سوق الكلام بتونس.. مبادرة أدبية للاحتفاء بالكلمة والنصوص الشعرية

في كل موعد يتولى البرّاح افتتاح السوق ويمرر الدور إلى أمين السوق_
زينب وفريقها يجوبون محافظات تونس كل شهر لتنظيم سوق الكلام (الجزيرة)

منيرة حجلاوي-تونس

في زاوية من زوايا أحد المقاهي الثقافية في مدينة حامة قابس بأقصى الجنوب التونسي، وقف البراح (المنادي) أمام الحاضرين معلنا افتتاح تظاهرة "سوق الكلام" الثقافية، مرددا "يا كاتب الحروف حتى وإن لم تكن معروفا، اليوم في السوق عندك ما تذوق". 

وبعد ذلك، مرر البراح المشعلَ إلى أمين السوق الذي يتولى توزيع الكلمة على المشاركين من هواة كتابة النصوص الأدبية من شعر وقصص قصيرة لعرض بضاعتهم على مسامع الجمهور الذي بدوره يعبر عن قبوله للبضاعة ورضاه عنها من عدمه عبر التصفيق.

سوق الكلام
ولدت فكرة "سوق الكلام" في يونيو/حزيران 2018 لصاحبتها الشاعرة والصحفية التونسية زينب هداجي التي عشقت الكلمة منذ نعومة أظفارها رغبة منها في دعم المواهب الشابة في الشعر والأدب بخلق فضاء وفسح المجال لهم للتعريف بإنتاجاتهم والتواصل المباشر مع المتلقي. 

تقود زينب مجموعة من الشباب الحالم المؤمن بمبادرتها الثقافية فيضربون موعدا شهريا في مختلف محافظات البلاد مع مبدعيها المغمورين ينظمون سوق الكلام في المقاهي والمكتبات ودور الثقافة على غرار محافظات صفاقس والمهدية وجندوبة وتونس وقابس مسقط رأس الشاعرة الشابة. 

استمدت الشاعرة مبادرتها من سوق عكاظ أشهر سوق للشعر في مرحلة ما قبل الإسلام بهدف إعلاء قيمة الشعر والشعراء ودعم الإبداع في الحاضر كما كان قديما، فتعمدت اختيار اسم "سوق الكلام" لاستفزاز الجمهور ووسائل الإعلام وشد انتباههم، بحسب قولها للجزيرة نت. 

زينب استمدت مبادرتها من سوق عكاظ أشهر سوق للشعر عند العرب القدماء (الجزيرة)
زينب استمدت مبادرتها من سوق عكاظ أشهر سوق للشعر عند العرب القدماء (الجزيرة)

زينب والكتابة
توطدت علاقة زينب (27 عاما) -الحاصلة على الإجازة في القانون العام وماجستير في الصحافة متعددة المنصات- بالمجال الثقافي منذ طفولتها المبكرة من خلال مشاركاتها في نوادي المدارس الثقافية وكانت للمسرح مكانة خاصة في قلبها فكتبت مسرحيات للأطفال ولعبت فيها أدوارا.

وببلوغها سن العاشرة، وجدت نفسها منقادة لا شعوريا إلى كتابة الشعر التي كانت كما تؤكد "حلا وملجأ بالنسبة لي عندما لا أجد من يفهمني وعندما أقع في مأزق".

وبدأت زينب رحلتها مع الكتابة منذ سن السادسة عشرة، حيث كتبت القصص القصيرة وقصائد النثر وشاركت في ملتقيات وطنية وعربية توجت بحصولها على جوائز على غرار حصول نصها "غريب في بيتي" سنة 2017 على جائزة مجلة العربي وإذاعة مونت كارلو الدولية وتم تسجيله وبثه في الإذاعة المذكورة.

كما حازت سنة 2015 على الجائزة الأولى في ملتقى خنيفرة الأدبي في المغرب وأصدرت لها الجهة المانحة للجائزة مجموعتها القصصية الأولى "متران ونصف".

‪مواقع التواصل الاجتماعي فتحت المجال لإبراز الشعراء الشبان‬ (الجزيرة)
‪مواقع التواصل الاجتماعي فتحت المجال لإبراز الشعراء الشبان‬ (الجزيرة)

هواجس
تحمل الشاعرة الشابة عديد الهواجس في حياتها باعتبارها فتاة تونسية لا تعيش بمعزل عن واقعها ومجتمعها، فتكتب عن اليومي الهامشي البسيط وعن نفسها بوصفها امرأة وعن القطط وعن النازحين وعن الشباب المهمش وعن السجناء السياسيين وعن غربة ربة البيت، فهي "لا تؤمن بالكتابة المتعالية ولا بالنظر إلى المجتمع والعالم من برج عاجي".

صعوبات
ورغم مظاهر الإحباط التي تغزو محيطها الخارجي، فإن زينب وبابتسامتها الرقيقة المتفائلة تتحدى بعض العراقيل التي تواجهها على غرار الجمهور الذي لا يكون حاضرا بكثافة في مثل هذه النوعية من التظاهرات خاصة في مناطق معينة من البلاد، إضافة إلى العائق المادي الذي تتغلب عليه بمساعدة مجموعتها وعملهم فريقا متكاملا وموحدا.

لا تخفي زينب ما تشعر به من مرارة تجاه وضعية الشعراء الشباب في تونس الذين يعانون من هيمنة وسيطرة الجيل القديم من الأدباء والشعراء على الساحة الثقافية بالبلاد وخاصة في التظاهرات الرسمية، حسب تصريحها.

ولكن في المقابل، ترى أن هنالك عديد الأسماء الشعرية الشابة تقاوم وتخط تجربتها وحدها وتحقق نجاحا في ذلك من خلال مشاركاتها في ملتقيات ثقافية بالخارج وحصولها على جوائز وترجمة نصوصها خارج تونس.

‪مبادرة سوق الكلام مفتوحة لكل فئات المجتمع في تونس‬ (الجزيرة)
‪مبادرة سوق الكلام مفتوحة لكل فئات المجتمع في تونس‬ (الجزيرة)

مسؤولية
كما توضح أنه بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، استطاع المثقفون الشباب انتزاع مكانتهم التي يستحقونها واستطاعوا الخروج نوعا ما من الحصار الرمزي الذي يمارسه عليهم المثقفون من كبار السن وحتى من النقابات الأدبية التي لم تقدم لهم شيئا باعتبارهم أدباء شبانا، وفق تعبيرها.

تحمل زينب الشاعرة الشابة على عاتقها مسؤولية العمل على تجارب الكتابة باللغة العربية الفصحى وتدعو زملاءها من الشباب إلى مشاركتها هذه المسؤولية لتخليص اللغة العربية من الجمود الذي تعيشه وتخليصها من نطاق المحلية التي تغرق فيها حتى تكون لغة إنسانية تترجم وتنشر للعالم بأسره، حسبما ترى.

لا حدود لعشق زينب للكلمة، فبعد سوق الكلام والشعر والقصص القصيرة باللغة العربية تستعد حاليا لخوض تجربة جديدة في الكتابة بالدارجة التونسية للنصوص الغنائية. 

المصدر : الجزيرة