وثائقي يكشف معاناة الأسيرات الفلسطينيات

عاطف دغلس-نابلس

"بيده المثقلة بالسلاح، طرق السجان الإسرائيلي باب الزنزانة على سامية والأسيرات الفلسطينيات في سجن الدامون، قض ليلهن الموحش، ليخبرها بضرورة تحضير نفسها باكرا للتوجه للمحكمة، ورغم دهشتها لم تستبعد تنغيصات الاحتلال، فهي أنهت التحقيق وباتت تقضي حكما بالسجن 11 شهرا بعد اتهامها بتهريب جهاز خلوي خلال زيارتها لزوجها الأسير فهمي مشاهرة".

لم يكن ما تقدم مشهدا من الفيلم الوثائقي "سنلتقي" للأسيرة المقدسية المحررة سامية مشاهرة (33 عاما) فحسب، بل واقع الحال وتجربة مريرة عاشتها سامية داخل سجون الاحتلال وأسقطتها أرضا بفيلم سينمائي تروي فيه حكايتها والأسيرات الفلسطينيات اللواتي يعانين حرمانا في لقاء الأهل والزوج.

قضت سامية ليلتها تقلب كفيها شاردة الذهن والخوف ينتابها من زيادة في الحكم أو تهمة جديدة، تحاول رفيقاتها داخل الزنزانة طمأنتها ويربتن على كتفها والدموع تتقاطر ألما نتيجة البعد عن أطفالها وزوجها الذي يواجه ليس بعيدا عنها في زنزانة مشابهة حكما بالسجن المؤبد لعشرين مرة. 

أنين البوسطة
تفرغ الأسيرة من إعداد نفسها قبل أن يقتحم الجنود سجنها، يقتادونها للمحكمة وهي مقيدة بيديها وقدميها بسلاسل حديدية ومعصوبة العينين بقطعة قماش زادت في سواد المشهد وظلمته، لتنقل بعد ذلك في "البوسطة" (حافلة السجن).

وداخل البوسطة خُيِّل لها أنها وجدت ريح فهمي، فذرفت دموعها حزنا وشوقا، لكن ما لم تتوقعه هو أن فهمي لم يكن بعيدا عنها بل يجلس في ذات البوسطة ويسمع أنينها وتأوهاتها بفعل القيد.

‪عرض
‪عرض "سنلتقي" ومناقشته بالمنتدى التنويري الثقافي في نابلس‬ عرض "سنلتقي" ومناقشته بالمنتدى التنويري الثقافي في نابلس (الجزيرة)

وداخل البوسطة المصفحة بالحديد والمقسمة لزنازين صغيرة حيث يعزل كل أسير لوحده، يدور حديث بالصوت بين الزوجين الأسيرين، وسط غضب الجنود ورفضهم، وحالف الحظ سامية أكثر فرمقت زوجها في معبار (محطة) سجن الرملة وهو يترجل من البوسطة مكبلا بالأغلال.

للقاء زوجته، أعد فهمي خطة محكمة، وهنا تكمن عقدة الفيلم الممتد لنحو 15 دقيقة، إذ تحايل على الاحتلال بأن اخترع قصة الطلاق ليتسنى له ما أراد داخل قاعة المحكمة، أما أوراق الطلاق فبددتها ابتسامة الزوجين، ليكتشف الاحتلال الأمر ويسارع في فصلهما وطردهما خارج المحكمة.

عند هذه التفاصيل تدور رحى الفيلم الذي كانت سامية بطلته وأنتجته مؤسسة تنمية وإعلام المرأة (تام) وعرض في نسخته الأولى بالمنتدى التنويري الثقافي بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية بحضور أسيرات محررات وناشطين ومتضامنين فلسطينيين وأجانب.

واقع المعاناة
تقول سامية إن فيلمها تميز بفكرته وبتنفيذه بالكامل عبر أسيرات محررات، وتناوله قصصا واقعية تعانيها الأسيرات سيما زوجات الأسرى، بدءا بطريقة الاعتقال والنقل عبر البوسطة، ومرورا بالتحقيق والعرض على المحاكم وانتهاء بالأحكام القاسية وحرمانهن أبسط حقوقهن برؤية أزواجهن.

وتضيف سامية التي اعتبرت أول أسيرة مقدسية تنجب "بالنطف المهربة" أن الاحتلال لا يزال يمنعها زيارة زوجها منذ تحررها قبل 19 شهرا رغم عدم وجود ما يمنع قانونيا أو إنسانيا تلك الزيارة "والالتقاء به وجها لوجه".

والمعاناة ذاتها عاشتها صمود القني، وهي أسيرة محررة من نابلس أمضت نحو خمس سنوات بسجون الاحتلال، وتقول "لسبب أو دونه تواجه الأسيرة صنوفا من العذاب على يد السجَّانين وتعاقب بالحرمان من الزيارة".

للوراء قليلا عاد شريط "ذكريات المرار" كما تسميه صمود والأسيرات اللواتي شهدن الفيلم، واستذكرت كيف منعت زيارة والدتها لثلاث سنوات لادعاء الاحتلال بعدم وجود "صلة قرابة" بينهما.

وتقول صمود إن الاحتلال يمعن بمعاقبة الأسيرات وانتهاك كرامتهن، سواء عند الاعتقال أو خلال التحقيق بترهيب الأسيرات والتحرش بهن واقتحام غرفهن وتفتيشها بعنف، واستخدام البوسطة كوسيلة عذاب، حيث ينقلن بزي السجن وتقيد أرجلهن وأيديهن بالسلاسل ويُحشرن داخل حجرات من الحديد وإلى جانبهن جنودٌ مدججون بالسلاح والكلاب البوليسية "ليعشن رعبا وضغطا نفسيا لساعات طويلة" تضيف صمود.

‪عبير كيلاني: الفيلم تميز بفكرته والإبداع بإعداده على يد أسيرات محررات‬ عبير كيلاني: الفيلم تميز بفكرته والإبداع بإعداده على يد أسيرات محررات (الجزيرة)
‪عبير كيلاني: الفيلم تميز بفكرته والإبداع بإعداده على يد أسيرات محررات‬ عبير كيلاني: الفيلم تميز بفكرته والإبداع بإعداده على يد أسيرات محررات (الجزيرة)

"سنلتقي"
وسعيا منها للفت أنظار العالم لمعاناة أكثر من خمسين أسيرة، عمدت مؤسسة "تام" وعبر برنامج خاص حمل شعار "بدنا نحكي" للتفريغ من أوجاعهن نفسيا واجتماعيا ووضع أقدامهن عند أولى عتبات الانطلاق للعمل عبر مشاريع صغيرة.

وتقول عبير كيلاني من "تام" إن فيلم "سنلتقي" كان أحد سبعة أفلام أنتجتها المؤسسة ونفذتها أسيرات محررات تناولن فيها تجاربهن في السجن وخارجه بعد أن خضعن لتدريب مكثف في التصوير والمونتاج والإخراج.

وترى كيلاني في "سنلتقي" حكاية "أمل وحب" تعيشها الأسيرات ولها أثرها لديهن، لا سيما المتزوجات من أسرى اللواتي تتضاعف معاناتهن بالاعتقال ويجتمع "الغياب عن الأبناء والبيت والزوج".

هذا الغياب ترك أثره فعلا في نفس سامية التي بدت تصرفاتها "غريبة" كما يقول المحيطون بها دون أن تشعر بذلك، فالشعور تجمد حتى رؤية زوجها وأخذ هدية كان قد أحضرها لها عندما قرر "حيلة اللقاء" فصادرها السجانون بعد اكتشاف الأمر.

المصدر : الجزيرة