حصار الخرطوم المنسي.. بدء نهاية الاستعمار

غلاف كتاب حصار الخرطوم للفرنسي إيتيان باريليي

في رواية تاريخية جريئة صادرة حديثا باللغة الفرنسية، يروي الكاتب إتيان بارليه قصة الحصار المنسي للعاصمة السودانية الخرطوم، مستذكرا ذلك الصراع الدموي الذي مهد الطريق لإنهاء الاستعمار.

وفي عرض صحيفة لوموند الفرنسية لهذه القصة، تنطلق الرواية من عبور مذنب كرولز عام 1882 لسماء السودان، الذي يجعل منه المؤلف حدثا محوريا يثير أحلام بعض الشاعريين، ولكنه يشعل الثورة والرغبة في الغزو لدى آخرين.

ويحمل الكاتب في سرد قوي هذا المذنب جزءا من المسؤولية عن انطلاق الثورة المسلحة التي قادها الإمام المهدي، ذلك "الزاهد الذي يتصور أنه سيطهر العالم ويطرد المرتدين ويقضي على الرشوة ويحرق الكفار بنار الإيمان وحديد القانون الحق"، ويستعيد الأراضي التي احتلتها مصر أيام غزو محمد علي للسودان سنة 1821 وينقذ الخرطوم من غيابات الضلال.

وفي هذا السرد التاريخي، يستعرض الكاتب الصراع وجها لوجها بين بطليه، المهدي والجنرال غوردون (1833-1885)، الذي بعثه البريطانيون لإنقاذ حلفائهم المصريين والعديد من المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون هناك.
 
ولكن دخول هذا الجنرال الذي بنى شهرته في حروب المستعمرات، يبدو عبثيا بقدر ما هو انتصار في حد ذاته، لأن الخرطوم في هذه اللحظة قد أطبق عليها تماما.
 
ويحكي بارليه في سرد جميل قصة المواجهة بين بطلين تتقدمهما شهرتهما، وما رافق ذلك من حرب استنزاف قد تكون مجهولة، ولكن تأثيرها لم يقف عند حدود السودان، بل وصل إلى عمق أوروبا، لأن سقوط الخرطوم سنة 1885 كان إعلانا لبداية إنهاء الاحتلال.
 
وفي خلط متعمد بين التاريخ والخيال، يعرج الكاتب على شخصية عالم الآثار النمساوي كارل رياشارد لوبوشوتس الذي هلك في طريق اكتشاف حضارة مري، وشخصية من خياله تبدو معجبة بالجنرال غوردون بقدر إعجابها بالمهدوية.
 
وفي عرضها، ترى لوموند أنه ليس من الصعب في كل مرة تمييز الحقيقة من الخيال في قصة بارليه لأن هذا الكاتب يدقق في التفاصيل ولا يحب أن يخدع القارئ.
 
وأثناء العرض يوضح الكاتب أحيانا أن الأمر مجرد خيال، كما فعل بعد عرضه ما قال إنه آخر رسالة بعثها الجنرال غوردون تقول "الخرطوم، كل شيء على ما يرام".
 
وتنبه الصحيفة إلى أن في هذه القصة التاريخية أشياء تثير الدهشة من تقاطعها مع رواية "الطاعون" للكاتب الفرنسي ألبير كامو، ورغم وجود الحدائق الذابلة في ظل قصر النيلين، فهنالك ما يذكر بمدينة وهران الجزائرية التي وقعت تحت الحصار بسبب الطاعون (1947)، وليس هذا غريبا لأن بارليه سبق أن خصص أطروحة عن ألبير كامو بجامعة لوزان بسويسرا، فتبدو الخرطوم في قصته محاصرة بالطاعون الأيديولوجي.
 
ولكن عرض الصحيفة يرى أن مقارنة تجاوزات المهدي مع الوحشية النازية قد تبدو غريبة، ولكن الكاتب يرى أن "مقارنة ما لا وجه فيه للمقارنة"، ضرورية لفهم عالمنا اليوم خاصة أن هناك أوجها كثيرة للتشابه، هاجس النقاء والخوف الذي يولد المواقف وصفاء الذهن من ضده أي من العنف.
 
وبهذه القصة يعود بنا الكاتب إلى الماضي ويستنتج العبر من الأحداث، لأنه لا ينظر إلى التاريخ كما ينظر الغربيون على أنه نهر لا يمكن أن نستحم فيه مرتين، بل التاريخ بالنسبة له يكرر نفسه مثل مذنب كرولس الذي يفتتح به قصته، والذي عبر قبل قرون سماء الصين.

المصدر : الصحافة الفرنسية