التشكيلي الفلسطيني غريب.. لوحات بإيقاع وطن وهموم أمة

عاطف دغلس-نابلس

بدا كل شيء في المكان قديما ويعكس الأصالة بعينها وأنت تتنقل بين جموع لوحات تشكيلية رسمت بريشة فنان دخل عقده الثامن، ولم يملّ عملا احترفه قبل 45 عاما وعرف به محليا وعربيا.

بين لوحاته الفنية تنقل الفنان الفلسطيني مرشد غريِّب وهو يقص علينا تفاصيلها، وكأن لكل واحدة منها حكاية، فبعضها يعود عمره لأكثر من أربعة عقود، وغيرها حديث لم تمض على ولادته أيام، لكن مضامينها بدت منسجمة.

مثل لوحاته يجوب غريب بمعرضه "إيقاعات وطن" دولا عربية حط بها –كالسعودية والأردن– ليؤدي الدور نفسه في مدن فلسطينية بالضفة الغربية بدءا بمدينة نابلس التي أطلق فيها معرضه قبل أيام.

وبتجربته الفنية العميقة زمانا ومكانا، استطاع التشكيلي غريب أن يجد لنفسه حيزا بين قلوب الكبار والصغار ممن اهتموا بأعماله الفنية ويرقبونها، كان ذلك واضحا لدى طلبة المدارس والجامعات وهم يتقاطرون لمشاهدة أعماله ويصورونها بهواتفهم الخلوية.

لوحات بمعرض الفنان مرشد غريب تستوحي رمزا بارزة من الكفاح الفلسطيني وتجذب زوارا كثيرين (الجزيرة نت)
لوحات بمعرض الفنان مرشد غريب تستوحي رمزا بارزة من الكفاح الفلسطيني وتجذب زوارا كثيرين (الجزيرة نت)

المشهد القاتم
في مواضيعه المتنوعة يكمن سرّ الفن التشكيلي عند غريب، فقد عالج بريشته وألوان الزيت حقبا زمنية وأحداثا جللا تعكس -وفق قوله- "قتامة المشهد" الذي تعيشه فلسطين بفعل الاحتلال.

منذ عام 1974، يحاول الفنان غريب أن يصل لمرحلة من فهم حال الفلسطينيين، فلجأ لتجسيد الصراع بأدق تفاصيله في لوحات لم تزل صامدة بعنفوانها، فرسم انتظار الفلسطيني النصر ثم انتقل لانتفاضة الحجارة عام 1987 ثم اتفاق "أوسلو" وترويجه لـ"وهم اسمه الدولة".

وفي أعمال الرجل تكتمل حكاية الوطن، فيرسم الجدار وهو يطوِّق رقاب الفلسطينيين، ثم ينتقل لعناصر أخرى أبرزها الطبيعة والتراث والمرأة التي هي بنظره لا تكبر "وتبقى بعمر الزهور وهي جميلة بكل أشكالها".

يقول غريب إن مواضيعه تنوعت بين الاجتماع والثقافة والسياسة، بدءا بالسلام "المزيف" -بحسب تعبيره- وانتهاء بالانقسام. وكما تناول الهم الفلسطيني، أخذ قسطا من هموم العرب عندما عالج ثوراتهم -فيما عرف بـ"الربيع العربي"- وما آلت إليه "بفعل إفساد الغرب لها".

‪رقصة السلام المزيف كما جسدها الفنان مرشد غريب في أحد أعماله التشكيلية‬ (الجزيرة)
‪رقصة السلام المزيف كما جسدها الفنان مرشد غريب في أحد أعماله التشكيلية‬ (الجزيرة)

تأمل "العتيق"
يستفيض غريب وهو يحكي ما تحمله لوحاته من معان شتى، ويقول إنه لا يفضل عادة أن يسرد للجمهور محتواها، ويتمنى عليه أن يتأملها ويربط بين عناصرها ليعرف مقصدها وإن بنسب متفاوتة، ويضيف "هناك فرق بين المشاهدة العابرة والتأمل".

بعض لوحاته التي عنونها بـ"جيل الغضب" تضامنا مع أبناء شعبه المنتفضين ضد الاحتلال أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كانت سببا في التحريض عليه وتتبع المخابرات السعودية له وبالتالي خروجه من المملكة.

بدت تشكيليات غريب وكأنها تحمل طابع القِدم، فبعضها يرجع إلى ثلاثين عاما وغيرها إلى أربعين وأكثر، وتجسد القِدم باستخدام قوالب وإطارات قديمة ومستعملة، وأحاط جزءا من أعماله بإطارات من الخشب وأعواد الأشجار التي قطعها بيده. وهو يقول إن ذلك لا يرجع لضعف الإمكانيات المادية فحسب، بل لأنه يريد أن يظهرها بشكلها المعتق، حيث وجد في ذلك فرصة لجذب العين ولفت الانتباه، ولا سيما أنه يعكس قيما جمالية تشد الناس لكل ما هو عتيق.

ربيحة بني عودة: لوحات الفنان غريب أسقطت الزمن الماضي على واقع الحال اليوم(الجزيرة)
ربيحة بني عودة: لوحات الفنان غريب أسقطت الزمن الماضي على واقع الحال اليوم(الجزيرة)

الثقافة الفلسطينية
وفحوى رسائل أعمال الفنان غريب كان حاضرا بقوة لدى جمهوره، كالناشطة النسوية ربيحة بني عودة (54 عاما) التي أسقطت واقع عمل يعود لانتفاضة الحجارة عام 1987، يظهر مجموعة من جنود الاحتلال وهم يلتفون على طفل صغير ويحاصرونه بهدف اعتقاله.

تقول السيدة إن هذا المشهد لم يتغير طوال كل تلك السنين الطويلة، وإن جنود الاحتلال لا يزالون يمارسونه "بكل عنف" حتى اليوم خلال اقتحاماتهم اليومية للمناطق الفلسطينية واعتقال الفتية الصغار والشبان.

بأعماله المتعددة، يحاول الفنان الفلسطيني غريِّب أن يعكس شيئا من الثقافة الفلسطينية، معتبرا أن مقياس نجاح أي بلد وتحضره يكون الفن أساس فيه "وبه تقاس حضارته".

لن تتوقف عجلة الرسم عند الفنان مرشد غريِّب ما دام فيه عرق ينبض، وإن كان ضيق ذات اليد يقف حائلا أمام محاولاته، متسائلا في الوقت نفسه عمن سيتبنى يوما أعماله وغيره من الفنانين.

المصدر : الجزيرة