تشكيليات يرسمن صورة مغايرة عن الفلوجة

لينا جاسم: واجهتني الكثير من العوائق في مجتمع "ذكوري"
لينا جاسم واجهت الكثير من العوائق في الفلوجة (الجزيرة)
الجزيرة نت-بغداد

ليس من المعتاد أن تسمع في بيئة تقليدية كمجتمع مدينة الفلوجة عن فنانة تشكيلية أو مسرحية أو شاعرة، لكن بضع فتيات قررن كسر هذا الطوق والدخول إلى عالم الفن التشكيلي، رغم ما واجهنه من صعوبات ومعوقات.

لينا جاسم واحدة منهن، فتاة في العشرين من عمرها أولعت بالرسم منذ طفولتها، وبدأت منذ ثلاثة أعوام تقريبا تطوير هوايتها وصقلها من خلال الممارسة والتمرينات اليومية، وبتشجيع من أسرتها.

ولا تخفي لينا حجم العوائق التي تواجهها في مجتمع "ذكوري"، فهي كثيرا ما تقابل بالانتقادات أثناء مشاركتها في الفعاليات والأنشطة الثقافية، لكنها تؤكد أنها استطاعت التغلب عليها بمرور الزمن، لأن "كل طريق للنجاح لا بد أن يكون مليئا بالعثرات والعقبات".

شاركت لينا في العديد من المهرجانات والمعارض داخل الفلوجة وخارجها، وكان لها حضور في الأنشطة التي أقامتها جامعة الأنبار، وأيضا في بغداد أثناء فترة النزوح أيام الحرب، وحصلت على العديد من الدروع والأوسمة فيها.

والرسم بالنسبة للتشكيلية الشابة ليس مجرد هواية، بل طريقة للتنفيس عن الغضب والمزاج السيئ أحيانا، وهو ما يظهر في لوحاتها الحزينة وغير المفعمة بالحياة، على حد تعبيرها.

لوحة للفنانة التشكيلية العراقية لينا جاسم (الجزيرة)
لوحة للفنانة التشكيلية العراقية لينا جاسم (الجزيرة)

وعرفت مدينة الفلوجة بكونها مركزا دينيا واجتماعيا محافظا، وكانت منذ نشأتها معقلا لمدارس وتيارات فكرية دينية مختلفة، لكن تغييرات كبيرة بدأت تطرأ على بنيتها الاجتماعية والسياسية في السنوات الأخيرة، كما يقول الكثيرون.

جيل جديد
وأسهمت فترة النزوح التي عاشها مئات الآلاف من أهالي الأنبار في بروز جيل أكثر انفتاحا وتفاعلا مع الساحة الثقافية في العراق، كما ظهرت فرق ومنظمات شبابية أخذت على عاتقها فكرة إحداث تغيير إيجابي في أوساط الشباب.

وتقول التشكيلية الشابة نور صباح (22 عاما) إنها بدأت الرسم في سن مبكرة، لكن بدايتها الفعلية كانت بعد دخولها الجامعة، حيث تلقت تشجيعا كبيرا من أسرتها وزملائها، وشاركت في العديد من المهرجانات ومعارض الرسم في الأنبار وبغداد.

وتضيف للجزيرة نت "كنت أشعر بالقلق والخوف في بداية الأمر من طريقة تقبل وتعاطي المجتمع المحلي معي، لأن ما أفعله كان جديدا وغير معتاد على الجو المحلي لمدينة الفلوجة، لكن الجميع شجعوني وكانوا فخورين بتميز بنت مدينتهم".

‪الفنانة التشكيلية نور صباح أثناء تكريمها في أحد المهرجانات الثقافية‬ (الجزيرة)
‪الفنانة التشكيلية نور صباح أثناء تكريمها في أحد المهرجانات الثقافية‬ (الجزيرة)

وتسعى نور إلى تشجيع الفتيات على تحقيق أحلامهن وأهدافهن كما تقول، وأن يسعين لتطوير مواهبهن وطموحاتهن، وتؤكد أن الكثيرات بتن يحذين حذوها، لا سيما أن العديد من وسائل الإعلام استضافتها مع زميلاتها وسلطت الأضواء على تجاربهن.

وتقول نور إنها تحب الرسم في البيت بعيدا عن الضجيج، كما أن الأماكن العامة في مدينتها لا تتقبل حتى الآن فكرة أن تقف فتاة لترسم في حديقة أو مركز ثقافي، لذا تفضل ممارسة هوايتها في منزلها "على أنغام موسيقى هادئة".

مهمة توثيقية
ويرى الأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد خالد أحمد مصطفى أن محاولات هؤلاء الفتيات هي ردود فعل ومحاولة للقول إن الحياة مستمرة، وهي مهمة توثيقية لهذه المرحلة بكل أحداثها ومآسيها.

ويضيف أن الساحة الثقافية في العراق شهدت تراجعا و"نكبات" في السنوات الأخيرة، كان من بين ذلك إغلاق قسم النحت في معهد الفنون الجميلة بالبصرة، واختفاء العديد من الفرق الفنية والفلكلورية.

ووفقا لمصطفى، فإن هناك ردة فعل شعبية عامة تجاه محاولات "الأسلمة الكاذبة"، لكنه يردف قائلا "أتمنى أن تكون ظاهرة عامة وليست موجة طارئة سرعان ما تزول".

إحدى لوحات الفنانة التشكيلية العراقية نور صباح (الجزيرة)
إحدى لوحات الفنانة التشكيلية العراقية نور صباح (الجزيرة)

ويتحدث الأكاديمي عن محاولات لبث الروح في العديد من المؤسسات الثقافية في الفلوجة مؤخرا، من بينها المنتدى الثقافي، فالمدينة التي عاشت كوارث وعدة مآس صعبة في السنوات الأخيرة بدأت تلملم ذاتها وتداوي جراحها، على حد قوله.

ويعتبر مصطفى أن رائدات الثقافة العراقية في الماضي لم يواجهن مثل الظروف الحالية، فقد كان المجتمع أكثر انفتاحا و"نقاء"، أما اليوم فإن المجتمع يعاني من انتشار الجهل وغياب الوعي، عكس الأجيال السابقة التي تميزت بالوعي والثقافة الرفيعة.

ويختم حديثه للجزيرة نت بالقول إن المسار الذي يمضي فيه العراق اليوم لا يبشر بخير، وهو يحتاج إلى سنوات من البناء بمساعدة مؤسسات حكومية لا تقوم بدورها كما ينبغي، وتنخرها الرشوة والمحسوبية والعشائرية، على حد وصفه.

المصدر : الجزيرة