رحيل "بوشكين العرب".. مترجم أعمال تشيخوف وروائع الأدب الروسي

المصري أبوبكر يوسف يترجم أعمال انطوان تشيخوف
كان إخراج سلسلة مؤلفات روسية -منها أعمال الأديب تشيخوف- إلى اللغة العربية تجربة مهمة بالنسبة لي، وشكلت أحد معالم وجودي الثقافي والأدبي، هكذا تحدث المترجم المصري أبو بكر يوسف للجزيرة قبل 13 عاما من رحيله عن عمر ناهز 75 عاما.

وعلى الرغم من تنوع ترجماته من الروسية فإن اسم يوسف -الذي رحل عن عالمنا في 3 مارس/آذار 2019- قد ارتبط بترجمة أعمال الكاتب الروسي أنطون تشيخوف القصصية والمسرحية.

وترجم أبو بكر أيضا أعمالا أدبية لبوشكين وغوغول وليرمنتوف وشولوخوف، كما راجع ترجمة دوستويفسكى التي سبق أن ترجمها سامي الدروبي.

وتعود بدايات الرحلة إلى ستينيات القرن الماضي في موسكو عندما خطر ببال شاب مصري درس الروسية لسنوات أن يترجم روائع تشيخوف من القصص القصيرة والمسرحيات التي اعتبرت من كلاسيكيات القرن العشرين، لكنه وجد أن إبداعات تشيخوف التي كان لها تأثير كبير على دراما القرن العشرين تحتاج مترجما أفضل، وهو ما تحقق بالفعل لأبو بكر يوسف نفسه بعد عشرين عاما إضافية قضاها في تطوير لغته الروسية التي ترجم منها.

وهكذا بدأ أبو بكر ترجمة أعمال تشيكوف إلى العربية لتخرج في 4 مجلدات بأكثر من طبعة اشتهرت في العالم العربي، ولم يكتف بذلك بل ترجم العديد من الأعمال الأدبية الروسية الأخرى إلى اللغة العربية، حتى لقبه أصدقاؤه الروس بالشاعر بوشكين الذي لم يكن روسي الأصل مثل أبو بكر.

أنطون تشيخوف(مواقع التواصل)
أنطون تشيخوف(مواقع التواصل)

الرحلة من بيت العمدة إلى موسكو
في لقائه السابق مع برنامج "موعد في المهجر" تحدث أبو بكر يوسف عن رحلته إلى الاتحاد السوفياتي في المرة الأولى عام 1958 عندما صدر قرار من وزارة التعليم المصرية بإيفاد نحو ثلاثين طالبا من أوائل الثانوية العامة للدراسة هناك في مختلف التخصصات العلمية والهندسية، وتخصص واحد في اللغة الروسية كان من نصيب بكر الذي ينحدر من قرية نائية بصعيد مصر، وكان أبوه عمدة القرية.

وذهب أبو بكر للدراسة في الاتحاد السوفياتي بمبنى جامعة موسكو أعرق وأول جامعة هناك شيدت منذ أكثر من 250 عاما بجهود العالم الروسي الكبير ميخائيل لومونوسوف.

ويقول أبو بكر عن هذه المرحلة "عندما وصلت إلى موسكو التحقت بكلية الآداب، وكان ذلك عام 1959، وجدت أن الدراسة مهمة في غاية الصعوبة لأن المادة التي كنا ندرسها وهي الأدب الروسي لم تكن معروفة لنا، ثم إن اللغة التي كنا قد تعلمناها خلال ستة أشهر فقط لم تسعفنا لفهم حتى 50% من المحاضرة الأولى التي تركت في نفسي انطباعا سيئا للغاية".

ويضيف "لم نفهم أنا وزملائي السوريون الذين كانوا يدرسون معنا معظم ما قيل فيها، ولم نسمع حتى بأسماء الأبطال والروايات التي ذكرها المحاضر، لكن من ناحية أخرى لجأت جامعة موسكو إلى طريقة جميلة فعلا في مساعدتنا، إذ خصصت لكل منا طالبا من الطلاب الروس في كل مادة، كانوا من الطلاب الذين يعيشون معنا في المدينة الجامعية، وبالتالي كانوا يساعدوننا في مراجعة الدروس، وفهم ما يعترضنا من عقبات في تلك الفترة الدراسية".

ومن ناحية المناخ العام الذي درسنا فيه، يضيف أبو بكر "كانت روسيا آنذاك تعيش فترة الانفتاح الثقافي أو ما سميت مرحلة ذوبان الجليد، حيث انتشرت الأفكار الجديدة والآراء الجديدة والاتجاهات الجديدة، وقد عشنا هذه المرحلة بكل اتساع".

وتزوج أبو بكر من زميلته في الدراسة، وعاد معها إلى مصر ليعمل معيدا في كلية الألسن بجامعة عين شمس، ودرّس الأدب الروسي واللغة الروسية ومادة الترجمة، ويقول عن هذه الفترة "كانت معي زوجتي وابني، وكنا نحاول أن نؤسس بيتا صغيرا لنا في القاهرة، في ذلك الوقت كانت الدنيا صعبة جدا بالنسبة للسكن لكن تمكنا من بناء هذا العش الصغير".

العودة إلى موسكو
وعندما عاد أبو بكر وأسرته إلى موسكو مرة أخرى عام 1968 لدراسة الدكتوراه عزم على أن يكون حلقة الوصل بين الأدب والثقافة الروسيين والعالم العربي، وأسس ناديا ثقافيا عربيا في موسكو.

وتحدث أبو بكر في لقائه مع الجزيرة عن علاقته بدار التقدم في موسكو التي كانت من أكبر دور النشر في الاتحاد السوفياتي، إذ عمل بها مئات المترجمين والمراجعين والمصححين والمستعربين لترجمة الكتب من اللغة الروسية إلى أكثر من خمسين لغة من لغات العالم.

وعندما طرحت على أبو بكر فكرة ترجمة كتاب لقصص تشيخوف اقترح ألا يقتصر هذا الأمر على ترجمة كتاب واحد وإنما يقدم مشروعا بترجمة أعمال مختارة لهذا الأديب من ستة مجلدات مثلا.

وبالفعل تمت الموافقة على الفكرة، وبدأت دار التقدم لأول مرة في إخراج سلسلة مؤلفات مختارة للكتاب الروس، وافتتحها أبو بكر بترجمة أعمال الأديب الروسي أنطون تشيخوف إلى اللغة العربية لأول مرة من اللغة الروسية مباشرة، وقام بهذا العمل على مدار نحو ثلاث سنوات، ثم أعادت طبعه من جديد دار رادوغا التي أصبحت متخصصة فيما بعد في إصدار الكتب الأدبية.

وبخلاف تشيخوف، ترجم أبو بكر ديوانا لشاعر روسي معروف هو ألكسندر بلوك، ويقول عن هذه التجربة "كان المتبع في السابق أن تترجم عدة قصائد للشاعر الواحد لا أكثر، ولكن تمكنت من ترجمة هذا الكتاب وصدر لأول مرة باللغة العربية ديوان كامل لشاعر روسي".

ويضيف أبو بكر "من الأشياء التي أعتز بها أيضا في فترة عملي في حقل الترجمة ترجمة كتب أدب الأطفال، وكنت تقريبا مع مترجم أو آخر من المترجمين نقوم بهذا العمل في دار التقدم، أقصد ترجمة كتب قصص وروايات قصيرة وحكايات وكتب مصورة للأطفال بأقلام مشاهير الكتاب الروس المتخصصين في أدب الأطفال، وقد قدمت للمكتبة العربية في هذا المجال نحو ثلاثين كتابا من كتب الأطفال أعتقد أنها أثرت المكتبة بهذا النوع أو بهذا الجنس الأدبي الفريد".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية