الأرمن والسيسي.. هل لجؤوا إلى مصر أم هربوا منها؟

Armenian graves conserve centuries-old presence in Egypt
ابتداء من القرن التاسع عشر أصبحت مصر أحد مراكز الحياة السياسية والثقافية الأرمنية (رويترز)

عمران عبد الله

خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن، تطرق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ما سماه "مجازر الأرمن"، في خضم الجدل الساخن بين تركيا وفرنسا بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 24 أبريل/نيسان يوما لإحياء ذكرى إبادة الأرمن المزعومة، وهذا ما أثار ردود فعل غاضبة من طرف المسؤولين الأتراك.

وقال السيسي إن بلاده استضافت في يوم من الأيام منذ مئة سنة أو أكثر الأرمن بعد المذابح التي تعرضوا لها.

وتسعى جماعات ضغط أرمنية إلى تجريم تركيا وتحميلها مسؤولية مزاعم بتعرض أرمن الأناضول لعملية إبادة وتهجير على يد الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

وتؤكد تركيا عدم إمكانية إطلاق صفة الإبادة الجماعية على هذه الأحداث، ولكنها تصفها بالمأساة لكلا الطرفين.

لكن هل هرب الأرمن إلى مصر ووجدوا الأمان فيها بالفعل كما يقول الرئيس المصري في مؤتمر دولي، هذا ما نحاول الإجابة عنه من خلال استعراض تاريخ الأرمن في مصر وحتى ثورة الضباط الأحرار 1952 التي هاجر الأرمن على إثرها من مصر ووصفها بعضهم بالانقلاب.

صورة تاريخية تعود لبدايات القرن العشرين ويظهر فيها المعتمد البريطاني في فلسطين هيربرت صموئيل وإلى يساره البيشوب كونشاغيان أسقف الأرمن في مصر 
صورة تاريخية تعود لبدايات القرن العشرين ويظهر فيها المعتمد البريطاني في فلسطين هيربرت صموئيل وإلى يساره البيشوب كونشاغيان أسقف الأرمن في مصر 

الأرمن جاؤوا لمصر في فترات مختلفة
بدأت الهجرة الأرمنية إلى مصر بشكل محدود في القرن السابع الميلادي، إذ هاجر أرمن مسلمون إلى مصر قبل هجرات الأرمن المسيحيين أوائل القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وبرز بعض رجالهم كمسؤولين حكوميين منذ ذلك الوقت المبكر.

وفي عهد الحكم الفاطمي لمصر ازدادت أعداد الأرمن المسلمين بشكل واضح وشهدت الخلافة الفاطمية حكم وزراء من أصل أرمني، مثل الوزير بدر الجمالي قائد الجيوش وباني سور القاهرة ومجدد الحكم الفاطمي فيها وابنه الأفضل شاهنشاه.

وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر أُسر العديد من الأرمن أثناء فتح مملكة كيليكيا التي كانت متحالفة مع الحملات الصليبية وأصبحوا مماليك مصريين من أصول أرمنية وعملوا في الجيش والقصر.

وفي عهد محمد علي باشا (1805-1849) توافدت تيارات هجرة أرمنية إلى مصر، إذ قربهم محمد علي ووظفهم في مناصب حكومية وبنى لهم كنائس أرمنية للأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك، ولاحقا أصبح نوبار باشا ذو الأصل الأرمني أول رئيس وزراء في مصر الحديثة.

ابتداء من القرن التاسع عشر، أصبحت مصر أحد مراكز الحياة السياسية والثقافية الأرمنية وبرز العديد من الشخصيات الأرمنية على الساحة المصرية وتأسس الاتحاد العام الأرمني الخيري في القاهرة عام 1906 وإنتاج أول فيلم أرمني يحمل موضوعا أرمينيا في عام 1912 في القاهرة من قبل الناشر الأرمني المصري فاهان زارتاريان.

ما بعد أحداث الأرمن وحركة الضباط المصريين
في العقد الثاني من القرن العشرين زادت الهجرات الأرمنية إلى مصر بالفعل، وبلغت ذروتها في بيانات التعداد السكاني لعام 1927 حيث بلغ عددهم 17188 نسمة تركز معظمهم في القاهرة والإسكندرية.

ولعبت الكنيسة الرسولية الأرمنية، وبدرجة أقل الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية، دورا كبيرا في توحيد الأرمن في البلاد، وعمل الأرمنيون حرفيين وإداريين وتجارا ومقدمي خدمات، وكانت أوضاع الأرمن في مصر أكثر ازدهارا مقارنة بدول الشرق الأوسط الأخرى، وعندما فتحت أبواب العودة إلى أرمينيا في عهد الاتحاد السوفياتي بين 1946 و 1948 هاجر نحو 4000 مصري فقط.

لكن هذا الوضع لم يدم طويلا، فلم تمض سنوات قلائل حتى قامت حركة الضباط الأحرار في مصر، وأسقطت الملكية وقضت على الحياة الحزبية.

بعد عام 1952 هاجر العديد من الأرمن إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وليس إلى أرمينيا.

الهجرة المعاكسة والقوانين الاشتراكية
وتصاعدت هجرة الأرمن المصريين خاصة في الأعوام بعد 1956 ومع إدخال ما يسمى "القوانين الاشتراكية" في مصر وتأميم العديد من القطاعات الاقتصادية في ظل نظام عبد الناصر.

‪مقبرة الأرمن في العاصمة المصرية‬ (رويترز)
‪مقبرة الأرمن في العاصمة المصرية‬ (رويترز)

ولأن الأرمن المصريين في ذلك الوقت عملوا غالبا في القطاع الخاص وكانوا يميلون إلى احتكار المهن الأساسية والأسواق التجارية، فإن ما يسمى بالقوانين الاشتراكية قد أثرت عليهم أكثر من أولئك العاملين في الحكومة كموظفين أو في الزراعة. وذكرت شهادات العديد من المهاجرين إلى أنهم تعرضوا للتهديد بسبب السياسات الجديدة لنظام عبد الناصر والعديد منهم غادروا مصر وهاجروا إلى الغرب.

ومنذ عام 1956 انخفض العدد الإجمالي للمصريين الأرمن، ولا تتوفر أرقام دقيقة عن عدد الأشخاص المتبقين والأشخاص الذين لا يزالون موجودين، حيث إن الأسئلة المتعلقة بالأصل العرقي لم تُدرج في التعدادات منذ ثورة 1952.

وفي الفيلم التسجيلي "إحنا الأرمن المصريين" الذي يحكي قصة المجتمع الأرمني في مصر وعرض 2016 وصف أحد ضيوف الفيلم حركة الضباط الأحرار 1952 بالانقلاب، معتبرا أن إسقاط الحكم الملكي وسياسات التأميم في عهد عبد الناصر انعكست سلبا بشدة على المجتمع الأرمني في البلاد.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية