إهانة بوجدرة تثير غضبا من الكاميرا الخفية بالجزائر
ياسين بودهان-الجزائر
وقبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان، وجهت "سلطة ضبط السمعي البصري" تحذيرا للقنوات التلفزيونية من مغبة الإساءة لكرامة الإنسان في برامج الكاميرا الخفية، التي قالت الهيئة إن "بعضها يحمل مشاهد عنف وخشونة وإساءة للأخلاق".
ورغم هذا التحذير، سارعت مختلف القنوات التلفزيونية الخاصة إلى إنتاج العشرات من برامج الكاميرا الخفية، موضوعها الأساسي ترويع الضيوف، والإساءة إلى كرامتهم بأشكال ووسائل مختلفة.
وما حدث مع بوجدرة كان الأبرز والأكثر تأثيرا، حيث تعرض لاستنطاق بشأن عقيدته ودينه خلال استضافته في برنامج "رانا حكمناك" الذي تبثه قناة "النهار" الخاصة. ويعد بوجدرة (1941) من أبرز الوجوه الأدبية في الجزائر، ويكتب باللغتين العربية والفرنسية.
ومباشرة بعد بث الحلقة، انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بردود فعل غاضبة ومستنكرة لما تعرض له بوجدرة، وسارع مثقفون وكتاب من داخل وخارج الجزائر لإصدار بيان تنديد سجلوا فيه بكثير من "الغضب الاعتداء السافر والمقصود على الروائي الكبير رشيد بوجدرة".
صدمة للمثقفين
وشكل البرنامج حسب البيان "صدمة للمثقفين والمشاهدين والمجتمع المدني عامة بسبب موضوع الحلقة أولا، وأسلوب الترويع الذي مورس على الروائي في استنطاقه، والتدخل في حريته الشخصية ثانيا، وإرغامه على التصريح بعقيدته قسرا وتحت التهديد".
وشارك السبت الماضي العشرات من المثقفين في وقفة احتجاجية للتنديد بالواقعة أمام مقر سلطة ضبط السمعي البصري بالعاصمة الجزائر، وهي الوقفة التي صنع فيها السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الحدث بمشاركته فيها، حيث أكد أنه "يشارك في الوقفة للتضامن كمواطن مع بوجدرة".
وعبّر كبار الكتّاب والروائيين عن تضامنهم مع بوجدرة، وفي السياق وصف الروائي واسيني الأعرج ما حدث "بالشيء البائس"، وكتب بصفحته على فيسبوك "لا يعقل أن يهان كاتب كبير بطريقة متخلفة لا تراعي أي شيء في الضيف لا سنه ولا ثقافته الكبيرة، ولا اسمه، في حلقة يفترض أنها ترفيهية، أي ترفيه؟ حقيقي كدت أصرخ: ما هذا البؤس؟ عندما يوضع رشيد على حافة مساءلة تكاد تكون إجرامية بين المؤسسة الدينية والأمنية؛ إجرامية لأنها تضع حياة شخص على حافة الخطر والقتل المجاني وهي لا تبالي".
وتساءل الأعرج باستغراب "أين رشيد الكاتب والروائي والشخصية العالمية لابتذال وضعه بتلك الطريقة والحط من قيمته؟ أجزم أن الذين حاوروه لم يقرؤوا كتابا من كتبه ولا يعرفون عنه إلا حادثة الإلحاد التي حولته إلى طعم سائغ للقتلة".
المعاملة التي تعرض لها بوجدرة في رأي رئيس الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية عمر بوساحة تعطي فكرة عن النظرة التي ينظر بها الإعلام الثقافي بالجزائر إلى المثقف، حيث لاحظ أن "هناك نظرة دونية فيها شيء من الاحتقار والمس من كرامة المثقف".
ألم عميق
ورأى الشاعر عبد العالي مزغيش أن ما حدث مع بوجدرة هو القطرة التي أفاضت الكأس، وبيّن للجزيرة نت أن "المثقفين بسبب ما حدث وقفوا وقفتهم المؤجلة منذ ربع قرن"، فالوقفة التي جمعت كل أطياف المثقفين "كان عنوانها واضحا، وهو لا لإقحال المجتمع من القيم".
ردود الفعل الغاضبة دفعت مدير قناة النهار أنيس رحماني إلى الإعلان عن وقف بث الحلقات المتبقية من حلقات "رانا حكمناك"، وبعد أن قدم اعتذاره في البداية لبوجدرة عبر تغريدة في حسابه على تويتر فإنه تراجع لاحقا وقال في تغريدة جديدة إنه سحب ذلك الاعتذار.
في المقابل، أدان مجلس سلطة ضبط السمعي البصري في بيان له السبت التصرفات المنتهكة لأحكام مدونة أخلاقيات المهنة وأبدى تعاطفه التام مع بوجدرة.