حياة متناهية الصغر بين يدي فنانة مصرية

فن المصغرات الحياة متناهية الصغر بين يدي فنانة مصرية
مجموعة من الأعمال الفنية المصغرة بأكاديمية "بازل" أسستها نورا الغزي (الأناضول)

في مساحة أقلها لا تتعدى خمسة سنتيمترات، ترسم فنانة مصرية لوحة جميلة من مواد متناهية الصغر، تحمل تفاصيل حياتية ربما لا يُصدَق وجودها في إطار مصغر، ومع إمعان النظر تتضح المزيد من التفاصيل، وتبدو الألوان أكثر روعة وجمالا.

إنه ابتكار "فن المصغرات" (فن التفاصيل الدقيقة في أقل مساحة) وفقا للفنانة نورا الغزّي الذي تمتلئ به جدران أكاديميتها الخاصة للفنون شرقي القاهرة.

وتزخر الأكاديمية بلوحات فنية صغيرة يحوط كل منها إطار خشبي، دون أن تتعدى اللوحة حجم كف اليد، وهي تعكس جمال الطبيعة، بخلاف مجسمات لعرائس وسيارات ودراجات نارية، وغيرها، نتجت جميعها عن إعادة تدوير مواد سبق الاستغناء عنها.

الفنانة المصرية تبدع في فن المصغرات 
الفنانة المصرية تبدع في فن المصغرات 

وفي إحدى الزوايا، توجد غرفة منزلية صغيرة الحجم، لكنها تحمل، بالرسم والألوان والنحت والتشكيل، مجسمات دقيقة عن حياة البشر تروي تاريخا، ومن بين تلك المجسمات مطبخ، تسميه الفنانة "مطبخ جدتي" وهو صورة طبق الأصل لشكل المطابخ في مصر قبل نحو خمسين عاما، دون أن يتخطى حجمه سنتيمترات قليلة، أو يفقد أية تفاصيل.

وتجاوره غرفة أخرى، مكتب حكومي مجسم بتفاصيل دقيقة، حتى أنها لم تخل من صورة للملك فاروق حاكم مصر (1936- 1952)، لا يتعدى طولها البوصتين، معلقة خلف مكتب صغير تتراص فوقه الأوراق.

غرفة مكتب حكومي مجسمة بتفاصيل دقيقة لا يتعدى طولها البوصتين
غرفة مكتب حكومي مجسمة بتفاصيل دقيقة لا يتعدى طولها البوصتين

الحاجة أساس الابتكار
قبل نحو 15عاما، أصيبت الغزّي بوعكة صحية اضطرتها إلى ملازمة المشفى لنحو ثلاثة أشهر، مما اضطرها إلى الابتعاد عن الرسم الذي تعشقه منذ الصغر، وكانت تشعر برغبة عارمة في الرسم من جديد. لكن المشفى لم يكن بالمكان المناسب لوجود أدواتها ولوحاتها الكبيرة التي اعتادت الرسم عليها، فطلبت من زوجها أن يحضر لها لوحات خشبية لا تزيد طولا عن خمسة سنتيمترات حتى تستطيع الرسم عليها بأقل إمكانيات دون لفت الأنظار.

فبدأت بالرسم عليها بنقش ما تراه من نافذة غرفتها وما يراه خيالها الواسع، لتخرج في النهاية لوحات فنية متناهية الصغر، لا تختلف تفاصيها سوى في الحجم عن اللوحات الكبيرة.

صورة طبق الأصل من مطابخ مصر قبل نحو خمسين عاما دون أن يتخطى حجمه سنتيمترات قليلة
صورة طبق الأصل من مطابخ مصر قبل نحو خمسين عاما دون أن يتخطى حجمه سنتيمترات قليلة

وتابعت "أحببت الفكرة من وقتها لما وجدته فيها من تحدٍ للفنان ومن جمال التفاصيل والدقة في لوحة صغيرة". وأضافت "أصبحت أهتم أكثر بفن المصغرات كفن للتفاصيل، وبدأت بإضافة أفكار جديدة إليه، كتنفيذ لوحات صغيرة تحمل فنونا وأدوات مختلفة، كأن تحمل اللوحة الفنية الواحدة فن التصوير والنحت والرسم مثلا".

وتؤمن الفنانة المصرية بأن "الفن متكامل كالحياة، كل فن يكمل الآخر، وكل فنان لديه مفضلاته في الحياة ولا يستطيع فنان واحد أن يتفوق في كل الفنون" لهذا السبب أقامت أكاديمية لتعليم الفنون، بالاستعانة بنحو ثلاثين فنانا، يتقن كل منهم فنا واحدا، وتأمل أن يصل عددهم إلى الألف، ليمنحوا المزيد للطلاب.

بازل
وتحمل أكاديميتها اسم "بازل" على غرار لعبة تحمل الاسم ذاته، وهي عبارة عن صورة مقسمة إلى قطع عديدة، وتُلعب بتجميع القطع ورصّها في أماكن مناسبة، لتكوّن صورة كاملة واضحة.

‪أطلقت نورا اسم بازل على أكاديميتها لتعليم الفنون‬ أطلقت نورا اسم بازل على أكاديميتها لتعليم الفنون (الأناضول)
‪أطلقت نورا اسم بازل على أكاديميتها لتعليم الفنون‬ أطلقت نورا اسم بازل على أكاديميتها لتعليم الفنون (الأناضول)

وتنتج الأكاديمية أعمالا فنية عديدة، لكن أغلبها من "المصغرات" المنحوتة منها والمرسومة والمُبتكرة بإعادة التدوير وغيرها. فمن الأخشاب والزجاج والمعادن والأوراق وحتى من زجاجات المياه الفارغة ومن مواد ربما غير مُتوقع استخدامها، تصنع "بازل" فنا ناطقا بمعاني الإبداع والجمال.

وتحرص الغزي على أن تكون الأكاديمية صرحا لتعليم كل الفئات العمرية، إذ تعتقد أن "تعليم الفن خير ما يشغل الوقت ويُرهف المشاعر ويعزز حواس التذوق ويجنّب العنف".

وحصدت جوائز تشجيعية عديدة في مجال الفنون، آخرها جائزة تركية غير حكومية عام 2015 في التصوير الفوتوغرافي الدرامي الذي ينقل إلى المتلقي عبر الصور حالة تحمل تأثيرا يلمس وجدانه، وكانت الجائزة دافعا أن تحترف الفن.

وعن اختلاف مشاعرها قبل وبعد تكريمها تقول "قبل الجائزة كنت أتصور أنني منافس ضعيف مقارنة بالفنانين الأجانب، إلا أن الفوز منحني ثقة كبيرة، وأكد لي الحكّام وقتها أن ما أفعله مميز ونادر ويستحق أن يعرف عنه العالم". 

المصدر : وكالة الأناضول