حدث في برلين.. رواية عن مآسي الشعوب وطغاة التاريخ

حدث في برلين للكاتب هشام الخشن

من وقائع عرفها العالم في ثلاثينيات القرن العشرين، ينطلق الروائي المصري هشام الخشن في سرد أحدث رواياته "حدث في برلين" التي تتناول مصائر الشعوب ومدى ارتباطها بأفكار وقرارات قادتها وزعمائها الذين يرى المؤلف أن التاريخ خلدهم رغم طغيانهم وتناسى ضحاياهم.

ويؤسس المؤلف لهذه الفكرة منذ السطور الأولى في المقدمة، حيث كتب "لو استرقنا السمع، سيأتينا من بعيد أنين ضحايا البشر عبر التاريخ، يشكون ظلم نظرائهم الذين استظلوا بوجوبية ما اقترفوه من بشاعات.. سيؤرقنا الأنين بعض الوقت، ثم سيخفت سريعا حين تحيل ذاكرتنا أولئك الضحايا لأرقام مسلسلة في مدونة الزمن".

تبدأ أحداث الرواية مساء التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1938، وهي الليلة المعروفة في ألمانيا باسم "ليلة الكريستال"، والتي بدأت فيها موجة عنف ضد اليهود تحت حكم أدولف هتلر.

في هذه الليلة تعرض صاحب متجر الرهونات اليهودي مائير وأسرته للاعتداء، لكن جارهم ضابط الشرطة الألماني شميدت دافع عن الأسرة، وهو التعاطف الذي أفقده عمله لاحقا.

ليليان وهيلدا ابنتا الجنرال شميدت هما بطلتا الرواية، إذ وقع الاختيار على ليليان للعمل سكرتيرة لدى أحد كبار الضباط بجهاز الأمن العام للرايخ، لكنها بعد هزيمة هتلر تتحول إلى العمل في بنك.

تستمر الأحداث وصولا إلى انقسام ألمانيا وإقامة جدار برلين في 1961، حينها تقرر الشقيقة الصغرى هيلدا الانتقال مع حبيبها عازف الساكسفون إلى ألمانيا الشرقية حيث ينتميان بأفكارهما.

ومن دون مجهود يستطيع القارئ أن يكتشف أن التي بقيت في ألمانيا الغربية طاردها الماضي وعملها السابق في الأمن العام رغم أن عملها كان مكتبيا ولم تقترف أي جرم، فتهجر بلدها وتسافر في رحلة شاقة عبر عدة دول، إلى أن تستقر في مصر حيث تعيش مأساة جديدة تنجب خلالها طفلة خارج إطار الزواج وتضطر إلى التخلي عنها.

أصوات خافتة
أما التي اختارت ألمانيا الشرقية فلم تكن أسعد حالا، إذ سلبها النظام زوجها وانتزع منها ابنتها الوحيدة، ثم ألقاها في دار رعاية أيتام لتنشأ وحيدة.

وبعد رحلة سرد تتجاوز النصف قرن، يجمع المؤلف بين ابنتي ليليان وهيلدا، إذ تركت لهما الشقيقتان إرثا ثمينا جلب لهما المشاكل وأعاد فتح ملفات الماضي الذي يأبى أن يموت.

الرواية الصادرة عن مكتبة الدار العربية للكتاب في 231 صفحة من القطع الصغير، هي السادسة لمؤلفها المهندس المدني هشام الخشن الذي أصدر أيضا مجموعتين قصصيتين في 2010 و2013.

ورغم أن الرواية تدور أغلب أحداثها في أوروبا إلا القليل منها في مصر، لا يشعر القارئ بأي حاجز نفسي أو مكاني بينه وبين شخوص العمل، إذ تعمّد المؤلف التركيز على الشق الإنساني والمآسي التي تعرض لها الأبطال أينما وجدوا.

وبقدر ما تلوح للقارئ من بين السطور ملامح تعاطف للمؤلف مع اليهود وما عانوه في معسكرات النازيين، تتجلى موهبته ومهارته في رسم صورة أكبر للتاريخ حتى يمكن قراءته بوضوح، فيتبين أن كلا الطرفين الألماني واليهودي كانا ضحية على حد سواء لزعماء قادوا العالم نحو الهلاك من أجل مجد شخصي، لكن "التاريخ صنيعة حكّائه" كما أورد المؤلف في بداية الرواية.

ويطرح الخشن في نهاية العمل تساؤلا على لسان إحدى الابنتين ليدعم فكرته التي بنى عليه الرواية، إذ تقول "هل تم تعويض البولنديين والسلافيين والغجر الذين قتلهم هتلر مع اليهود في أفرانه؟ هل سمع العالم صوت أنين هؤلاء مثلما سمع عن مأساة اليهود؟ هل تم تعويض الهنود الحمر في أميركا، أو الأرمن على ما تعرضوا إليه من مذابح على يد الأتراك؟ ولعلي أسألك هل اعترف الأتراك بما فعلوا في الأرمن؟".

وتابعت الرواية "لا أقلل بأي حال من فظاعة ما عانى منه اليهود تحت حكم الرايخ الثالث، ولكنني أشير لضحايا آخرين وبنفس الكثرة، لم تصل مأساتهم لمسامع العالم كغيرهم.. أو لنقل أن أصواتهم كانت خافتة، لم تؤثر بالدرجة الكافية في ضمائر البشر".

المصدر : رويترز