الحرب السورية.. سردية حزينة بإيقاعات متباينة

غلاف روايةالموت عمل شاق لخالد خليفة

هيثم حسين

 

لم تتأخر الأحداث التي شهدتها سوريا عقب الثورة التي اندلعت في مارس/آذار 2011 لتظهر تجلياتها في الأدب السوري الجديد، ولربما يمكن اتخاذ الثورة منعطفا تاريخيا في مسار الأدب السوري، كما في تاريخ البلد برمته، ولاسيما أن الثورة تحولت إلى حرب على يد النظام ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة في البلد بما في ذلك الأدب.

وساهمت الحرب المستعرة بتأثيث حاضر الروائي السوري المعاصر، ودفعته إلى مقاربة جوانب من تأثيراتها على الحياة في الداخل وفي الشتات، في ظل التدمير الذي تعرض له البلد على يد النظام وحلفائه، وكأنما أوكل الروائي لنفسه مهمة ترميم الخراب، واستنهاض الهمم لحفظ الذاكرة والتاريخ، وتدوين مشاهد من الحاضر بفواجعه ومآسيه، موثقا ما كان لمن سيأتي، ومؤديا دورا في تعرية مجرمي الحرب وفضحهم. 

بتخصيص الحديث عن الرواية السورية بعد الثورة، يمكن التقاط عدد من الثيمات المشتركة بين الروايات الصادرة، وقد وصلت إلى عشرات الأعمال التي حاولت مقاربة تداعيات الحرب وتأثيراتها على السوريين ومحيطهم الجغرافي، وحضورهم العالمي.

لا يتعلق الأمر بمَن كتب أولا، أو بمَن نشر أولا، لأن السؤال لا يتعلق بسبق روائي، إن جاز التعبير، لأنه يفترض بالفن الروائي ألا يتعامل بطريقة الفعل ورد الفعل كي لا يكون سطحيا وساذجا وتابعا، وكي لا يقع في مطب التسرع والعجلة.

وهذا المطب قد يفرغها من عمقها الروائي، ويظهر مسعاها لتسجيل أحداث الواقع ومفارقاته بطريقة الاستقصاء أو التحقيق الصحافي، وقد يبقيها مرهونة لمدة زمنية محددة في حين يفترض بالرواية أن تتمتع بعمر أطول من عمر التقرير الصحافي الذي قد يمتاز بالآنية أكثر.

undefined

تقرير وتسجيل
لا تكاد رواية من الروايات المقاربة للشأن السوري، بعد الثورة الحرب، تنجو من فخ التقرير والتسجيل، ذلك أن الواقع يلقي بظلاله على الرواية، ويفرض عليها المرور في دروب بعينها، وتلك الدروب تتقاطع مع التقارير اليومية التي تبثها وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، ما قد يشعر القارئ أنه يتابع نشرات إخبارية أو أفلاماً وثائقية سبق له أن سمع مقتطفات منها، أو رأى مشاهد ومقاطع منها.

تقاطعت عدة روايات في تفاصيل منها في ثيمة التقريرية التي تبدو صورة مكتوبة لمقاطع إخبارية مصورة، منها مثلا "طبول الحب"، "مترو حلب" لمها حسن، "أيام في بابا عمرو"، "عائد إلى حلب" لعبد الله مكسور، "الموت عمل شاق" لخالد خليفة، "دم على المئذنة" لجان دوست. 

لا تكمن العلة في مقاربة الواقع روائيا، بل في محاولة تسجيل مستجداته وأحداثه بطريقة المتابع التلفزيوني، وكأن الروائي في مهمة تفريغ مقاطع فيديو مصورة من اليوتيوب على أوراق، ونثرها تاليا في فصول روائية، ولا يخفى أن مقاربة اللحظة الراهنة تحتمل توريطا بتفاصيل أو تغييبا لأخرى، وقد تظهر العمل مسلوقا على عجل، وكأنه ينساق وراء الضجيج الإعلامي والتركيز الإخباري على الشأن السوري.

هناك أعمال سورية أخرى ارتأت النبش في التاريخ السوري وصولا إلى اللحظة الراهنة، قاربت ممهدات الثورة وموجباتها التاريخية والاجتماعية، منها مثلا رواية "السوريون الأعداء" لفواز حداد، و"رقصة القبور" لمصطفى خليفة، و"نفق الذل" لسميرة المسالمة، و"عين الشرق" لإبراهيم الجبين، "كان الرئيس صديقي"، "لقلبك تاج من فضة" لعدنان فرزات، "وطأة اليقين" لهوشنك أوسي.

undefined

نهايات مفتوحة
كما ظهرت أعمال وحاولت تقديم تصورات بانورامية لمختلف التوجهات في الحالة التي وصلت إليها الحرب في البلاد منذ انطلاقة الثورة وحتى الوقت الذي صدرت فيه، منها "الذين مسهم السحر.. شظايا الحكايات" لروزا ياسين حسن، و"الشاعر وجامع الهوامش" لفواز حداد.

هناك أعمال أخرى التقطت زوايا مختلفة من الحالة السورية الراهنة، كرواية "المشاءة" لسمر يزبك التي سعت إلى الإشارة إلى مأساة الطفولة المهدورة والضياع المعمم، وأسلمت قياد الرواية لقصة طفلة تدين بعينها البريئة الوحشية التي تشهدها وتنقلها إلى القراء.

لربما يلاحظ المتابع أن معظم الأعمال المقاربة للحرب السورية تكاد تتقاطع في مسألة النهاية المفتوحة، باعتبارها تقدم مشهدا مبتورا ما يزال يكمل تفاصيله ويمضي إلى نهاية مجهولة، ولا يخلو بعض الأعمال من نهايات رغبوية، تكون صدى لما يحلم به الروائي وما تفترضه مسارات أحداث عمله. 

ولعل من اللافت استنكاف روائيين سوريين عن مقاربة ما يجري في البلد، وكأنهم ينتمون إلى بلد آخر لا يعنيهم ما يجري في سوريا، ومن هؤلاء مثلا حيدر حيدر صاحب "وليمة لأعشاب البحر" الذي ظل صامتا حتى الآن، وآخرون اختاروا الوقوف إلى جانب النظام في حربه المفتوحة على السوريين، ولم يعدموا اختلاق التبريرات والأعذار لأنفسهم لاختيارهم ضفة النظام والصمت على ما اقترفه ويقترفه بحق البلاد. ومن الممكن ملاحظة فتور روايات معسكر القتلة؛ معسكر النظام، والبقاء وراء جدران الصمت بانتظار إكمال القنابل والبراميل والطائرات ما بدأته من تدمير.

من الملاحظ أيضا غياب أي حضور للروايات السورية عن الجوائز العربية، وبخاصة الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر العربية و"كتارا" في دورتيها الأخيرتين، وكأن الرواية السورية تمر بأزمة، في الوقت الذي تمر بمنعطف يدفعها للواجهة والصدارة، لا من منطلق الدعاية المصاحبة والاهتمام الإعلامي بالشأن السوري، بل لأنها تقارب واقعا يضج بالحكايات والقضايا التي تستحق أن تجد مجالا للمتابعة والتقدير.

المصدر : الجزيرة