"فلتُصغِ لصمتي".. حراك الجزائر بلغة المسرح

الجزائر.. هل من فرصة لتقليص الفجوة بين الجيش والحراك؟
رسائل صامتة عبر مبادرة "فلتُصغ لصمتي" (مواقع التواصل)
عياش سنوسي-الجزائر
 
يبدو أمامنا كرسي شاغر يقف خلفه ثلاثة أشخاص يمسكون حبلا أحمر اللون يمر تحت الكرسي ويشق طريقه ليتفرع نحو أشخاص يقفون فرادى دون حراك، يمثلون قطاعات مختلفة نخرها الفساد الذي يُرمز إليه بالحبل الأحمر، في حين تحيل رمزية الأشخاص الثلاثة إلى العصابة الحاكمة بكرسي السلطة الشاغر.

هكذا يبدو المشهد في الفصل السلبي من مبادرة "فلتُصغِ لصمتي"، وهي عمل مسرحي صامت يشرّح واقع الجزائر قبل حراك 22 فبراير/شباط الماضي والآمال المعلقة عليه في تحقيق الإصلاح المنشود.

يتواصل المشهد ليبلغ مداه عندما يتحرك عدد من المواطنين (في إشارة إلى الحراك الشعبي) نحو الكرسي الشاغر (السلطة) ممسكين بالحبل الذي سيتم لاحقا استبداله بآخر أخضر (في إشارة إلى الإصلاح)، ويلتحق بهم الشعب الذي يمسك بيده مقصًّا ويقطع الحبل الأحمر (للدلالة على قطع حبل الفساد)، ومعها يبدأ الوضع بالتغيّر تدريجيا داخل كل قطاع لتحل الإيجابية محل السلبية.

العمل رغم قصر مدته (10 دقائق) كشف عن إبداع جديد يدخل ساحة الحراك في الجزائر، لكن هذه المرة من قبل طلبة جامعيين كشفوا عن وعي سياسي عال، وحظي بمشاهدة تجاوزت نصف مليون خلال الأيام الأولى لعرضه على مواقع التواصل الاجتماعي، حسب ما كشفه للجزيرة نت صاحب المبادرة وكاتب السيناريو ومخرجه طه أمين بوكمية.

يقول بوكمية (طالب دراسات عليا بجامعة البليدة) إن الفكرة عبارة عن عمل مسرحي صامت يقدم صورة عن الجزائر قبل حراك 22 فبراير وقد نخرها الفساد من كل جانب، لافتا إلى أن الفكرة تولدت خلال فترة العطلة الإجبارية التي فرضت على الجامعات بداية مارس/آذار الماضي خوفا من اتساع رقعة الاحتجاجات ضد الولاية الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

العمل الذي شارك فيه طلبة من جامعتي البليدة (شمال) وقسنطينة (شرق) واجه مطبات كثيرة قبل أن يرى النور ويلقى قبولا واسعا. وأوضح بوكمية أن إدارة جامعة البليدة منعتهم من التحضير للعمل رغم إشعارها بكلّ تفاصيل السيناريو، مما ثبط من عزيمة المشاركين وأدى إلى انسحاب الكثير منهم، ليلجأ المنظمون بعدها إلى تعديل السيناريو ليكون على شكل فيديو بدلا من مسرحيّة في الهواء الطلق.

يشعر بوكمية اليوم بالفخر لنجاح العمل بعد المتاعب التي واجهها الفريق، وقال إن "حصولنا على رضى الطلبة والمشاهدين وتجاوز عدد المشاهدات نصف مليون في الأيام الأولى لعرضه على الفيسبوك، أسعدنا كثيرا وأنسانا المتاعب التي واجهتنا كفريق كان يسعى من أجل تقديم محتوى راق".

تشكل مبادرة "فلتُصغِ لصمتي" أحدث التعبيرات الفنية التي أفرزها حراك الشارع في الجزائر، حيث ظهر قبلها الشعر العربي والشعبي والكاريكاتير والرسوم الكرتونية والرقص والغناء.

ومن وحي الحراك، أطلق الفنان "لالجيرينو" أغنية "الجزائر حبي" المفعمة بالأمل والتفاؤل بكلمات عربية وأمازيغية وفرنسية، وحظيت في ظرف وجيز بأزيد من 22 مليون مشاهدة.

كما حضرت اللوحات الفنية المشهورة في الملاعب الجزائرية (تيفو) بقوة في الحراك، خصوصا في  مدينة برج بوعريريج التي تحولت إلى عاصمة الحراك بلا منازع، من خلال عدد من "التيفوات" التي كان أبرزها وأكبرها ذلك الذي كشف خلال الجمعة الـ11 من الحراك.

وفي تفسيره لتنوع الأدوات التعبيرية خلال الحراك الشعبي، اعتبر الباحث في علم الاجتماع نور الدين بكيس أن ذلك كان تطورا طبيعيا للمشاركة الشعبية الكثيفة في الحراك.

وأوضح بكيس أنه مع استمرار المظاهرات "تبدد الخوف لدى الجزائريين، فارتقى الحراك من مجرد السير وإطلاق الصيحات إلى ابتكار أدوات تعبيرية تضمنت إبداعا راقيا حاول الجزائريون من خلاله تقديم صورة إيجابية عنهم وعن بلدهم".

وقال إن إبداعات الجزائريين وجهت "رسائل للمجتمعات العربية والغربية مفادها أن الشعب الجزائري الذي طالما اتهم بالعنف والراديكالية في سنوات التسعينيات بسبب أزمة الإرهاب، ليس كذلك في الوقت الراهن، فهو اليوم أمام فرصة جديدة لإعادة إنتاج مجتمع جديد".

ويعتقد الدكتور بكيس أن هذا التنوع وهذا الإبداع في التعبير الفني يحتاجان إلى تثمين اقتصادي ومادي.

المصدر : الجزيرة