عائشة البصري: الشعر بيتي الأول وروايتي المقبلة عن الحب والدين

الكاتبة عائشة البصري وهي تتسلم جائزة معرض الشارقة للكتاب الدولي
عائشة البصري فازت بجائزة معرض الشارقة للكتاب الدولي-فرع الرواية لعام 2018 (الجزيرة)

حاورتها وصال الشيخ-الرباط

فازت الكاتبة والشاعرة المغربية عائشة البصري مؤخرا بجائزة معرض الشارقة للكتاب الدولي-فرع الرواية لعام 2018، عن روايتها "الحياة من دوني" الصادرة عن "الدار المصرية اللبنانية".

وتدور أحداث الرواية بين 1937 و2012، وتبدأ من مدينة الدار البيضاء في المغرب وتنتهي فيها، وهي قصة عائلة صينية فلاحية فرّت من قرية جسر "تشولانغ" بعد هجوم الجيش الياباني عليها إلى مغارات الجبل الأحمر، ثم إلى مدينة "نانجينغ".

الجزيرة نت قابلت الكاتبة وكان معها هذا الحوار:

– أشرتِ في أحاديث سابقة إلى أن روايتك "الحياة من دوني" ستنتهي بعد "تواصل روحي" مع المجتمع الصيني، وربّما أقمتِ هناك في إقامة فنية… هل وجدت ما بحثت عنه لإنهاء روايتك خلال الإقامة؟

– "الحياة من دوني" حكاية موازية غرائبية مثيرة. عادة نبني الأحداث في أماكن زرناها سابقا، لكنني في "الحياة من دوني" فعلت العكس، فقد بدأت كتابتها سنة 2014 وكان يُفترض نشرها قبل روايتي الثانية "حفيدات جريتا جاربو".

وبعد أن أنجزت الكتابة الأولية، وبحدس الكاتب، أحسست بوجود خلل ما وأنّ الرواية ينقصها الجانب الروحي الذي يسم الشعب الصيني.

ركنت المخطوط جانبا في انتظار دعوة لزيارة الصين، وبعد سنتين، زرت أماكن أحداث الرواية، أهمّها متحف الحرب في مدينة نانجينغ حيث الوثائق والصور والمقابر الجماعية الحقيقية.

لقد كانت "الحياة من دوني" تحديا واختبارا لمدى قدرة المخيلة على تخيل واقع حقيقي ملموس، وفعلا نجحت مخيلتي إلى حد كبير في عكس الأحداث والأماكن، فقد فوجئت بأن القرية التي أخذتني إليها المرافقة -لتتبع مسار الأحداث- تطابق ما رسمته بمخيلتي.

في الرواية تتحدث الساردة عن قرية على ضفاف نهر اليانغتشي يخترقها جسر وطريق كان يعبر منه الجنود اليابانيون، فوجدت في القرية التي زرتها جسرا وشارعا يطلق عليه إلى الآن "ممر ّاليابانيين".

وصادفت أن تكون لمرافقتي -التي رافقتني عدة أيام- نفس طباع وحركات وشكل إحدى شخصيات الرواية.

– ما سبب اختيارك لفضاء أحداث الرواية بين المغرب وفيتنام والصين؟ هل تودين إبراز مشترك ما بينها أم أنه تأثر شخصيّ؟

– يُهيمن واقع المرأة كموضوع على كتاباتي الشعرية والأدبية، وبالتالي فإن موضوع الرواية "اغتصاب النساء في الحروب" في الحرب العالمية الثانية هو الذي فرض عليّ خطا سرديا ينتقل بين الصين وفيتنام، وهو ما لا تنقصه مبررات أو محفزات للكتابة عنه، نظرا لما يعرفه العالم في السنوات الأخيرة من حروب وصراعات.

كنت أتابع برنامجا وثائقيا عن كيفية استقطاب النساء وتجنيدهنّ لـ"جهاد النكاح" في سوريا والعراق، ثم يتحوّلن إلى سبايا. شيء مستفزّ، يدعو للغضب والكتابة عنه، ثم بحثت عن أسْوَد نقطة في تاريخ النساء في القرن العشرين، فوجدت "مذبحة نانجينغ" أو "اغتصاب نانجينغ"، وهي مدينة في شرق الصين عرفت أواخر سنة 1937 أبشع مذبحة وعددا مهولا من حالات الاغتصاب والقتل في وقت قياسي (عشرين ألف حالة اغتصاب خلال ستة أسابيع بحسب وثائق صينية)، من هذه النقطة بدأت الرواية. 

صحيح أن المشترك الثقافي التاريخي بين المغرب وهذا البلد ضعيف، لكن الألم الإنساني يظلّ المشترك بين الشعوب، وهناك مبرر آخر وهو أن المغرب يحتضن جالية صينية مهمة. 

undefined
 
– ما الأحداث التي تدور حولها الرواية؟

– تدور أحداث الرواية بين المغرب والصين وفيتنام خلال فترة زمنية طويلة بين 1937 و2012، تبدأ بمدينة الدار البيضاء المغربية لتعود وتنتهي فيها، وهي حكاية حرب بخلفية موازية ساحتها جسد المرأة.

سنة 1937 شنّ الجيش الياباني هجوما على قرية "جِسْر تْشُولانْغْ" الصغيرة الواقعة في الشمال الشرقي للصين، وفي طريقهم نحو مدينة "نانجينغ" وفي غفلة انشغال العالم بالحرب العالمية الثانية، وسمت اليابان أسوأ نقطة في تاريخ الإنسانية والنساء، خاصة بعدما قتل جيشها رجال المدينة واغتصبوا النساء وحرقوا الزرع واختطفوا الفتيات ليرافقن العسكر كـ"نساء المتعة"، ودفنوا الناس أحياء في مقابر جماعية في المدينة.

"جين مَي" و "قوتشين" توأم لعائلة فلّاحية فرّت من قرية "جِسْر تْشُولانْغْ" إلى مغارات "الجبل الأحمر"، ثم إلى مدينة "نانجينغ". تابعت "جين مَي" حياتها في الصين وعاصرت تحولاتها الداخلية بعد الحرب، أما "قوتشين" فهربت من الصين إلى فيتنام رفقة بائع سلاح فرنسي، لتواجه بعد شهور الحرب الهندوصينية.

خفية، يغادر بائع السلاح مع عائلته الفيتنامية إلى الخارج، وتُتْرك قوتشين لمصيرها المأساوي، فتُلحق بـ"نساء المتعة" المرافقات للجيوش المتحاربة. عاشت حربين، وبقدرة الحب تلتقي بمحمد الشاب المغربي المجنّد في الجيش الفرنسي، وترافقه نهاية الحرب الهندوصينية إلى فرنسا ثم إلى بلده المغرب، حيث عاشت في الدار البيضاء حتى وفاة زوجها. 

سترافقها في ترحالها من الشرق إلى الغرب بحثا عن بلد آمن صورة وحيدة بالأبيض والأسود جمعتها مع توأمها "جين مَي" التي انقطعت أخبارها، وبعد أربعين سنة تزور قوتشين بلدها الصين بحثا عن عائلتها، فلا تجد أحدا سوى رماد جين مَي الذي تعود به في جرّة.

– كيف تتحدثين عن روايتك "الحياة من دوني" بعد إنتاجها، ككاتبة ثم كقارئة؟

– آخذ برأي النقاد والقرّاء، لكنني لا أقرأ رواياتي بعد الطبع. يزعجني وألوم نفسي إن اكتشفت خطأ ما أو ثغرة في الحكي. من طبعي عدم الرضا عن كل ما أنتج، ربّما لإحساسي بالمسؤولية عن تطوير ذوق القارئ العربي، وهو الإحساس الذي يجعلني أجتهد وأبحث عن الجديد.

– لماذا لم تغيري عنوان روايتك؟ هل تؤمنين بأن العناوين الأولى للأعمال هي الأكثر إقناعا وتعبيرا؟

-لا، بالعكس، أغيّر كثيرا في العناوين، قد أغيّرها في اللحظة الأخيرة وهي في المطبعة، لأن العنوان ليس قراري وحدي، الكلّ يعلم أن أي دار نشر احترافية لها مستشار تجاري، بمعنى أن العنوان -كما الغلاف- لا بدّ أن يكون مثيرا ويفتح شهية القراءة.

قد يكون للعنوان ارتباط بالأحداث، أو نتيجة إحساس ومبرر شخصي للكاتب، فعنوان "الحياة من دوني" كان الاختيار الأول، بعد زيارة الصين بدلّته إلى "أوركيديا فبراير" وبقيت الرواية بهذا العنوان مدة طويلة، لكن بناء الرواية على ثلاثة عناوين رئيسية جعلني أعود لاختياري الأول "الحياة من دوني".

– ما الذي تطلبته روايتك هذه أكثر من روايتيك "ليالي الحرير" و"حفيدات غريتا غاربو"؟

– تطلّبت جهدا أكثر في البحث التاريخي في الحروب السابقة كون أحداثها وأماكنها بعيدة عنّي، وبحثا معمقا في المجتمع الصيني في الفترة الزمنية بين (1937 و2001)، وفي عقائده الدينية والمذهبية، في اللباس، والطقس، والنباتات، والحيوانات، واللغات المنطوقة في تلك الفترة.

وبنيت الشخصيات بعد قراءة كتب كثيرة، كما شاهدت الأفلام والأماكن، واعتمدت على مساعدة أستاذة أدب عربي ومترجمة من العربية إلى الصينية للتدقيق في كتابة أسماء الشخصيات والأماكن؛ "الحياة من دوني" استنفدتني.

– كيف استفدتِ من تجربتك الشعرية في التجربة السردية؟ وكيف انتقلتِ بينهما؟ هل سنبقى نراكِ في الشعر؟ وهل تجدين أن الكاتب العربي يجب أن يجرّب الشعر والرواية ليثبت حضوره الأدبيّ؟

– ليس بالضرورة أن يجمع الكاتب بين أجناس أدبية لكي يثبت حضوره في المشهد الثقافي العربي، لكن تعدد الأجناس الأدبية يعد إضافة للأديب، فمفهوم الكتابة أصبح اليوم أوسع لأنه يتعلق بالحرية الإبداعية والحق في التخييل؛ وتختار القضايا والانشغالات شكلها الأدبي للكاتب. 

لم أغادر الشعر لأتفرغ كليا لكتابة الرواية التي تأخذ عادة سنتين أو أكثر، وبالموازاة مع الرواية أعمل على مشاريع شعرية لأن الشعر يظلّ بيتي الأول وأنتصر له دوما.

وقد استفدت من تقنيات الكتابة الشعرية، فجاءت اللغة مكثفة تتجاوز الإخبار إلى آفاق المجاز، دون الإغراق فيه، وهي صيغة صعبة.

هل أستطيع القول إنّ الشعر استفاد من الرواية؟ نعم، انطلاقا من تجربتي المتواضعة، فعندما كنت أجمع مجموعتي الشعرية الأخيرة "السابحات في العطش" التي صدرت بعد رواية "ليالي الحرير"، لمست تسريدا طاغيا على القصائد التي انصهرت بدورها بين المكونات السردية ومقومات الخطاب الشعري.

– ما الذي تريد أن تستمر عائشة البصري في الكتابة حوله؟ هل هناك قلق حول شيء ما أو ثيمة معينة تجدين نفسك فيها؟

– أحاول الآن الخروج من عوالم "الحياة من دوني" قبل الدخول في عوالم رواية أخرى، ربما ستكون روايتي القادمة حول التمييز العقائدي، الحب في خضم صراع الأديان.

إلى جانب "الحياة من دوني" يوجد كتاب يكاد يكون جاهزا، وهو عبارة عن شهادات وحكايات نساء سوريات وكرديات وصينيات وروانديات عن الحرب، جمعتها كمادة أولية لكتابة "الحياة من دوني" وبغاية أن أوصل أصواتهنّ وبوحهنّ المؤلم.

– هناك انتقادات كثيرة مؤخرا لدور الجوائز الأدبية العربية في كونها أفسدت العمل الإبداعي والكُتّاب.. هل ستصبح الجوائز تهمة برأيك للكاتب مستقبلا؟

– منح جائزة إلى مبدع أو مبدعة يشكل تحفيزا نوعيا له أو لها، وبغض النظر عن قيمتها المادية؛ فإن الجائزة فيها اعتراف بقيمة ما ينتجه المبدع، وتحفيز للقرّاء على تناول العمل الفائز.

لذلك يجب أن تتوفر للجوائز لجان ذات مصداقية ووعي بأن منح الجوائز ليس عملا دعائيا أو لعبة إعلامية أو سياسية أو ما شابه ذلك، فالجوائز تصبح انحطاطا أخلاقيا إذا انحرفت عن مقصدها النبيل، وعائقا أمام تطور المسار الإبداعي للكاتب الفائز.

المصدر : الجزيرة