الممنوعون من الصيام.. الموريسكيون قديما والتتار والمسلمون السوفيات حديثا

blogs الموريسكين
قبل الطرد النهائي من الأندلس كان الموريسكيون ضحية وشايات شككت في صدق تحولهم للمسيحية على خلفية صيام رمضان (مواقع التواصل)
عمران عبد الله

كان ولا يزال كثير من المسلمين ممنوعين من إقامة شعائرهم الدينية -ومنها الصيام- لأسباب سياسية مختلفة، ومن هؤلاء الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني، والتتار والمواطنون المسلمون في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، والموريسكيون في الأندلس الذين عاشوا يخفون صيامهم أكثر من قرن من الزمان.

فبعد سقوط الأندلس تمتع الموريسكيون فيما بين 1492 و1501 ببعض امتيازات معاهدة التسليم التي تضمن لهم إقامة شعائرهم بما فيها الصلاة والصيام، لكن بخلاف المعاهدة المتفق عليها صدر مرسوم ملكي سنة 1502 يلغي هذه الحقوق ويعتبر إقامة الشعائر الإسلامية جريمة قانونية، وأغلقت كل المساجد وأجبر الموريسكيون على التحول للمسيحية، وجرت محاكمات كثيرة لمن يشك في إسلامهم بتهم كان أبرزها الامتناع عن الطعام والشراب في نهار رمضان، فضلا عن التطهر وأداء الصلوات.

في زمن محاكم التفتيش وطوال قرن من الزمان حتى الطرد النهائي، كان الموريسكيون عرضة للكثير من الوشايات التي تشكك في صدق تحولهم إلى المسيحية على خلفية صيام رمضان، وفي بداية القرن السابع عشر كانت السلطات الكنسية قد اقتنعت تماما أن الموريسكيين مسلمون ولا أمل في تنصيرهم، وأصدر الملك فيليب الثالث قرار الطرد الكبير.

وكان شهر رمضان الذي فتحت فيه الأندلس على يد طارق بن زياد قبل قرون طويلة هو "موسم الإبلاغ عن الموريسكيين"، إذ يبدأ بمعاناة استطلاع الهلال وخوف لفت الأنظار عند أداء صلاة التراويح أو طعام السحور، وفي إحدى سجلات محاكم التفتيش شهدت خادمة عائلة من بني عامر في بلنسية (فالنسيا) على العائلة التي كانت تصوم شهر رمضان.

وكان الموريسكيون يتداولون سرا خبر ظهور هلال رمضان بين القرى، وتنقل إحدى الروايات التاريخية عن واقعة انكشاف أمر قرية موريسكية عام 1570 أثناء خروجهم لاستطلاع الهلال وجدالهم حول الأمر، وروي عن موريسكي يدعى فرنسيسكو القرطبي أنه كان يصوم رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وكان جيرانه يدعونه للغداء كثيرا خلال شهر الصيام غير أنه كان يرفض الدعوة بحجة فقدان الشهية.

وإذا دعي أثناء الأكل فإنه كان يقول إنه أكل في مكان آخر، غير أن صيغ الهروب هذه لم تستمر طويلا، فوقع كثير من الموريسكيين ضحية للثرثرة والوشاية والشك، بحسب كتاب "الموريسكيون الأندلسيون والمسيحيون 1492-1640" للمؤرخ لوي كاردياك.

وبسبب اضطهاد الكنيسة والدولة ومحاكم التفتيش، زاد تمسك الموريسكيين بالشعائر الإسلامية، وأصروا على صيام رمضان حتى قبيل الطرد الأخير سنة 1609، وكانوا ينعزلون في ورش العمل والمزارع لكي لا يفسد عليهم الناس صيامهم، وتشير المصادر التاريخية إلى صعوبة حياة الموريسكيين خلال رمضان، إذ كانوا يصومون ويفطرون ويتسحرون ويحتفلون بعيد الفطر ويخرجون الزكاة لفقرائهم في السر.

ورغم أن عبادات مثل الصلاة والزكاة كانت ممكنة في الخفاء وبين البيوت، عانى الموريسكيون في شهر رمضان بشكل مضاعف لإمكانية اكتشاف صومهم.

المسلمون في الاتحاد السوفياتي وتتار القرم
ورغم أن الاتحاد السوفياتي ضم ست جمهوريات ذات غالبية مسلمة من أصل 15 جمهورية، فقد تعرضت شعوب مسلمة تحت حكمه لظروف حياة قاسية وممارسات انتقامية شملت التهجير والقمع والمنع من ممارسة الشعائر الدينية.

واستخدم السوفيات أدوات الإعلام والبروباغندا بكثافة ضد الشعائر الإسلامية، وبالتوازي مع سياسة إحراق المصاحف في الفترة من سنة 1929 إلى 1936، كثفت السلطات السوفياتية من موادها التي تشوه صورة المسلمين الذين يمارسون الصلاة وصيام رمضان.

وصدرت قرارات تمنع الصلاة والصيام والحج لمبررات اقتصادية، وأصدر رجال دين محسوبون على السلطات الحكومية فتاوى بجمع الصلوات يوميا وصيام يوم واحد فقط من رمضان.

وفي القرم التي كانت تعيش فيها غالبية من تتار القرم المسلمين، تشتمل عادات الإفطار على دعاء جماعي لضحايا مأساة التهجير القسري عام 1944، والدعاء بالرحمة لمن حرموا صوم رمضان في زمن الاتحاد السوفياتي.

وتعرض تتار القرم للتهجير بقرار من مجلس السوفيات في شهر ديسمبر/كانون الأول 1943 بعد اتهامهم بالتعاون مع هتلر، وتم نقلهم لصحراء سيبيريا الجليدية وأصبحت القرم خاوية على عروشها وهدمت المئات من مساجدها.

محنة الإيغور
في 28 يونيو/حزيران 2014 نشرت الإدارة المحلية لإقليم شينجيانغ بيانا على موقعها الإلكتروني، حذرت فيه المسلمين الذين يعملون في المؤسسات والدوائر الحكومية من الصوم أو القيام بواجبات دينية مرهقة خلال شهر رمضان، كما طالبت أيضا الطلاب والمدرسين بعدم الصوم، والامتثال للقوانين المعمول بها داخل الإقليم.

ونقلت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية في 2015 عن مصادر من أقلية الإيغور المسلمة في الصين، أن السلطات الصينية منعت مرة أخرى صيام رمضان في بعض أجزاء من مقاطعة شينجيانغ الغربية.

ويواجه ملايين الصينيين في الإقليم حملة قمع وحشية تجعل الصوم مستحيلا تقريبا، وزعم السفير الصيني في باكستان في بداية رمضان الجاري أن المسلمين أحرار في صيام رمضان الجاري، لكنه أضاف أن "القيود تنطبق فقط على أعضاء الحزب الشيوعي، الذين هم ملحدون، والمسؤولين الحكوميين والطلاب في التعليم الإلزامي".

ويشمل التعليم الإلزامي الذي قصده السفير ما يسمى في الصين بـ"التعليم الصعب"، فهناك ما يتراوح بين مليون ومليوني مسلم، معظمهم من الإيغور محتجزون في معسكرات الاعتقال الجماعي في الصين اليوم.

ويقول الإيغوريون إن الحظر أكثر انتشارا مما يدّعي المسؤولون، حيث يقول البعض إنهم طُلب منهم ترقب أي شخص يصوم، وفقا للمتحدث باسم المؤتمر العالمي للإيغور ديلكسات راكسيد.

ويقول راكسيد أيضا إن الإيغور -بالإضافة إلى المسؤولين المحليين- يراقَبون عن كثب ويُضغَط عليهم من أجل التعهد بالولاء الكامل للحزب الشيوعي.

وفي الصين، يعتبر الحزب الشيوعي الحاكم أن العروض الدينية علامة على "التطرف"، حتى عندما تمارس في المجال الخاص، ولا يشمل ذلك الممارسات الظاهرة فقط مثل اللحية والحجاب بل الامتناع عن الأكل خلال شهر رمضان أو الامتناع عن شرب الخمر.

وفي رمضان يُراقب جميع طلاب الإيغور من قبل إدارة المدرسة ويطلب منهم إثبات أنهم لا يصومون، ومن يتجرأ على الصيام يتم إرساله إلى مراكز الاحتجاز التي يطلق عليها المسؤولون الصينيون "معسكرات إعادة التعليم"  أو "التعليم الصعب".

وتشمل القيود منع الطعام الحلال وإجبارهم على تناول الخمور ولحم الخنزير في المناسبات ومنع اللحى والحجاب، فضلا عن الحرمان من السفر والمراقبة الدائمة.

ويعتبر إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية سابقا) أحد الأقاليم الصينية الخمسة التي تتمتع بحكم ذاتي، وبحسب أرقام الحكومة الصينية فإن أكثر من نصف سكان الإقليم هم من المسلمين الذين ينتمون أساسا إلى عرق الإيغور.

وقد قام السكان الإيغور بعدة ثورات في القرن العشرين للاستقلال عن الحكومة المركزية في بكين، أبرزها ثورة 1944 التي نجحوا على إثرها في إعلان دولة تركستان الشرقية المستقلة، لكن سرعان ما ضمتها الصين الشيوعية عام 1949.

ومنذ ذلك الحين وهم يتعرضون لحملات قمع متواصلة من حكومة بكين طالت كل مناحي الحياة، وأسفرت عن تغيرات بنيوية شملت الديموغرافيا والثقافة والدين واللغة، وجميع مناحي الحياة.

المصدر : الجزيرة