الصحافة الثقافية بالمغرب.. جمع الشمل لاستعادة وهج مفقود
نزار الفراوي-الرباط
جاء تأسيس هذه الرابطة وفقا لإرادة جماعية وإحساس عارم بالخلل، يقول رئيسها محمد جليد، إن "الصفحات الثقافية أول ما يضحى به عند حلول مادة إعلانية أو نزول ملف طارئ"، بل أضحت تواجه تهمة عدم المساهمة في ارتفاع المبيعات، "دون حجج معقولة أو دراسات ميدانية"، على حد قوله.
هي إذن خطوة ضد "سيادة الضحالة وانحطاط الذائقة في ظل اجتياح برامج ومواد إعلامية دون عمق فكري، موغلة في الانحطاط الأخلاقي والجمالي، تسهم فيها جهات عن قصد، وأخرى دون وعي بخطورة التحولات الجارية التي تدفع بالسطحي والفضائحي إلى الواجهة".
ومتحدثا باسم جمع من المؤمنين بالقدرة على استمرار الرسالة الإعلامية ذات المضمون الثقافي، يؤكد محمد جليد أن الأزمة ليست قدرية وأنه من صميم الواجب المهني والأخلاقي الدفاع عن مكانة الثقافة في الإعلام وسيطا أمثل للتعريف بالإبداع الثقافي والفني، انطلاقا من مركزية الفعل الثقافي في كل مشروع تنموي.
وفي نفوس الحاضرين، بدا بعيدا ذلك الزمن الذي كانت الثقافة تكاد تتحول في التلفزيون إلى مادة جماهيرية من خلال برامج تحقق نسب مشاهدة عالية، تستقطب مشاهدين في أوقات ذروة، بينما كان العمق الثقافي طابعا عاما لا يقتصر على البرامج الثقافية الصرفة في الإذاعة المغربية.
أما في الإعلام المكتوب، فقد نشأت أجيال كاملة من عشاق الأدب وممتهنيه، وتشكلت ذائقة عامة من ثقل المضمون الثقافي للصحف الكبرى، ولو أنها كانت في الغالب ناطقة باسم تيارات حزبية.
نضال وثقافة
وكان لافتا أن الفيلسوف المغربي محمد سبيلا -الذي كرمته هذه الفعالية ضمن النخبة الإعلامية والثقافية- استحضر الدور التنويري العميق الذي اضطلعت به الصحافة المغربية في الماضي، منوها بتجربة الملاحق الثقافية التي كانت تضرب مواعيد معلومة مع القراء، وتنخرط في سباق محموم على استقطاب ألمع المفكرين والأدباء، وتغطية أهم الفعاليات والمستجدات الثقافية والفنية، محليا ودوليا.
وكانت هذه الملاحق والصفحات الثقافية واجهة للتعبير عن أهم التيارات الفكرية داخل المحفل الثقافي المغربي والعربي، من خلال مساهمات مباشرة أو حوارات تستقطب أسماء من قبيل محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وطه عبد الرحمن، كما كانت الأعمدة الأكثر شهرة من توقيع نخبة من كبار كُتاب وشعراء المغرب ممن يجمعون بين النشاط النضالي والثقافي في آن.
كانت الرابطة قد رأت النور في اجتماع تأسيسي عام بالدار البيضاء، خلال أبريل/نيسان الماضي، مسطرة في بيانها جملة من الأهداف التي تشمل "الترافع (الدفاع) عن مكانة الثقافة في الممارسة الإعلامية وتوسيع حيزها في الإعلام العمومي والخاص، والمساهمة في تطوير شروط ممارسة الصحافة الثقافية، ومساعدة الصحفي الثقافي على أداء مهامه كلها في أحسن الأحوال".