الصحافة الثقافية بالمغرب.. جمع الشمل لاستعادة وهج مفقود

إحدة مكرمات الصحافة الثقافية بالمغرب
الإعلامية أسمهان عمور من أبرز مكرمات الصحافة الثقافية بالمغرب (الجزيرة)

نزار الفراوي-الرباط

 
بين حنين إلى العصر الذهبي لصحافة ثقافية كانت تقود دورا تنويريا طليعيا في المشهد المغربي العام، ورغبة في تجاوز واقع الضحالة والسطحية الذي دفع بالمادة الثقافية والفنية الجادة إلى الهامش، تشكلت عناوين افتتاح الموسم الأول للرابطة المغربية للصحافة الثقافية التي رأت النور أخيرا، في مسعى لجمع شتات فئة متميزة من محترفي الإعلام، ورفع أصواتهم المعزولة.
 
وتجسيدا لهذه الإرادة في ربط الماضي بالحاضر واستعادة الوهج المفقود لإعلام ثقافي ظل حتى أواخر القرن الماضي متنفسا حقيقيا للحركة الإبداعية -الأدبية والفكرية والفنية- ووسيطها الضروري لدى الجمهور المغربي، دشنت الرابطة نشاطها بتقليد يراد له أن يكون سنويا، تلتئم فيه الساحة الإعلامية والثقافية حول تكريم رواد الصحافة الثقافية بمختلف منابرها المكتوبة والمسموعة والمرئية.
 
فمن خلال وجوه طبعت ذاكرة جمهور المشاهدين والقراء، احتفى ضيوف المكتبة الوطنية بالرباط، الجمعة، بممارسة صحفية فتحت أمام أجيال من المغاربة قنوات التواصل مع مختلف فنون الإبداع المغربي والعربي والعالمي، بوسائل عمل محدودة لكن بشغف مهني لا ينضب وإحساس سام بالواجب.
 
ضد الضحالة
جاء تأسيس هذه الرابطة وفقا لإرادة جماعية وإحساس عارم بالخلل، يقول رئيسها محمد جليد، إن "الصفحات الثقافية أول ما يضحى به عند حلول مادة إعلانية أو نزول ملف طارئ"، بل أضحت تواجه تهمة عدم المساهمة في ارتفاع المبيعات، "دون حجج معقولة أو دراسات ميدانية"، على حد قوله.
‪نخبة من المثقفين والإعلاميين الذين حضروا افتتاح الموسم الأول للرابطة المغربية للصحافة الثقافية‬ (الجزيرة)
‪نخبة من المثقفين والإعلاميين الذين حضروا افتتاح الموسم الأول للرابطة المغربية للصحافة الثقافية‬ (الجزيرة)

هي إذن خطوة ضد "سيادة الضحالة وانحطاط الذائقة في ظل اجتياح برامج ومواد إعلامية دون عمق فكري، موغلة في الانحطاط الأخلاقي والجمالي، تسهم فيها جهات عن قصد، وأخرى دون وعي بخطورة التحولات الجارية التي تدفع بالسطحي والفضائحي إلى الواجهة".

ومتحدثا باسم جمع من المؤمنين بالقدرة على استمرار الرسالة الإعلامية ذات المضمون الثقافي، يؤكد محمد جليد أن الأزمة ليست قدرية وأنه من صميم الواجب المهني والأخلاقي الدفاع عن مكانة الثقافة في الإعلام وسيطا أمثل للتعريف بالإبداع الثقافي والفني، انطلاقا من مركزية الفعل الثقافي في كل مشروع تنموي.

وفي نفوس الحاضرين، بدا بعيدا ذلك الزمن الذي كانت الثقافة تكاد تتحول في التلفزيون إلى مادة جماهيرية من خلال برامج تحقق نسب مشاهدة عالية، تستقطب مشاهدين في أوقات ذروة، بينما كان العمق الثقافي طابعا عاما لا يقتصر على البرامج الثقافية الصرفة في الإذاعة المغربية.

أما في الإعلام المكتوب، فقد نشأت أجيال كاملة من عشاق الأدب وممتهنيه، وتشكلت ذائقة عامة من ثقل المضمون الثقافي للصحف الكبرى، ولو أنها كانت في الغالب ناطقة باسم تيارات حزبية.

 

‪محمد سبيلا استحضر الدور التنويري الذي لعبته الصحافة المغربية في الماضي‬ (الجزيرة)
‪محمد سبيلا استحضر الدور التنويري الذي لعبته الصحافة المغربية في الماضي‬ (الجزيرة)

نضال وثقافة
وكان لافتا أن الفيلسوف المغربي محمد سبيلا -الذي كرمته هذه الفعالية ضمن النخبة الإعلامية والثقافية- استحضر الدور التنويري العميق الذي اضطلعت به الصحافة المغربية في الماضي، منوها بتجربة الملاحق الثقافية التي كانت تضرب مواعيد معلومة مع القراء، وتنخرط في سباق محموم على استقطاب ألمع المفكرين والأدباء، وتغطية أهم الفعاليات والمستجدات الثقافية والفنية، محليا ودوليا.

وكانت هذه الملاحق والصفحات الثقافية واجهة للتعبير عن أهم التيارات الفكرية داخل المحفل الثقافي المغربي والعربي، من خلال مساهمات مباشرة أو حوارات تستقطب أسماء من قبيل محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وطه عبد الرحمن، كما كانت الأعمدة الأكثر شهرة من توقيع نخبة من كبار كُتاب وشعراء المغرب ممن يجمعون بين النشاط النضالي والثقافي في آن.

كانت الرابطة قد رأت النور في اجتماع تأسيسي عام بالدار البيضاء، خلال أبريل/نيسان الماضي، مسطرة في بيانها جملة من الأهداف التي تشمل "الترافع (الدفاع) عن مكانة الثقافة في الممارسة الإعلامية وتوسيع حيزها في الإعلام العمومي والخاص، والمساهمة في تطوير شروط ممارسة الصحافة الثقافية، ومساعدة الصحفي الثقافي على أداء مهامه كلها في أحسن الأحوال".

المصدر : الجزيرة