى ذلك تحدث في الحفل وزير الثقافة الأردني السابق الشاعر جريس سماوي، قائلا: ثمة اشتعال يسري في اللغة، ويصعد خفيفا كأنه الدخان حينما قرأ أمجد ناصر وهو يرتقي بالكلام العادي مرتقى الحلم حيث الرعاة يحتفلون بالحياة في قصائدهم، والفلاحون يخرجون من الهوامش إلى المتن والبدو يرفعون صرخات التمرد على الظلم.

وتحدث الشاعر زهير أبو شايب قائلا "ونحن نحتفي بأمجد فإننا نحتفي بجيل السبعينيات المهم الذي انبثق فجأة في الساحة الأردنية كحقل بهيج، واستمر حيا حتى يومنا هذا، وامتاز عن غيره بانغماسه الكلي في هاجس المقاومة وحلم التحرير والسؤال الفلسطيني، وأمجد ناصر هو الشاعر الذي نقل الأردن معه كما يتنقل إلى فضاء الحداثة المفتوح عل الأفق العربي والإنساني".

‪جناح عرض أغلفة كتب الشاعر والتي امتدت من الشعر إلى السرد وأدب الرحلة‬ (الجزيرة)
‪جناح عرض أغلفة كتب الشاعر والتي امتدت من الشعر إلى السرد وأدب الرحلة‬ (الجزيرة)

أما حكمت النوايسة، فخاطب الشاعر المحتفى به قائلا "أيها البدوي النقي الحر النبيل، كيف لك أن تكون كل هذا، وأنت الثائر المتمرد.. تجترح لغتك، وشعرك وأسفارك في الرحلة والرواية، وأنت المشغول بالحال العربي الذي تكلس من فرط الجراح".

الكاتب في النص
واستعاد الروائي إلياس فركوح ذكريات رفقة لبنان في السبعينيات وقت عملا معا في إعلام الثورة الفلسطينية، وقال "وإن كنت بعيدا عن العين، فقد كنت حاضرا في الذاكرة التي كلما طال عمرها زاد مكنونها وتراكمت كنوزها، الذاكرة الواعية المثقفة القارئة المرتبطة بميثاق الكتابة الطامعة في اجتراح جماليات ورؤى ومواقف تضاف إلى ما كنا عرفناه، وحينما تكون الكتابة هكذا يعيش النص نابضا، وبذلك يحيا كاتبه ويدوم حضوره".

ولم تخل الكلمات الأصدقاء من حس تأبيني للكاتب الذي كان رثى نفسه مترقبا النهايات بعيد آخر زيارة للطبيب الذي يشرف على علاجه، ومما كتب ناصر الذي يشهد له الأصدقاء "بالبساطة والنبل والتمرد الفطري للبدوي" مستعرضا خواطر الحياة:

ليس لي أعداء شخصيون
هناك نجم لا يزف لي خبرا جيدا
وليل مسكون بنوايا لا أعرفها
أمر بشارع مريب وأرى عيونا تلمع
… 
لكن هؤلاء ليسوا أعداء شخصيين،
 فكيف لجبل، أو درب مهجور أن يناصباني العداء.

حياة كسرد متقطع
أمجد ناصر لم يكن متمردا بالمعنى العبثي، بل كان رؤيويا يقيس الحياة بالمعرفة والسؤال، ولا يركن للإجابات الجاهزة والمعلبة، تمرد على المؤسسة المتكلسة، ولكنه لم يكن عنيفا لا دمويا، بل ضد كل أشكال الاستبداد التي تراود الدم وتستسقيه وتلغ فيه بوحشية، وكان الشعر الذي بدأ تعاطيه في المرحلة الثانوية وسيلته للحلم بالنقاء والسكون والطمأنينة الإنسانية وأداة للتمرد على عالم ليس بريئا.

وكان إنسانا رقيقا ووفيا ومضحيا، حينما ألم المرض برفيقة دربه وسمح لمشرط الطبيب يحفر خاصرته ليمنح كليته لها.

ترك العمل في التلفزيون الأردني والتحق بالمقاومة الفلسطينية نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وعمل في عدد من الدوريات بينها الهدف، الحرية. وترك الدراسة متفرغا للعمل الثقافي والإعلامي الذي حمله إلى عدد من عواصم العالم.

أصدر أولى مجموعاته عام 1977 في بيروت وحملت اسم "مديح لمقهى آخر" ومطلع الثمانينيات كتب قصيدة النثر، في "منذ جلعاد،

رعاة العزلة، سر من رآك، مرتقى الأنفاس".

وانتقل ناصر إلى قبرص وبريطانيا واستقر في رحلته الصحفية في "العربي الجديد" بلندن لانفتاح أكثر على التجربة مما سمي قصيدة الكتلة التي مزجت بين السرد والشعر في "حياة كسرد متقطع".  وصدر له أيضا "وحيدا كذئب الفرزدق" ومختارات شعرية في مجموعة بعنوان "أثر العابر".

وفي السرد والرواية صدر له "خبط الأجنحة، هنا الوردة، في بلاد ماركيز".
حصل على جائزة محمود دوريش -التي يمنحها مجلس أمناء الجائزة، ومقرها رام الله- وجائزة محمد الماغوط، وترجمت أعماله لعدد من اللغات.

واحتفى العدد الأخير من الفصلية اللبنانية "نقد" بأمجد ناصر، وخصص له ملفا تضمن أول كتابات نقدية عن تجربته الشعرية ومساراتها، لافتا إلى أن الشاعر "له بصمته الخاصة في المشهد الشعري العربي". وكتب عن تجربته عدد من أبرز الشعراء والنقاد، منهم أدونيس، صبحي حديدي، كمال أبو ديب، صبري حافظ، رجاء بن سلامة.

المصدر : الجزيرة