جلال الدين الرومي.. ملهم العاشقين وحكيم الصمت

متحف مولانا.. قلب جلال الدين الرومي المفتوح للإنسانية جمعاء
مجسم لجلال الدين الرومي (الأناضول)

محمد رحمان بور-طهران

يوصف جلال الدين الرومي بسيد الشعراء وملهم العاشقين، اشتهر بتصوفه ودواوينه الشعرية ودعواته للتخلص من النفس للوصول إلى مصدر الذات، المتمثلة بدوران الإنسان حول نفسه والعروج إليها.

ترك الرومي مؤلفات عدة ما بين منظوم ومنثور باللغة الفارسية، ومنها "ديوان شمس" و"مكاتيب"، و"فيه ما فيه" و"مجالس سبعة" و"مثنوي معنوي" الذي يتضمن 26 ألف بيت في قالب مثنوي على وزن فاعلاتن فاعلاتن فاعلات.

وعُرف عن الرومي انجذابه للنغم الموسيقي وعشقه لآلة الناي التي وجد فيها وسيلة أقرب إلى الطبيعة، وكما قال الفيلسوف والعالم الموسيقي أبو نصر الفارابي الذي توفي عام 950م في كتابه "الموسيقي الكبير"، هناك صلة بين فطرة الإنسان والموسيقى، ووجود الموسيقى معلول من ذات الإنسان.

يصف عبد الكريم سروش الكاتب والباحث المعاصر في سيرة حياة الرومي أن صمته مليء بالكلام، حيث إنه دعا جميع المفكرين إلى الصمت. ورغم علمه الواسع ومعرفته الغزيرة، فضّل مولانا الصمت لينصت لصوت الإله بحثا عن مصدر العشق.

وعملا بحكمة الصمت، بدأ الرومي كتابه المثنوي بكلمة اسمع (بشنو) وخطاب "اسمع" مستلهم من الكلمة الأولى للقرآن "اقرأ".

غنى العديد من الفنانين الإيرانيين قديما وحديثا من أشعار الرومي، وذلك لأنها مكتوبة باللغة الفارسية وتتضمن أسلوبا شعريا مرنا ومتماسكا يناسب كل زمان ومكان، كما أنها تخاطب الروح وتدعوها إلى التعالي والارتقاء.

وإضافة إلى الفنانين الذين غنوا أشعار الرومي بأسلوبهم التقليدي مثل شهرام ناظري ومحمد رضا شجريان وأحمد شاملو، انتشر في الآونة الأخيرة العديد من الأغاني من أشعار الرومي بأسلوب البوب أو الروك الذي لاقى إقبالا كبيرا من فئة الشباب خاصة والمجتمع بشكل عام.

كما أن الفنانين الإيرانيين في داخل وخارج البلد مثل محسن جاوشي وهمايون شجريان وداريوش وكوكوش، غنوا من أشعار الرومي في أغانيهم الحديثة التي أثارت موجة من الترحيب وسط فئة الشباب.

واهتم الفنانون الشباب مثل محسن جاوشي وهمايون شجريان -وهما من أفضل مغني البوب في إيران– من أشعار الرومي، وأدى ذلك إلى انجذاب الشباب نحو أغانيهما التي تجمع بين المعنى والعرفان، والموسيقى الجذابة والعصرية.

ويقول محمد "أستمع لأغاني البوب في إيران وأستمتع بأشعار مولانا فيها لأنها تتكلم عن جوهر الحياة والعشق الحقيقي بعكس باقي الأغاني، فالعشق والعرفان هما خصيلتان غائبتان عن الروتين اليومي، لذا فإن سماع أشعار مولانا الرومي تلطّف الروح".

ويضيف محمد (27 عاما) أن الأسلوب الجديد لعرض أشعار الرومي في أغاني البوب جيد جدا، لأنها تعرّف الجيل الجديد بأشعاره وتواكب العصر، كما تعيد للشباب حيويته التي يبحث عنها.

من جهته، یقول الفنان محسن جاوشی إن الأجيال الجديدة لم تعد تفضل الأساليب القديمة في الأغاني، وتطالب بأغان حديثة ومتجددة، حتى أن بعض الفنانين الكلاسيكيين بدؤوا بتغيير اتجاههم نحو الغناء الحديث مثل البوب.

ويعتبر البعض أشعار الرومي ضربا من العلاج النفسي، تماما كما فعل الأطباء في العصر الحديث، حين طوروا تقنيات علاج بالأساليب النفسية لرفع معنويات المرضى ومواجهتهم للمرض، مما يسهّل عليهم عملية الشفاء بشكل أسرع.

ويعتقد الاختصاصي في علم النفس إسماعيل درمان، أن سماع الموسيقى التي تحتوي على كلمات رصينة تحمل في طيّاتها لمسات روحية وعرفانية كأشعار حافظ وسعدي شيرازي وكذلك الرومي وإقبال لاهوري، ترفع من معنويات السامع لها وتدعوه إلى فعل الخير، كما أنها تزيل توتره بعد يوم طويل من العمل.

وما يميز الرومي عن غيره من الشعراء، هو القالب الشعري المثنوي الذي اعتمده في شعره، حيث أبدع بترتيب الكلمات والجمل التي تدفع الإنسان للتحرك والصعود، إضافة إلى حضور العرفان فيها بشكل يخاطب الروح الآدمية ويؤثر فيها كترياق يسكن في الضمير.

وفي الأغنية أعلاه يؤدي فنان الروك همايون شجريان أغنية من كلمات للرومي يخاطب فيه بصدر من الوجع، رفيق دربه شمس الدين التبريزي للرجوع إليه والعزوف عن الوحدة ليروي عطشه بكلامه العذب.

المصدر : الجزيرة