قبل 130 عاما.. هكذا احتج مثقفون فرنسيون على بناء برج إيفل

رسالة مفتوحة ضد بناء برج إيفل
مثقفو فرنسا في ذلك الزمان كانوا يتخوفون من أن يطمس برج إيفل معالم باريس الأخرى (مواقع التواصل)
لا يسع المرء إلا التفكير لحظة في برج شديد الارتفاع يطل على باريس، ويتخيل النقاش الذي يمكن أن يدور اليوم إذا ظهر مشروع مماثل جديد وسط المدينة؟ لا شك أن الجدالات ستكون صاخبة كما كانت في ذلك الوقت، لكن ربما طريقة التعبير بين نهاية القرن 19 وأيامنا الحالية ستكون مختلفة تمامًا.

فقد احتج فنانون فرنسيون ضد البرج المعدني -الذي يبلغ علوه 324 مترا- قبل أن يصبح لاحقاً رمزاً عالمياً للسياحة والرومانسية، ووقع عشرات من الفنانين والمفكرين الباريسيين عام 1887 على بيان نشر في صحيفة فرنسية، وتساءلوا فيه عن الجدوى من برج ضخم صناعي وغير جذاب في قلب عاصمة النور.

وبرج إيفل عبارة عن هيكل معدني صممه المهندس الفرنسي ألكسندر غوستاف إيفل للمعرض العالمي عام 1889 في باريس، الذي تم تنظيمه للاحتفال بمئوية الثورة الفرنسية، ووقع 47 مثقفا -من بينهم أشهر كتاب ذلك العصر وعلى رأسهم إميل زولا ، وابن ألكسندر دوماس، وغاي دي موباسان، وغيرهم- رسالة مفتوحة موجهة لأمين المعرض العالمي تعترض على فكرة البرج، ونشرت في صحيفة "لو تيمبس" (Le Temps) في 14 فبراير/شباط 1887.

هاجموا إيفل ورد عليهم
وفي مقتطف من "الاحتجاج على برج مسيو إيفل"، قال المثقفون المحتجون "نحن الكتاب والرسامين والنحاتين والمهندسين المعماريين من عشاق جمال باريس المعرّض للتهديد؛ جئنا باسم الذوق الفرنسي للاحتجاج بكل قوتنا وبكل سخطنا وبكل التقدير للفن والتاريخ الفرنسييْن ضد تشييد برج إيفل الوحشي وعديم الجدوى في قلب عاصمتنا".

‪برج إيفل استمر بناؤه 24 شهراً وأصبح أهم معلم سياحي عالمي من حيث عدد الزوار‬ (الأناضول)
‪برج إيفل استمر بناؤه 24 شهراً وأصبح أهم معلم سياحي عالمي من حيث عدد الزوار‬ (الأناضول)

وتساءل المثقفون المحتجون: هل أصبحت باريس بعيدة عن "الفن الباروكي"؟ مستنكرين أن تصبح العاصمة الفرنسية عرضة لأهواء صانع الآلات، مما يجعلها قبيحة بشكل لا يمكن إصلاحه وبطريقة تجلب العار، حسب تعبيرهم.

وشبّه المحتجون برج باريس شديد الارتفاع بمدخنة مصنع أسود ضخم تشوّه صورة المدينة، ولفتوا النظر إلى أن الهيكل الحديدي الكبير سيقلل من أهمية الآثار والمعمار والمعالم الفرنسية الشهيرة، مثل نوتردام وقوس النصر.

وختم المثقفون الرسالة إلى أمين المعرض العالمي السيد ألفاند بتحميله المسؤولية للدفاع عن باريس، ومن الواضح أن هذا الاحتجاج لم ينجح في إلغاء فكرة البرج، الذي استمر بناؤه 24 شهراً، وأصبح أهم معلم سياحي عالمي من حيث عدد الزوار.

وفي مقابلة مع صحيفة "لو تيمبس" في 14 فبراير 1887، أجاب غوستاف إيفل على احتجاج الفنانين، معتبراً أن البرج سيمتلك جماله الخاص، وأنه يمكن أن يجمع الصلابة والمتانة إلى جانب الأناقة والتناغم الجمالي.

وأضاف إيفل "إذا اعتقد الفنانون أن البرج سيفسد المشهد الباريسي؛ فإنه على العكس سيكون مصدر فخر للعاصمة لامتلاكها أعلى بناء في العالم في حينه".

واستطرد إيفل عن تصميم البرج وكيفية مقاومته للرياح، واعتبر أن انحناء الحواف الخارجية الأربعة للهيكل سيعطي انطباعا بالقوة والجمال في الوقت ذاته، وسيكشف عن جرأة التصميم ككل.

وكذلك فإن المساحات الفارغة الموجودة في عناصر البناء ستمنع تأثر الأسطح بعنف الأعاصير التي تهدد استقرار البرج، وعلاوة على ذلك، هناك جاذبية في الضخامة وبهجة فريدة لا تكاد تكون معها نظريات الفن العادية قابلة للتطبيق.

ومن المثير للاهتمام أن إيفل سلط الضوء في رده على التطبيقات العلمية المحتملة للبرج، وهو ما ثبت بالفعل بعد ذلك؛ إذ استخدم لتعزيز شبكات اللاسلكي والأرصاد الجوية، ولم يتجنب إيفل الإشارة إلى أن فرنسا ليست مبنية فقط بواسطة الأعمال الفنية للمثقفين، ولكن أيضًا بجهود المهندسين.

وأنهى إيفل رده بفخر قائلاً إن كل فرنسي يجب أن يشعر بفكرة وجود هذا البرج على أرضه. وبعد أكثر من قرن من الزمان لم يطمس برج إيفل معالم باريس الأخرى لكنه أصبح بالفعل جزءًا أساسيًّا من تراث المدينة.

المصدر : الجزيرة