سبيلبرغ يعود للثمانينيات عبر الواقع الافتراضي

مشهد من فيلم ريدي بلاير وان
مشهد من فيلم ستيفن سبيلبرغ "ريدي بلاير وان" (الألمانية)
رغم بلوغه الـ71 من عمره، لم يفقد ستيفن سبيلبرغ الرغبة في عمل أفلام، أو أن تعكس الأفلام عالمه السحري، واثقا من قدرته على الإبهار مجددا وإثارة خيال الجمهور عبر آخر أعماله "جاهز أيها اللاعب الأول" (Ready Player One) الذي يعد بمثابة رحلة افتراضية إلى حقبة الثمانينيات، عندما كان عالمه الفنتازي يفرض قواعده السينمائية ويحتل الصدارة. 

يتضمن الفيلم العديد من الإشارات والإحالات إلى شخصيات وأجهزة ومعدات وأنماط من الموسيقى تعود إلى تلك الفترة.

كما أكد المخرج نفسه أثناء مشاركته في مهرجان "جنوب جنوب غربي" السينمائي الفني الذي يقام منتصف آذار/مارس من كل عام بمدينة أوستن في ولاية تكساس؛ أنه استعان بعناصر من سلسلة "حرب النجوم"، وذلك بعد شهور من المعارك مع شركة ديزني من أجل الحصول على تصريح بذلك، لكي يستخدمها في مشروعه السينمائي.

ويقدم سبيلبرغ في فيلمه الجديد معالجة سينمائية لرواية خيال علمي من تأليف الأديب الشهير إرنست كلاين، تدور أحداثها عام 2045، حيث نضبت مصادر الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري، مما تسبب في ارتفاع رهيب في أسعار المحروقات، ويبحث الجنس البشري عن مخرج لهذه الأزمة، ويبدو أن هذه الإمكانية ستكون متاحة عن طريق إحدى ألعاب الفيديو يطلق عليها "الواحة" (Oasis) مما يؤدي إلى إقبال الناس عليها بشكل كبير.

في النهاية، يحقق مبتكر اللعبة التي وفرت هذا الحال الاستثنائي أموالا طائلة، وهو شخص مهووس بحقبة الثمانينيات. واللعبة عبارة عن تحدّ يتعين خلاله اللاعب العثور على بيضة عيد الفصح لتصبح مفتاح وصوله إلى السيطرة على المنظومة البيئية الافتراضية، ومكافأة مالية ضخمة قيمتها نصف مليار دولار. 

خلال الفيلم، يتعين على اللاعبين اتباع خطى الشاب واد أوين واتس، ويجسد دوره على الشاشة تاي شيريدان (21 عاما)، أحد لاعبي عام 2045، الذي يفضل مثل بقية البشر ألعاب فيديو الواقع الافتراضي للواحة التي انتشرت في العالم الواقعي بشكل متزايد.

undefined

أحجية
في هذا المكان، توجد قطع خفية من أحجية يؤدي العثور عليها إلى الحصول على ثروة تبلغ نصف مليار دولار، والتحكم الكامل في لعبة الفيديو بأكملها.

وتستند مفاتيح اللغز إلى الثقافة الشعبية في الثمانينيات، ولعدة سنوات حاول ملايين البشر العثور عليها دون نجاح. تمكن واد من حل أول لغز للجائزة، ومن تلك اللحظة وجب عليه أن ينافس الآلاف من اللاعبين للحصول على الجائزة.

يشار إلى أن شيريدان ظهر منذ طفولته في أعمال مهمة مثل "شجرة الحياة" للمخرج الكبير تيرانس ماليك، والرجال إكس، وآخر يوم في الصحراء، والوحل، وغيرها، وهي تجارب أهلته مع صغر سنه لأن يلعب دور البطولة في فيلم من إخراج ستيفن سبيلبرغ.

ووقع على عاتقه عبء هذه المسؤولية خلال رحلة افتراضية مليئة بالمغامرات وإشارات ماضي عمرٍ يقترب من أربعين عاما، ولكن في عام 2045. لهذا يعتمد الفيلم على الكثير من المؤثرات البصرية، رغم أن المغامرة تتحول في النهاية إلى لعبة صراع من أجل البقاء على قيد الحياة.

مع استغراق واتس في لعبة الواحة، ينجح في التفوق على المنافسين الساعين للحصول على البيضة الذهبية، وهذا يجعله مستهدفا من قبل آلاف اللاعبين المتنافسين، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى تعرضه لتهديدات بالقتل، مما يمثل خطورة كبيرة على حياته.

ويضم فريق العمل أيضا كلا من أوليفيا كوك، وبن مندلسون، وت.ج. ميلر، وسيمون بيج، ومارك ريلانس، في عودة جديدة لمخرج "إي.تي" إلى المغامرة والتكنولوجيا المتطورة، من خلال منظور كارثي للعالم ينتمي إلى هذه النوعية من الأعمال "الأبوكاليبسية" التي تنذر بنهاية العالم وفناء البشرية.

undefined

النقاد والجمهور
يعتبر هذا العمل أول فيلم حركة يقدمه سبيلبرغ منذ "مغامرات تان تان" الذي استخدم فيه تقنية الرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد، ومع ذلك لم يكن مخرج "قائمة شندلر" غائبا عن الأنظار تماما، فقد كان حاضرا في النسخة الأخيرة من جوائز الأوسكار عبر فيلمه "ذي بوست" الذي نالت عنه الصهباء المخضرمة ميريل ستريب ترشيحا في فئة أفضل ممثلة دور أول، كما رشح الفيلم أيضا لفئة أفضل عمل، ونال جائزتها المكسيكي غييرمو ديل تورو عن "شايب أوف واتر".

يعتبر فيلم سبيلبرغ الجديد نموذجا آخر للأعمال الهجينة التي يقدمها ويحرص فيها على الحفاظ على سحر عالمه السينمائي الخاص طوال مشواره الفني، حيث تميز بقدرته الخاصة على الجمع بين عناصر السينما التجارية والمغامرة وموضوعات عميقة تمثل هواجس لديه أو أمورا شدت انتباهه للتفكير.

ويبرز من بين أعماله على هذا النحو "اللون القرمزي" من بطولة ويبي غولدبيرغ وأوبرا وينفري وداني غلوفر، و"مملكة الشمس"، و"قائمة شندلر"، و"حديقة الديناصورات" و"مغامرات إنديانا جونز"، إذ تتميز كلها بالجمع بين الدراما المؤثرة مع الحبكة التجارية والإثارة والتشويق لجذب جمهور من مختلف الأعمار.

ويذكّر الانخراط التام في العالم الرقمي بتجربة سبيلبرغ مع "الذكاء الاصطناعي"، ورغم الجهد التقني والقصة الإنسانية وراء الحبكة التجارية، فقد لاقى فشلا ذريعا سواء على مستوى الجمهور أو النقاد.

على العكس، لاقى الفيلم الجديد إشادة كبيرة من جانب النقاد حين عرض مؤخرا في تكساس، ومن ثم يتوقع أن يتجاوز سبيلبرغ الحظ العاثر الذي منيت به آخر أعماله "العملاق الرائع" الذي يجمع بين الرسوم المتحركة والأشخاص الطبيعيين، و"ذي بوست".

يعتمد الأمر أولا على رأي النقاد، ثم استجابة الجمهور الوفي الذي يشعر بحنين إلى حقبة الثمانينيات، ثم الأجيال الجديدة التي ينتظر أن تنضم شيئا فشيئا إلى المغامرة.

غير أن سبيلبرغ -على ما يبدو- لا يساوره أي قلق بهذا الخصوص، فهو مصمم على الاستمرار والمضي قدما، وبالفعل لديه مشاريع جديدة، منها طرح معالجة جديدة لقصة "الحي الغربي"، كما يخطط لطرح جزء خامس من مغامرات "إنديانا جونز" التي لعب بطولتها حتى الآن هاريسون فورد.

المصدر : الألمانية