المكتبة الوطنية اللبنانية.. حلم شاعر يتحقق بعد 100 عام

ويتحدث بعض المؤرخين عن أن الرجل تكبد عناء السفر إلى أوروبا على نفقته الخاصة، وجمع آلاف الكتب من معاهد الأدب والمؤسّسات الثقافيّة والمجامع العلميّة لضمها إلى المكتبة، لكن الاحتفال الرسمي بتدشين المكتبة لم يحصل سوى بعد ثلاث سنوات عام 1922، حين نقلت المكتبة من منزل دي طرازي إلى مدرسة "الدياكونيس" وسط بيروت.
وحضر الاحتفال وقتها المندوب السامي الفرنسي الجنرال غورو؛ مما يوحي بالاهتمام الذي أولته السلطات لتأسيس المكتبة، بعد أن حوّلتها لمؤسسة رسمية عام 1921، وألحقتها بدائرة المعارف العامة، وبقي دي طرازي أمينًا عاماً للمكتبة حتّى عام 1939.
مع بدء الحرب اللبنانية، انتقلت المكتبة لمبنى البرلمان اللبناني لحماية موجوداتها من القصف والنهب، وبقيت هناك حتى اتخذت السلطات اللبنانية عام 1999 قرارا بنقلها إلى مبنى جديد، هو كلية الحقوق القديمة في منطقة الصنائع في الحمرا.
وفي عام 2003، وقعت وزارة الثقافة اتفاقيّة مع بعثة المفوضيّة الأوروبيّة لتلقي هبة أُطلق بموجبها العمل في مشروع إعادة تأهيل المكتبة الوطنيّة، ووضعت وقتها خطة عمل تهدف إلى إنقاذ محتويات المكتبة ومعالجتها، بعد نقلها في صناديق لمحترفات المكتبة بالسوق الحرّة في مرفأ بيروت.
وبموجب هذه الخطة التي استمرت ثلاث سنوات، تمت معالجة الوثائق وترميمها، بعد أن خضع عدد من أعضاء الفريق العامل لدورات تدريبيّة في لبنان والخارج، في مجالات التجليد والترميم، وفهرسة الدوريّات وتصنيفها، والمعلوماتيّة والتقنية، والإيداع القانوني، والبيبليوغرافية الوطنيّة، إضافة إلى تنمية المجموعات.
وفي عام 2006 انتهى المشروع، وتزامن الأمر مع تقديم أمير دولة قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثانيهبة إلى الدولة اللبنانيّة لبناء المكتبة الوطنيّة. وتم تطوير مبنى كلية الحقوق وتأهيله، وبناء إضافات عليه ليستوعب المخطوطات والكتب التي أصبح عددها اليوم ثلاثمئة ألف، ويعود بعضها إلى القرن 11 الميلادي.

ويعد مبنى كلية الحقوق في بيروت من أجمل المباني العثمانية في لبنان، وبدأ العمل فيه نهاية القرن 19 ليكون مدرسة للفنون والصنائع، ومستشفى سمي الحميدي، مثل المدرسة، تيمّنًا بالسلطان عبد الحميد الثاني، الذي أنجز هذا المشروع الضخم، واعتبر حينها الأكبر للتنمية الحضريّة في بيروت، وحين تأسست كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية اتخذت من المبنى مقراً لها، وبقيت فيه حتى عام 2006، حين تقرر نقل المكتبة الوطنية إليه.
وهكذا، أصبحت للبنان مكتبة وطنية حصلت بجهود لبنانية قطرية، واعتبرها السفير القطري في لبنان محمد حسن جابر الجابر بمثابة "إعادة إحياء بيت ذاكرة التاريخ اللبناني الفكري والعلمي"، والتي "هي انعكاس لتحقيق الذات القطرية على قاعدة الاستثمار في الإنسان لحفظ ثقافته، وتاريخه؛ فثقافتُنا تتحدث عنا، وتراثُنا هويتنا، وتاريخنا يحدد غدَنا".
أما الرئيس اللبناني ميشيل عون فقد شكر دولة قطر على جهودها في إعادة إنشاء المكتبة، وقال إنّه "مع كل مكتبة تؤسس، ومع كل جهد يبذل لإنقاذ كتاب وإحياء وثيقة ومسح الغبار عن مخطوطة؛ يكبر الأمل في انتصار النور على الظلامية، والحضارة على التخلف، والثقافة على الجهل، ونحن اليوم شهود على خطوة جبارة واثقة على طريق هذا الانتصار".