باريل.. زعيم مرتزقة استخدمته السعودية لضرب قطر

ما خفي أعظم" يستضيف زعيم مرتزقة فرنسياً يكشف عن خطة لغزو قطر بدعم من الإمارات والسعودية والبحري
باريل يتحدث لأول مرة عن خطة غزو قطر عام 1996 (الجزيرة)

عمران عبد الله-الجزيرة نت

يعيد برنامج "ما خفي أعظم" زعيم جماعات المرتزقة الفرنسي بول باريل إلى الأضواء، ليتحدث لأول مرة عن خطة غزو عسكري لقطر، أشرف على قيادتها مع فريق كبير من المرتزقة بدعم مباشر من الإمارات والسعودية والبحرين بعد فشل محاولة الانقلاب على نظام الحكم في فبراير/شباط 1996.

الحلقة التي تحمل عنوان "باريل.. كشف القناع" تأتيكم الليلة العاشرة مساء بتوقيت الدوحة.

من هو باريل؟
كان من أوائل من غيَّر فكرة أنه في زمن الجيوش النظامية لن يكون المجال مفتوحا أمام المرتزقة للعب أدوار كبيرة على مسرح الأحداث.

فقبل أن يسطع نجمه، كان الفرنسي المولود في 13 أبريل/نيسان 1946 يعتبر ثاني أهم ضابط بوحدة "غينيغ" للنخبة الفرنسية، قبل أن يشارك في إنشاء وحدة مكافحة الإرهاب بقصر الإليزيه خلال أول فترة رئاسية لفرانسوا ميتران (1981-1988). لكنه لم يكتف بموقعه الرسمي، فعمل قائد مرتزقة بعدة دول أفريقية وشرق أوسطية، حتى أن نفوذه وصل أميركا اللاتينية.

ومن خلال شركاته الأمنية الخاصة، قام باريل بدور كبيرٍ في الحرب الأهلية الرواندية التي أسفرت عن مقتل مليون شخص، إذ قام بعقد صفقات سلاح وتوريد مجموعات مرتزقة، ولم تتم محاكمته بخصوصها.

العتيبي والحرم
البداية كانت من السعودية، ففي أولى ساعات القرن الهجري الـ 15، وبالتحديد فجر 20 نوفمبر/شباط 1979، استفاق العالم الإسلامي على مشهد صادم بعد قرابة أسبوعين فقط من انتهاء موسم الحج.

وسُفكت الدماء في باحة المسجد الحرام بمكة المكرمة، حينما احتله عشراتُ المسلحين، على رأسهم جهيمان العتيبي ومحمد عبد الله القحطاني الذي ادَّعى أنه "المهدي المنتظر".

باريل عندما كان شابا (الجزيرة)
باريل عندما كان شابا (الجزيرة)

المسلحون -الذين أتوا من 12 دولة مختلفة- قاموا بتهريب الأسلحة إلى داخل الحرم، وأغلقوا أبوابه وتحصَّنوا داخله، واحتجزوا عشرات الآلاف من المصلين.

وعبر مآذن الحرم، ألقى العتيبي خطبةً بثتها الإذاعات العربية والعالمية، تضمنت اتهامات للأسرة الحاكمة، وانتقادات للمجتمع، داعياً أهل مكة والقوات الحكومية التي تحاصر الحرم إلى "التوبة والانضمام إليهم ومبايعة المهدي".

وتمكنت السلطات السعودية -بعد إحكام الحصار على الحرم- من استصدار فتوى من هيئة كبار العلماء لاستخدام القوة ضد حركة العتيبي وأتباعه، وإعادة فتح الحرم أمام المصلين والمعتمرين.

وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 1979، بدأ الهجوم على المسلحين المتحصنين داخل الحرم، وتم تحرير الرهائن وقتْل العشرات من الطرفين، وأُعدم الباقون، وبينهم العتيبي.

ولم تكن القوات السعودية وحدها في مواجهة المسلحين، فقد طلبت مساعدة السلطات الفرنسية التي أرسلت ثلاثة ضباط من نخبة القوات الخاصة التابعة للدرك الفرنسي (غينيغ) بقيادة النقيب باريل، على متن طائرة صغيرة، وبحوزتهم كميات كبيرة من الغاز وأقنعة واقية منه، إضافة لسترات واقية من الرصاص.

ونزل الفرنسيون بفندق في الطائف بسرية تامة، وقاموا بتدريب القوات السعودية على استعمال الغاز وحماية أنفسهم، وطلبت باريس من أعضاء الفريق الفرنسي كبح جماح قائدهم المتحمس باريل.

لكن، بإشراف النقيب الفرنسي، قامت القوات المحاصرة للحرم بإلقاء قنابل يدوية لعمل حُفَر لضخ الغاز من خلالها، وكان للغاز الخانق دور في حسم المعركة واستسلام المسلحين، خاصةً مع نفاد ذخيرتهم وقلة الطعام.

وبعد نجاح العملية، عاد ضباط "غينيغ" إلى فرنسا مع هدايا ذهبية ثمينة من السلطات السعودية، ووصل عدد القتلى بين الطرفين إلى 170 على الأقل، وتسببت المواجهات في دمار كبير للحرم.

ويزعم باريل أنه "اعتقل 115 شخصاً من الحرم، وشارك في إجبار 61 مسلحاً على الاستسلام، وتحييد 17 مسلحاً دون استخدام الأسلحة، وإطلاق سراح أكثر من 450 رهينة".

إرهاب مزيف
وأثارت قضية "الإيرلنديين من فينسين" فضيحة سياسية كبرى في فرنسا خلال عهد ميتران. ففي أعقاب هجوم "إرهابي" عام 1982 بباريس، ألقت الوحدة السرية لمكافحة الإرهاب -التي ساهم باريل في إنشائها- القبض على ثلاثة مواطنين إيرلنديين في فينسين (إحدى ضواحي شرق باريس) بزعم ارتباطهم بجيش التحرير الإيرلندي وحيازة أسلحة ومتفجرات.

وأعلنت السلطات وقتها -بفخر- انتصارا ضد "الإرهاب الدولي" لكن سرعان ما برَّأ القضاء الموقوفين، وتم الكشف عن أن الأسلحة والأدلة المستخدمة ضدهم قد زُرعت من قبل ضباط فرنسيين كذبوا على المحكمة بدعم من السلطات التنفيذية.

ويوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 1985، نشرت صحيفة "لوموند" مقالا يدّعي أن باريل هو من قام بتلفيق أدلة قضية الإيرلنديين المزيفة، وأضاف أنه وضع المواد المتفجرة والمسدسات بشقة الإيرلنديين الثلاثة، لكنّ باريل نفى التهمة ورفع دعوى تشهير ضد الصحيفة الفرنسية المرموقة.

قتل أكثر من مليون رواندي خلال مئة يوم  
قتل أكثر من مليون رواندي خلال مئة يوم  

لاحقاً، خسر باريل دعواه ضد لوموند، ووجدت المحكمة أن الادعاءات التي نشرتها الصحيفة صحيحة أو لها أساس، ثم أوقفت الإجراءات القضائية ضد باريل، وأُغلق الملف.

وبعد هذه القضية، أنشأ باريل شركة "إبسون" بباريس. وإلى جانبها أسس شركة أمنية سماها "سيكريت" ومن مهامها تقديم الخدمات الأمنية بالخارج.

وارتبط اسم باريل أيضاً بفضيحة التنصت على القصر الرئاسي، ورغم أن الشائعات تشير إلى أنه تمت إدانة باريل، فإن سجله بالشرطة كان نظيفاً ولا يُظهر أي إدانة.

واتُّهم باريل بباريس أيضاً نهاية 2007، بغسل الأموال ضمن قضية "ألعاب كونكورد" وسُجن شهرين ثم أُفرج عنه.

مقتل مليون شخص
وعمل باريل -الذي تدخل بالكاميرون وساحل العاج عام 1988- مستشاراً لرئيس رواندا، ووقَّع عقداً لبيع الأسلحة النارية والقنابل اليدوية بأكثر من ثلاثة ملايين دولار، ولكن تدخلا حكومياً منع إتمام ثلثي الصفقة، حسب منظمة المحاكمة الدولية بجنيف التي تتابع ملف باريل برواندا.

عام 1994، عقب اندلاع أعمال الإبادة الجماعية ضد التوتسي. توصلت شركة باريل المحدودة الخاصة إلى اتفاق مع الحكومة المؤقتة برواندا لتوفير المساعدة العسكرية، في وقت فرضت فيه الأمم المتحدة حظراً دولياً على البلاد خلال الحرب الأهلية.

وفي 6 أبريل/نيسان 1994، وقع هجوم قاتل ضد طائرة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا. واعتبر هذا الهجوم بمثابة الشرارة التي أدت إلى الإبادة الجماعية برواندا، ويحيط الكثير من الجدل بمشاركة باريل في هذه العملية، بغرض إشعال الحرب وبيع الأسلحة للمقاتلين الهوتو وإبادة التوتسي.

وفي 27 يونيو/حزيران 2013، اتخذ مكتب المدعي العام بباريس خطوات لفتح الإجراءات القانونية ضد باريل بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية برواندا.

وقدمت ثلاث منظمات حقوقية الشكوى التي تشكل الأساس لفتح تحقيقات قانونية، وتتناول الشكوى صراحةً عقد المساعدة العسكرية الذي وُقع عام 1994 بين شركة باريل الخاصة والحكومة الرواندية.

أوائل 2014، كان قاضي التحقيق بحوزته جميع الوثائق اللازمة لإجراءات الدعوى. وجاءت غالبية الأدلة من شعبة مكافحة الإرهاب التي كان موظفوها يعملون بشكل شبه حصري على الهجوم بالطائرة في 6 أبريل/نيسان 1994.

وتمت مقابلة باريل في أربع مناسبات، لكن شهادته حملت الكثير من التناقضات. ومع ذلك، فإن المحاكمة الفعلية نفسها لم تُفتح رسمياً.

من قتل ليتفينينكو؟
وفي حوار تلفزيوني غريب، ادعى باريل أنه يملك أدلة تثبت أن ألكسندر ليتفينينكو، الجاسوس الروسي الذي تُوفي بسبب تسمم البولونيوم، لم يقتل بأيدٍ روسية، وإنما بمؤامرة من أميركا وبريطانيا.

وقال باريل في تسجيل تلفزيوني نادر "روسيا ليس لها علاقة بمقتل ليتفينينكو، فالقضية ملفقة من البداية. وتم اختيار البولونيوم كسم لأنه ينتج في روسيا وسيكون دليلا يورط الروسي. وتابع أن الهدف من العملية برمتها تشويه سمعة الرئيس بوتين وجهاز استخباراته عقاباً لموسكو على وقوفها ضد المصالح الأميركية بالعالم، وخاصة سوريا".

وخلال المقابلة أيضاً، اعترف باريل بأنه "عمل مستشاراً لعدد من الرؤساء في أميركا اللاتينية وأفريقيا، ودول عربية".

هل لعب دوراً بالأزمة الخليجية؟
في تقرير لصحيفة ليبراسيون الفرنسية في يناير/كانون الثاني 1996، ذكر أن ضابطاً فرنسيا تدخَّل وشكَّل مجموعة من المرتزقة للانقلاب على أمير قطر في العام نفسه، وكانت هذه المجموعة بقيادة الكابتن باريل.

وقالت الصحيفة إن باريل أسس مقرا له بواحة العين في أبو ظبي، وسرت شائعات بأنه قام بتدريب 52 شخصا بالمنطقة الحدودية بين تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى لتغيير نظام الحكم بتلك الدولة الخليجية. ورغم استبعاد ليبراسيون حدوث "مغامرة عسكرية" لكنها اعتبرت أن مجموعة باريل يمكن أن تشكل أداة إزعاج أو عصا سعودية يمكن أن تُستخدم ضد الدوحة.

ليلة القبض على باريل
منتصف 2014، أنهى باريل اعتصاماً غامضاً بمنزله وسلّم نفسه للشرطة، ولم يكشف الكثير من التفاصيل عن طبيعة التفاوض الذي جرى مع القوة التي حاصرت منزله أثناء احتمائه بالسلاح داخله.

وقالت محاميته صوفي جونكيه -التي كانت حاضرة المكان، لوكالة الصحافة الفرنسية- إن موكلها مر بظروف صعبة، وكان يعاني مشكلات صحية، الأمر الذي تطلَّب استدعاء الطوارئ التي لاحظت وجود الأسلحة بالمنزل فاستدعت الشرطة، مما أربك الموقف دون أن تحدث إصابات.

وبعد هذه الحادثة، غاب باريل -البالغ 72 عاما والمصاب بسرطان الغدة الدرقية ومرض باركنسون- عن الساحة فترة طويلة ليخرج اليوم مع الزميل تامر المسحال في البرنامج ليكشف ما في جعبته عن خطة غزو قطر.

المصدر : الجزيرة