عندما تصبح كتابة الذات علاجا نفسيا

الخبز الحافي
"الخبز الحافي" للكاتب المغربي محمد شكري من أشهر كتب السيرة الذاتية في العالم العربي (الجزيرة)

في ورشات الكتابة الإبداعية، سواء في الفضاء الرقمي أو في الروايات أو المقالات، تبدو حاجة المرء لإعادة النظر في حياته دائما أمرا مهما، بل إنها تبدو للمحللين النفسيين نهجا قد تكون له آثار إيجابية.

وفي هذا السياق، قدم باسكال سنك في صحيفة لوفيغارو الفرنسية مادة تلقي الضوء على كتابة السيرة الذاتية وآثارها على الكاتب، وألحقت به الصحيفة مقابلة مع عالم النفس والكاتب فيليب غرمبير لمزيد من الإيضاح.

في بداية المقال، تساءل سنك عمن لديهم الرغبة في أن يكتبوا سيرهم الذاتية، مشيرا إلى أن إغراء الكتابة لاستعادة الخيط الناظم لحياة المرء وعن الناس الذين كانوا مهمين وقت لقائه بهم أمر لا يقاوم، كأنه عودة أبدية.

قرب من الواقع
واستشهد الكاتب على صحة رأيه بالعدد المتزايد من السير الذاتية على الإنترنت، ورأى أن الأمر يساعد على نشر التجربة الشخصية لقياس الجاذبية، متسائلا هل ذلك دليل على الفردية المظفرة؟ أم أنه بالأحرى إظهار الجانب المفيد إن لم يكن نوعا من العلاج.

وقال إن تجربة الكتابة عن الذات تكشف للمرء عن عقل لا يتوقف في العمل وتبقيه أقرب للواقع وقادرا على الانفصال والنقد الذاتي، مشيرا إلى أهمية التطرق لهذا النوع من الأبحاث التي تضخم الأنا، ولكنها في الوقت نفسه تبقيها مكانها.

‪
‪"البحث عن الزمن المفقود" للكاتب الفرنسي مارسيل بروست يعتبر من أشهر أعمال السيرة الذاتية في العالم‬ (الجزيرة)

وفي مقال الكاتب، تبدو كتابة المرء حياته أكثر من طريقة لفعل الخير نفسه، لأنه لوحظ في المدارس الفرنسية التي تقدم ورش عمل أسبوعية أن أحد الموضوعات التي تجذب أكبر عدد من المشاركات هي "الكتابة عن الذات".

ويقول الكاتب جيل سبهان وهو روائي ومشرف على ورشات كتابة السيرة الذاتية التي يقول إنها تجذب المزيد من المشاركين، غالبيتهم من النساء "إنهم لا يأتون بالضرورة للنشر وإنما لإنتاج نص حول أنفسهم".

ويقول سبهان إن بعض التنبيهات ضرورية لهذا الجمهور المتباين، إذ يكتفي البعض بعرض بطولاتهم ومغامراتهم، في حين يأتي آخرون لتقديم اعترافاتهم، والبعض الآخر يأتي للترويح عن النفس. ويضيف عليّ أن أجعلهم يفهمون أن المهم ليس القصة في حد ذاتها، بل الطريقة التي تكتب بها، فهي التي تؤثر في كل شيء.

البوح الذاتي
ويبدو لسهبان أن المجموعة لها تأثير خاص، لأن "قراءة الشخص ما كتبه عن نفسه أمام الآخرين يثير مشاعر حقيقية لدى البعض"، وهو أمر إيجابي لأنها قد تكون المرة الأولى التي يقول فيها الشخص بصدق ما لم يستطع أن يقوله من قبل، وهو بالتالي يخرج ما بقي من الجراح داخل الإنسان بعد الصدمة على سبيل المثال.

ووجدت إحدى المشاركات في تلك الورشات وهي محامية فوائد جمة في الكتابة عن الذات، فالكتابة تسمح، إضافة إلى نقاش الأفراح والأتراح، بالغوص في التفاصيل واستعادة ذكريات عميقة تساعد على تفسير أشياء كثيرة في حياتنا.

ويرى كاتب المقال أن الكتابة عن الذات تمنع المرء من الاحتفاظ بجراحه عندما يتعرض لصدمة، وهي أيضا تكشف للعديد من المشاركين عالما آخر بداخلهم، أو قصة مختلفة كانت مخبأة وراء تلك التي جاؤوا ليعرضوها.

يقول سبهان إن تخصيص وقت للحياة الشخصية من خلال العلاج وكذلك من خلال الكتابة يبدو منعشا لأن هذه بالنسبة للبعض أول مرة يشعرون فيها بأنهم "يعتنون بأنفسهم".

وينصح المحلل النفسي فيليب غريمبير من يلجؤون إليه للتحليل النفسي بالكتابة، مشبها الأمر بما يحدث عندما نروي ما رأيناه في الحلم، حيث إن قص الرؤيا يعطيها معنى ويفسرها ويدخلها إلى عالم الوعي.

ويقول غريمبير إن مرضاه يميلون إلى الكتابة عن ذواتهم، ربما لأنهم يعرفون أنه كاتب، بل إن البعض يذهب أصلا للتحليل لأنهم يعتقدون أنه سيؤدي إلى تحرير قدرتهم على الكتابة، وغالبا ما يكونون على حق، كما يقول.

المصدر : الصحافة الفرنسية