الثورة وعنفوان الفكرة.. في النقد الذاتي للثورة "المغدورة" بتونس

غلاف كتاب الثورة وعنفوان الفكرة
يتناول كتاب "الثورة وعنفوان الفكرة" بمرارة مسار الثورة التونسية (الجزيرة)

مجدي السعيدي-تونس

صدر في ديسمبر/كانون الأول 2018 كتاب "الثورة وعنفوان الفكرة" للكاتب والسياسي التونسي عبد الرؤوف العيادي، ويتناول مسار الثورة التونسية بنفس نقدي ينم عن شعور بالمرارة إزاء الفشل الذريع لأهداف مرحلة مفصلية في تاريخ تونس الحديث.

ويعبر الكاتب عبر أسلوب سردي لا يخلو من التحليل والتقويم عن رؤيته لمسار الثورة منذ اندلاع أولى شراراتها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 وحتى الآن.

غير أن المؤلف لا ينفك يضمن قراءته نفسا نقديا لاذعا وإحساسا يأخذ من التشاؤم شيئا ومن الخيبة أشياء ليخلص إلى التعبير عما وصفه بـ "الثورة المغدورة" تلك التي تعرضت لغدر السياسيين حتى وصل بها الحال للارتماء بأحضان المنظومة القديمة بعد أن سلبتها الحكومات المتعاقبة تلك الجذوة المتوهجة من الحماسة والرغبة في التأسيس لتيار مدني وثوري جديد.

يتناول كتاب "الثورة وعنفوان الفكرة" للكاتب والسياسي التونسي عبد الرؤوف العيادي مسار الثورة التونسية بنفس نقدي ينم عن شعور بالمرارة إزاء الفشل الذريع لأهداف مرحلة مفصلية في تاريخ تونس الحديث.

ويعبر الكتاب الذي صدر في طبعته الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2018، عن رؤية الكاتب، عبر أسلوب سردي لا يخلو من التحليل والتقويم، مسار الثورة منذ اندلاع أولى شراراتها في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 وحتى الآن.

غير أن المؤلف لا ينفك يضمن قراءته نفسا نقديا لاذعا وإحساسا يأخذ من التشاؤم شيئا ومن الخيبة أشياء ليخلص إلى التعبير عما وصفه بـ "الثورة المغدورة" التي تعرضت لغدر السياسيين حتى وصل بها الحال للارتماء في أحضان المنظومة القديمة بعد أن سلبتها الحكومات المتعاقبة تلك الجذوة المتوهجة من الحماسة والرغبة في التأسيس لتيار مدني وثوري جديد.

‪الكاتب والسياسي التونسي عبد الرؤوف العيادي‬  الكاتب والسياسي التونسي عبد الرؤوف العيادي (الجزيرة)
‪الكاتب والسياسي التونسي عبد الرؤوف العيادي‬  الكاتب والسياسي التونسي عبد الرؤوف العيادي (الجزيرة)

انقلاب ناعم
يقع "الثورة وعنفوان الفكرة" في 158 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم خمسة فصول شخّص الكاتب من خلالها علل الثورة التونسية وما اعتبره مراحل الانقلاب الناعم عليها.

كما خصص العيادي فصلا إضافيا للملاحق والوثائق الرسمية وصورا ومخطوطات ورسائل سرية تنشر لأول مرة كان تلقاها من وزراء المخلوع بن علي.

يقول للجزيرة نت "الغاية من تأليف الكتاب هي الكشف عن الأيادي الخفية التي خططت ونفذت في الداخل والخارج عملية الاستيلاء على الاستحقاق الثوري في تونس وتقديم رؤية موضوعية لاسترجاع مكاسب هذه الثورة وتصحيح مسارها وإعادة تحصينها ضد قوى المنظومة البائدة" التي حكمت تونس حتى 14 يناير/كانون الثاني 2011.

ويبدو الكاتب بمؤلفه في صورة من يعزي نفسه بانحراف ثورة تونس عن مسارها، ويظهر ذلك حتى من خلال تصديره الكتاب بقوله "الثورة غدت رهينة أعدائها وضحية انتهازية المستفيدين منها خاصة بعد عودة منظومة الثورة المضادة عبر صناديق الاقتراع أواخر سنة 2014 ضمن مسار انقلابي مدبر تم إخراجه تحت عنوان (التداول السلمي) على السلطة وأفضى إلى عقد توافق بين حزبي النهضة ونداء تونس برعاية خارجية فرنسية أساسا".

غير أنه يسلّط دائرة الضوء على الدور الخفي حينا والمعلن حينا آخر لكل من السعودية والإمارات في دعم المسار الانقلابي للثورة والمساهمة في انطفاء شعلتها وانحراف أهدافها السامية.

ويقول العيادي للجزيرة نت "لعبت السعودية والإمارات دورا فاعلا في عودة المنظومة السابقة وتسللها إلى الساحة السياسية والتفافها على أهداف الثورة عبر التمويلات الضخمة التي قدمتها خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية أواخر 2014 مما ساهم بوضوح في عودة رموز حزب التجمع المنحل إلى المشهد السياسي واستئثارهم بالحكم بعد توافق منظم مع حركة النهضة وبسبب الثغرات الكثيرة للأحزاب الحاكمة في ذلك الوقت".

‪الثورة أصبحت رهينة أعدائها وفق كتاب العيادي‬ الثورة أصبحت رهينة أعدائها وفق كتاب العيادي (رويترز)
‪الثورة أصبحت رهينة أعدائها وفق كتاب العيادي‬ الثورة أصبحت رهينة أعدائها وفق كتاب العيادي (رويترز)

الثورة رهينة أعدائها
يقول العيادي في الفصل الأول إن محاولات إجهاض الثورة جاءت بداية في شكل تشكيك في توصيفها، إذ ذهب البعض إلى اعتبارها مجرد انتفاضة، ولكنها كانت "ثورة شعبية أفضت إلى سقوط شرعية النظام الدكتاتوري المنهار وطنيا وعربيا".

ويستدل على ذلك برسالتين الأولى من البشير التكاري وزير العدل بحكومة بن علي السابقة يعترف فيها بانعتاق تونس من حكم الدكتاتور، والثانية من عبد الله القلال وزير الداخلية بالحكومة ذاتها وتضمنت إقرارا بانتصار إرادة الشعب.

أما الفصل الثاني فقد استعرض فيه المؤلف منعرجات المسار الانقلابي على الشرعية وحلقاته، وانتقد فيه الدور الذي لعبته حركة النهضة الحاكمة بإذعانها التام لشروط رواد المنظومة السابقة من أجل عودتهم إلى الواجهة.

وطرح الكاتب مقارنة بين ما حدث في تونس ومصر في فترة زمنية واحدة، وخلص إلى أن إجهاض "جنين الثورة" ولما يكتمل تكوّنه كان مخططا له من قبل قوى خارجية، وهي الأطراف ذاتها بما أن الأحداث تشابهت خلال يوليو/ تموز 2013 وأفضت إلى انقلاب ناعم في تونس وانقلاب عسكري في مصر على حد وصفه.

ويطرح في الفصل الخامس والأخير رؤيته الخاصة لاستئناف المسار الثوري، ويقول للجزيرة نت "مرت الثورة بمنعرجات خطيرة وانحرفت عن طريقها ولكن "الثورة وعنفوان الفكرة" يطرح في جملة فصوله رؤية تقويمية ومحاولة لتقديم مقاربة فكرية وسياسية تكفل للثورة استرجاع عنفوانها".

العيادي سياسي ولد في فبراير/شباط 1950 وهو رئيس حزب حركة وفاء، وقد عرف بنضاله سنين طويلة ضد نظام الاستبداد خلال فترتي حكم بن علي وبورقيبة حيث سجن عديد المرات كما تعرض للمضايقات الأمنية والسياسية.

وكان فاعلا في ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، إذ شارك في تحركات المحامين للمطالبة بإسقاط نظام الفساد وحتى رحيل بن علي، واعتقل من قبل البوليس السياسي يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 2010 قبل إطلاق سراحه إبان سقوط نظام بن علي.

المصدر : الجزيرة