الإرث الأندلسي.. رائحة الفردوس المفقود تفوح بالدار البيضاء

"الإرث الأندلسي" يجذب جمهور المعرض الدولي للكتاب بالمغرب
المعرض يعكس 400 عام من التاريخ انطلاقا من النماذج الأقدم في حقبة المرابطين إلى الأحدث (الجزيرة)

سناء القويطي-الدار البيضاء

يقف الشاب يوسف قربال أمام صورة مخطوط لابن الرازي، يقترب محاولا قراءته، قبل أن يحمل هاتفه المحمول ويلتقط صورة له. بين لوحة وأخرى، يجول هذا الطالب الجامعي في رواق المخطوطات الأندلسية بالدورة الـ25 للمعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء التي اختتمت مؤخرا، محاولا تفكيك رموزها وسبر أغوارها.

يقول يوسف للجزيرة نت إنه يحب الخط العربي ويهوى قراءة الكتب القديمة، لذلك عندما لمح رواق "الإرث الأندلسي" في زيارته للمعرض انجذب إليه، وانبهر أكثر عندما عرف أن الأمر يتعلق بمخطوطات تعود للقرن الثالث عشر الميلادي أيام الوجود الإسلامي في الأندلس.

وخصصت إسبانيا -بوصفها ضيف شرف المعرض- رواقا حول "الإرث الأندلسي في المكتبات الإسبانية"، من أجل تكريم تراث موروث عن حقبة تاريخية كانت زاخرة بالإنتاج العلمي والأدبي.

وقدمت إسبانيا للجمهور المغربي طيلة أيام المعرض عينة من المخطوطات العربية التي تحتفظ بها في المكتبات الإسبانية، مثل المكتبة الملكية في دير سان لورينثو، ودير الإسكوريال، والمكتبة الوطنية، والأكاديمية الملكية للتاريخ.

undefined

مخطوطات متنوعة
وتسلط هذه العينة الضوء على مخطوطات الفترة الأندلسية، أي تلك التي ظهرت في أراضي شبه جزيرة إيبيريا منذ 711م إلى 1492م وحتى 1612م، أي في عهد الموريسكيين، حيث ازدهرت تجارة الكتب ونسخها ونقلها.

ويعكس المعرض -بحسب المنظمين- 400 عام من التاريخ انطلاقا من النماذج الأقدم في حقبة المرابطين وإلى الأحدث. وهناك مخطوطات بخط اليد وأخرى منقولة عن حقب قريبة.

وتتنوع مواضيع تلك المخطوطات ما بين طب وملاحة وهندسة ولغة ومقتطفات أدبية، إلى جانب آيات من القرآن الكريم تم نسخها اعتبارا من حقبة المرابطين والموحدين.

وعرض الرواق صفحات من كتاب الرازي يعود تاريخها لعام 1229م، وشرح المقصورة لابن دريد بن هشام اللخمي (1222م)، وكتاب المسائل والأجوبة لابن السيد البطليوسي (1333م)، والمخصص في اللغة لابن سيده (1203م) وغيرها. ونسخت هذه المخطوطات في مدن طليطلة وملقا وألميريا، واستعملت في كتابتها خطوط عربية مغربية وأندلسية تختلف عن الكتابة في الشرق.

ومن ضمن المخطوطات الأخرى الصفحة الأخيرة من مخطوط قرآني يعود تاريخه لعام 1302م، وأنجزه مفضل بن محمد بن مفضل. وقد كتب على ورق الرق بحرف مغربي، لكنه صغير، وهو ما عرف بالحرف الأندلسي، حروفه مكتوبة بالأسود بينما رسمت الحركات بالأحمر وكتبت الشدة والسكون بالأزرق، وأسماء السور كتبت بالخط الكوفي وبتقنية الكتابة بالحبر المذهب.

كما يضم صفحة من مخطوط قرآني حروفه المغربية كبيرة في حجمها بسبب استعمال الناسخ قصبة سميكة الطرف، وهو ما استدعى ترتيب النص في سبعة أسطر للصفحة، وفي كل سطر أربع كلمات قد تتقلص إلى ثلاث إذا كانت طويلة، والأسلوب يشبه كثيرا الأساليب المستخدمة في نسخ تعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني عشر والنصف الأول من القرن الثالث عشر.

undefined

كنز وحكاية
تقول أمل آيت ناني المشرفة على رواق الإرث الأندلسي والباحثة في الأدب الإسباني إن عينة المخطوطات في الرواق حكاية فريدة تعود إلى بداية القرن السابع عشر. فهي كما تشرح تعود لمكتبة السلطان المغربي السعدي زيدان الناصر بن أحمد، التي استولى عليها قراصنة إسبان عام 1612.

وكانت الخزانة الزيدانية تضم نحو أربعة آلاف مخطوط في مختلف فنون العلم والأدب، بيد أن القراصنة هاجموا الباخرة التي كانت تنقل كنزه الثمين من مدينة آسفي نحو أكادير في مرحلة متقلبة، معتقدين أنها تحمل صناديق من الذهب، ولما لم يجدوا في الباخرة الكنز المنشود، أهدوها للملك الإسباني فيليب الثالث الذي أمر بنقلها إلى مكتبة دير الإسكوريال.

ومنذ عهد السلطان زيدان، طالبت الدبلوماسية المغربية باسترجاع تلك المخطوطات دون جدوى، إلى أن سمحت إسبانيا للمغرب عام 2009 بنسخها على ميكروفيلم، سلمه ملك إسبانيا لملك المغرب عام 2013 في زيارة رسمية.

"إنها فعلا كنز يؤرخ لفترة مهمة من تاريخ الأندلس" تقول أمل آيت ناني للجزيرة نت وهي تستعرض تنوع تلك المخطوطات وقيمتها العلمية والتاريخية الفريدة.

وإلى جانب المخطوطات، عرض الرواق كتبا لمؤلفين إسبان تتناول مرحلة الوجود الإسلامي في الأندلس. ولاقى الرواق تفاعلا كبيرا من زوار المعرض، وخاصة الباحثين والمهتمين بتاريخ الأندلس بحسب أمل، لكنها لا تخفي أن هؤلاء لم يجدوا ضالتهم كاملة لكون الكتب للعرض لا للبيع.

undefined

تاريخ مشترك
ويلفت الباحث في الشؤون الإسبانية عبد العالي بروكي إلى أن إسبانيا -بوصفها ضيف شرف المعرض- سعت لعرض كل ما من شأنه أن يعكس فكرة التاريخ المشترك والروابط المشتركة بين البلدين، وهو ما ظهر في رواق "الإرث الأندلسي" وبعض الكتب المعروضة التي تتناول الطرق التجارية والطرق التي عبر منها مجموعة من العلماء الأندلسيين الذين زاروا المغرب مثل ابن رشد وابن عباد.

ويقول بروكي للجزيرة نت إن المثقفين والأكاديميين الإسبان ينادون دائما بضرورة الحفاظ على هذا الموروث الثقافي باعتباره جزءا مشتركا من تاريخ ضفتي المتوسط، من شأنه أن يجمع ويوحد الرؤى، غير أنه مع ذلك يرى أن الإرادة السياسية تبقى فوق كل الاعتبارات، وهي التي ترسم خطوط العلاقات بين البلدين.

المصدر : الجزيرة