نادي "أمهات قارئات" بالرباط.. تقرأ الأم فيقرأ الطفل والمجتمع

سناء القويطي - سناء القويطي/ تستمع الأمهات لملخص عن الكتاب تقدمه إحدى عضوات النادي - نادي "أمهات قارئات" بالرباط... تقرأ الأم فيقرأ الطفل والمجتمع

سناء القويطي-الرباط

تحتضن المغربية زينب رضيعها، تهدهده بهدوء وعيناها مشدودتان لشاشة عرض كبيرة قبالتها، تستمع بإمعان لسيدة تقدم ملخصا لكتاب "تنشئة الأطفال في القرن الواحد والعشرين"، لكاتبته شارون كيه هول.

على شكل نصف دائري، تجلس زينب بجوار نساء أخريات، تحمل بعضهن أوراقا وأقلاما لتدوين ملاحظاتهن وما رشح من أفكار خلال لقائهن الشهري في نادي "أمهات قارئات" بالمركز الثقافي لأكدال بالعاصمة الرباط، وهو ناد تأسس منذ عام بهدف تشجيع الأمهات على القراءة.

تقول زينب إنها بعد تخرجها في الجامعة، وإنجاب ثلاثة أطفال، انقطعت عن هوايتها المفضلة القراءة والكتابة، وانشغلت برعاية صغارها وتدبير شؤون بيتها.

"أصبحت كل علاقاتي منحصرة في المحيط العائلي، لا نتكلم إلا عن الطبخ وتربية الأطفال ومشاكلهم". تشرح زينب ما آلت إليه حياتها بعد التخرج، غير أن صديقة أخبرتها بفكرة النادي، فقررت الانخراط فيه لعله يحيي شغفها الدفين وينتزعها من الروتين اليومي.

‪الأطفال‬ (الجزيرة)
‪الأطفال‬ (الجزيرة)

متنفس جديد 
بعد عرض مختصر لمضمون الكتاب، تشرع الأمهات في النقاش، وتدلي كل واحدة بدلوها، وتطرح على الأخريات الأسئلة التي شغلتها خلال رحلتها في قراءته. وبالنسبة لزينب فحضور النادي متنفس جديد مكنها من تبادل الأفكار مع أمهات أخريات، وأيضا التعبير عنها دون خجل أو رهبة.

وتشارك في النادي أمهات من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة، بعضهن ربات بيوت وأخريات طبيبات ومهندسات ومدرسات، جمعتهن الرغبة الجماعية في القراءة، وتخصيص وقت لتطوير شخصياتهن.

تقول مؤسسة النادي فوزية كريمي إنها كانت تشرف على تنظيم دورات في التنمية الذاتية للنساء، لكنها فكرت في أنهن لسن بحاجة فقط لتلقي الأفكار والنصائح والتوجيهات، بل عليهن العمل على تنمية مهاراتهن والانعتاق من روتين انشغالاتهن المنزلية والمهنية، ولن يتم ذلك في نظرها إلا بمصاحبة الكتب.

ولاحظت فوزية أن القراءة ليست أولوية لدى كثير من الأمهات، ولا ينجحن -مهما حاولن ورغبن- في تخصيص وقت لها، رغم وجود مكتبات في بيوتهن، فكان نادي "أمهات قارئات" وسيلة لتحفيزهن على ذلك.

‪الأمهات يتابعن عرضا يلخص أهم أفكار الكتاب ضمن فعاليات نادي
‪الأمهات يتابعن عرضا يلخص أهم أفكار الكتاب ضمن فعاليات نادي "أمهات قارئات" بالرباط‬ (الجزيرة)

ويسعى النادي -كما تقول- إلى تشجيع الأمهات على مواكبة واستيعاب ما يحدث في العالم من تحولات في شتى المجالات، وتوسيع معارفهن، فلا تقتصر على ما تعلمنه في المدرسة أو الجامعة.

"ليس من الضروري أن تقرأ الأمهات كتبا تتعلق بالتربية فقط، بل عليهن القراءة في كل المجالات لتثقيف أنفسهن وتوسيع مداركهن"، كما تؤكد فوزية. وتوضح أنها وضعت لائحة من 12 كتابا متنوع المضامين، بين التربية والتنمية الذاتية والصحة والتغذية والثقافة وغيرها، ويتم في كل شهر تحديد كتاب معين تقرأه الأمهات، ويجتمعن الأحد الثاني من كل شهر في النادي لمناقشته.

وأنشأت المشرفات على النادي مجموعة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، يتم فيها وضع نسخة إلكترونية من الكتاب، وتحفيز العضوات على إنهائه قبل يوم اللقاء الشهري.

"بعض الأمهات يحضرن لقاء المناقشة وبعضهن ولظروفهن المرتبطة أساسا برعاية الأبناء يكتفين بمتابعة النقاشات الدائرة في مجموعة التواصل". كما تقول للجزيرة نت فاطمة الزهراء بوشرويط رئيسة جمعية إيجابيون لتنمية المجتمع التي تحتضن النادي.

ولتجاوز عائق رعاية الأبناء الذي يحول دون حضورهن، أحدثت الجمعية ناديا موازيا للأطفال، يستقبل أبناء الأمهات القارئات الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 12 سنة.

تقرأ الأم.. فيقرأ الطفل
في قاعة مجاورة لنادي الأمهات القارئات، ينهمك الأطفال في أنشطتهم التربوية والترفيهية، وتطلب منهم المربية إغماض عيونهم بعد تخفيف إنارة المكان، ويستمعون لقصة صوتية قصيرة، بعدها تبدأ طرح أسئلة عن القصة وشخصياتها وأحداثها، وتشجع الأطفال على الحديث باللغة العربية الفصحى.

‪الأطفال يستمتعون باللعب في قاعة مجاورة لنادي الأمهات القارئات‬ (الجزيرة)
‪الأطفال يستمتعون باللعب في قاعة مجاورة لنادي الأمهات القارئات‬ (الجزيرة)

وتتنوع الأنشطة بين الاستماع ومشاهدة وقراءة القصص ومتابعة مسرحية "الكراكيز" (الأرجوز)، والقيام بألعاب رياضية في حديقة المركز. وتقول فاطمة الزهراء إن الهدف من هذه الأنشطة المتنوعة تشجيع الأطفال على توظيف حواسهم الخمس وتنمية خيالهم وتحبيب القراءة لهم.

زينب التي تحتضن طفلها الرضيع في نادي الأمهات القارئات كانت مرتاحة البال، فابنها البالغ من العمر سبع سنوات موجود مع أقرانه في نادي الأطفال، يستمتع معهم بالبرنامج التربوي الذي وضعته الجمعية.

تقول للجزيرة نت إنها تريده أن يتواصل مع أطفال آخرين، وينسج علاقة مع الكتاب منذ صغره، ويوسع خياله ومداركه. وتضيف "لا أريده أن يكبر مثلي، فعائلتي كانت تربط القراءة بالتحصيل الدراسي فقط، وكانت قراءة كتاب خارج المنهاج بالنسبة لهم مضيعة للوقت".

"عندما تقرأ الأم يقرأ الطفل وفي النتيجة نصل لمجتمع قارئ"، كما تقول فاطمة الزهراء للجزيرة نت، وهي تُجمل أهداف نادي "أمهات قارئات" والأثر الذي تتوخاه منه. 

ولا تخفي أن كثيرا من الأمهات لديهن الرغبة في تطوير أنفسهن ومواكبة التغيرات المتسارعة حولهن، غير أنهن يفتقدن الدافع والإرادة، لذلك تأمل أن تكون هذه المبادرة حافزا للأمهات، ليكسرن الحلقة المفرغة التي تمتص طاقتهن، ويخصصن وقتا للقراءة من أجل أنفسهن وأطفالهن والمجتمع ككل.

المصدر : الجزيرة