رواية "لا تشبه ذاتها".. قصة حب أفغانية تنتهي بتغريبة مفتوحة

الكاتبة الاردنية ليلى الاطرش التي صدرت مؤخرا اضافة الى لقاء مع الكاتبة حول روايتها "لا تشبه ذاتها"

هدا السرحان-عمان

صدرت مؤخرا للكاتبة الأردنية ليلى الأطرش رواية بعنوان "لا تشبه ذاتها" تتمحور حول قضية المرأة والهجرة والمعاناة التي تكونت في شخصية بطلة الرواية حبيبة العين الغلزاني التي أخذت موقع الراوي كبطلات روايات أخرى صدرت للكاتبة مثل "وتشرق غربا" (1988)، و"امرأة للفصول الخمسة" (1990)، و"ليلتان وظل امرأة" (1998).

وعن هذه الرواية تقول الأطرش "المرأة هي بالتأكيد قضيتي لكنها نسوية اجتماعية، بمعنى أن تحرير المرأة وحصولها على حقوقها ومكانتها لن يتم بمعزل عن تحرير الرجل فكريا، وبالتالي قضية المرأة عندي لا تنفصل عن سياقها الاجتماعي".

حبيبة العين لا تشبه ذاتها بعدما خذلها الحب وأقعدها المرض، فهي الطفلة الأفغانية التي كانت متمردة على قوانين العائلة والتقاليد والعادات التي فرضها المجتمع المتقلب على امتداد التاريخ.

إنها قصة حب أفغانية انتهت بتغريبة إنسانية وزعت فصولها بين كابل ولندن وعمان، بداية الرواية غامضة بعض الشيء إلا أنها تصبح واضحة التفاصيل والفهم والهدف من خلال الغوص في عمق التفاصيل والفصول.

تقول ليلى الأطرش عن موضوع الرواية "ما يهمني أثناء كتابة عمل جديد أن يكون مختلفا وجديدا في الشكل والمضمون، و"لا تشبه ذاتها" جديدة فهي في شكل مذكرات كتبتها البطلة لابنتها وطليقها عن طفولتها وصباها وحبها وفشلها وصراعها مع الحياة والمرض فتعددت الثيمات عن أثر الهجرة على من يجبر عليها أو يختارها، والجديد أنها هجرة عائلات لم تعرف بؤس المخيمات والتشرد، تساءلت: هل تختلف هجرة القادر عن تجارب بؤس اللجوء؟ وما مدى ارتباط المهاجر بوطن تركه غصبا أو طواعية؟ فكانت رواية الذكريات الطفولية عن التعايش والتسامح والحب وعشق الوطن والخوف الإنساني في تجليات عدة".

‪ليلى الأطرش‬ (الجزيرة)
‪ليلى الأطرش‬ (الجزيرة)

تاريخ وجغرافيا
وكما هي في رواياتها السابقة شكل المكان عنصرا ضروريا ومهما، لذلك تهتم الكاتبة بالتحضير والبحث العميق قبل كتابة الرواية، ففي روايتها "ترانيم الغواية" زارت الكاتبة القدس أكثر من مرة، كانت تتفحص الأماكن التي تغيرت عليها حتى لا تبدو في الرواية شخصا لا يعرف المكان حقا، قامت أيضا برحلات عدة إلى أوروبا اطلعت خلالها على عدد من الوثائق.

وفي "لا تشبه ذاتها" سخرت الروائية قراءاتها التاريخية والجغرافية لخدمة العمل الدرامي بانسجام تام بين الواقع والمتخيل لدرجة نجاحها في إعطاء الانطباع بأنها عاشت وسط المجتمع الأفغاني بتعقيداته الدينية والصوفية والاجتماعية والسياسية، وأنها نجحت في منح هذه التجربة لبطلة الرواية ابنة أرسلان الغلزاني أحد شيوخ قبائل البشتون، وهو سياسي ودبلوماسي ورجل أعمال معروف في مجتمعه ورث الزعامة والثروة عن جده الغلزاني الأكبر.

وفي رد حول "لماذا أفغانستان؟ تقول ليلى الأطرش إن أفغانستان كانت بلد حضارات قديمة وتعايش وموطنا لحركة صوفية قبل أن يجتاحها الصراع العرقي والطائفي، وظهر فيها علماء دين أثروا كثيرا في الاجتهاد والتفسير في العالم الإسلامي، وارتبط الصراع فيها طائفيا وعرقيا بقضية فلسطين وشعارات تحرير الأقصى، ومن هنا كان الترابط بين الأفغانية والفلسطيني.

تغريبة مفتوحة
تضيف الكاتبة أن "الحقائق في الرواية توصلت إليها أثناء البحث والإعداد، والجزء الأكبر منها ذكريات طفلة اقتلع الخوف عائلتها من بلادها إلى بريطانيا، وعن المحاولات الصهيونية لاختراق مجتمعات القبائل والعشائر وسحب المزيد من المهاجرين للعمل في فلسطين فقسمت القبائل طمعا من بعضهم في الهجرة والهروب من الموت والصراعات إلى فرص أفضل، ولا ننسى أن الجالية الأفغانية من أكبر الجاليات المهاجرة في العالم، والبطلة عاشت تجربة الاقتلاع والتأقلم والخوف والفشل في الحب والزواج والمرض، وهي الثيمات الرئيسية في الرواية".

وخلال قراءة الرواية توقفت عند شخصية ثانوية في الرواية، إنه منذر ابن الأسرة المقدسية، فهو الوصولي المقامر الذي لم يعرف القدس إلا من حكايات أهله، عاش في الخليج ثم بريطانيا حيث قابل الطبيبة حبيبة العين الأفغانية وتزوجها لتساعده في أعماله التجارية.

أما هو فقد سعى إلى استغلال معاهدة السلام في وادي عربة بين الأردن وإسرائيل لتوسيع أعماله التجارية، لذلك عاد منذر وزوجته لتأسيس شركة بيع الأدوات الطبية وتصدير المنتجات الزراعية إلى العالم انطلاقا من عمان بعد معاهدة السلام، إلا أن منذر بدد أموال الأسرة على مائدة القمار، وقاد الشركة إلى الإفلاس، وها هي بطلة الرواية حبيبة العين تحاول إنقاذ الشركة بعدما خذلها الحب وضعف الجسد.

تعالج الرواية قضية القبول والتسامح والتعايش بين الأديان كما في رواياتها السابقة إلا أن الكاتبة تضيف أن "جديد (لا تشبه ذاتها) ثيمات الحب والخوف الإنساني بأنواعه، ومنذر هو الحب الذي فشل، والأنانية الشخصية والهرب إلى المقامرة.. انتهازي وجد نفسه أمام خيارين: أن يخسر المصاهرة التي سعى إليها أو يقبل بأصدقاء الغلزاني، لكنهم استغلوا شهوته للثراء بالقبول بالشراكة في مشروع زراعي بعد معاهدة وادي عربة يفتح له أسواق العالم، وأعتقد أن أمثاله كثيرون في فلسطين والأردن والدول العربية".

حبيبة العين تكتب تجربتها ومسيرتها من البداية إلى النهاية بكل ذكريات الماضي وألم الحاضر وهي ممددة على سرير الشفاء في مركز الحسين للسرطان في عمان، إنها تبوح بكل أسرارها إلى ابنتها منار التي تشبهها في تمردها، أما النهاية فقد تركتها الكاتبة مفتوحة بخاتمة لا تشبه رواياتها السابقة.

المصدر : الجزيرة