فن الجداريات يزين شوارع الرباط

جدارية نتاليا العملاقة
جدارية عملاقة رسمتها فنانة أوكرانية على واجهة مدرسة عليا بالعاصمة الرباط (الجزيرة)

عزيزة بوعلام-الرباط

في مشهد يشدّ الانتباه بمختلف أحياء وأزقة الرباط، وضعت العاصمة المغربية جدرانها "تحت تصرف" فناني الغرافيتي لتزيينها، في إطار فعاليات "جدار-لوحات الشارع" التي تمتد إلى نهاية أبريل/نيسان الجاري.

اعتلت نتاليا -وهي فنانة غرافيتي أوكرانية- رافعة حديدية لتضفي لمسة جمالية على جدار بناية المدرسة الوطنية العليا للمعادن، وهي مؤسسة حكومية تعليمية في مجال الصناعة والمعادن توجد قبالة محطة القطار "الرباط-أكدال".

غمست نتاليا ريشتها في خليط الألوان الزيتية، وشرعت تفرغ إيقاعاتها التشكيلية بكل حرية وإبداع على الجدار، الذي سرعان ما اكتسى مع توالي أيام المهرجان حلة تشكيلية زاهية، كشفت عن لوحة فنية استقطبت اهتمام المارة ودفعتهم للتوقف والنظر إلى أعلى لمتابعة نتاليا وهي ترسم في الهواء الطلق منذ الخطوط الأولى للجدارية إلى مراحلها الأخيرة.

وتدعو اللوحة المارة إلى التماهي مع صورة فتاتين بمساحة ضخمة وقياسات عملاقة، قالت نتاليا في حديث للجزيرة نت "إنها تعكس من خلال الألوان رسالة محبة وتواصل".

بدت الفنانة الأوكرانية مستمتعة بهذه التجربة الفنية التي تشارك بها لأول مرة في المغرب، وعبرت عن سعادتها بالتفاعل مع إبداعاتها في أجواء مفتوحة، وقالت إنها تمنحها "متعة حقيقية لا تحظى بها عندما ترسم منفردة".

‪الفنان الإسباني أنطونيو ماريست منكب على تزيين أرضية منتزه التزلج بكورنيش الرباط‬ (الجزيرة)
‪الفنان الإسباني أنطونيو ماريست منكب على تزيين أرضية منتزه التزلج بكورنيش الرباط‬ (الجزيرة)

لوحة مشتركة
وامتد هذا الإبداع لما هو أبعد من الجدران بالمهرجان، حيث زينت أرضية منتزه التزلج (سكيت بارك) الموجود في كورنيش الرباط، في أجواء فنية وتنافسية بين ستة فنانين مغاربة ملؤوا المكان فنا وجمالا، تحت قيادة فنان الجداريات الإسباني أنطونيو ماريست، الذي يشرف على هذا المشروع الجماعي.

وقال أنطونيو إن لوحتهم المشتركة "عبارة عن إيحاءات وأعمال فنية مزجت بين مدارس مختلفة، لإيجاد شكل جمالي خطته أيدي فنانين واعدين، حملوا على عاتقهم التعبير عن جمال طبيعة المدينة وحضارتها العريقة"، وأضاف في حديث للجزيرة نت أن "مستوى هؤلاء الفنانين جيد، ويملكون فضولا كبيرا ورغبة في التعلم".

وعبّر الفنان أنس الضو عن سعادته بالمشاركة في هذا العمل، وقال "إنه فتح أمامه المجال لاكتساب خبرات ومهارات جديدة تساهم في صقل موهبته الفنية".

وأما الفنانة يسرا قيصر فكشفت أنها لأول مرة تُخرج أفكارها الفنية من ضيق المرسم إلى رحابة الشارع، وأضافت أن المشاركة في لوحة جماعية "فرصة جيدة للاقتراب من إبداعات فنانين آخرين ومناقشتهم في أساليب التعبير عن أفكارهم".

ألوان من العالم
ورغم أن الفنان المغربي يؤدي دورا مساعدا في مهرجان "جدار-لوحات الشارع"، الذي يقام هذا العام تحت شعار "التعددية الثقافية في الفضاء العام"، ويشتغل فيه عشرون فنانا من المغرب وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وكولومبيا واليونان ورومانيا وأوكرانيا ومصر والمكسيك على 12 جدارا بمختلف الأحياء ذات الواجهات العملاقة لتحويلها إلى أماكن مليئة بالألوان والإبداع.

ويشير مدير المهرجان محمد المغاري إلى أن استقدام فنانين أجانب "قيمة مضافة كونه يساهم في صقل خبرة المواهب الشابة بالمغرب"، وأوضح المغاري أن مهرجان "جدار" الذي انطلق عام 2015 يراهن على ترسيخ مغربية الرسومات على الجدران.

وذكر المتحدث نفسه أن من أهداف المهرجان تسجيل مدينة الرباط ضمن خريطة فن الشارع العالمية، وذلك بدعم من برنامج "الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية"، وهو مشروع أطلقه الملك محمد السادس بهدف الارتقاء بالمدينة إلى مصاف العواصم العالمية الكبرى في المجال الثقافي.

‪جداريات تحت تصرف فناني الغرافيتي لتزيينها في إطار فعاليات
‪جداريات تحت تصرف فناني الغرافيتي لتزيينها في إطار فعاليات "جدار لوحات الشارع"‬ (الجزيرة)

فن حديث
وترى الأستاذة بالمعهد العالي للتنشيط الثقافي ماجدولين العلمي أن فن الشارع تكرس حديثا في مدينة الرباط بوصفه شكلا تعبيريا معترفا به، بعد أن كان يعتبر "أعمال تخريب".

وذكرت ماجدولين أن الرسومات الجدارية تساهم في إعادة تملك التراث الثقافي للمدينة، كما أنها تشكل مصدرا للجمال في المساحات العامة، كما يمحى بها "قبح" الأماكن المهملة، وترى ماجدولين أن تخصيص أسوار لفناني الجداريات بات ضرورة ملحة، "لأن هذا الفن يجب أن يكون في الشارع ومع الناس في كل الأوقات، وليس مناسباتيا فقط".

المصدر : الجزيرة