الوكيل الأدبي بالعالم العربي.. وساطة بلا وسيط

تصميم فني يجمع الشعارات: - شعار الجائزة العالمية للرواية العربية التي تعرف بالبوكر العربية - شعار المؤسسة العامة للحي للثقافي كتارا - شعار جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي - شعار جائزة نجيب محفوظ
الجوائز أنعشت النشر نسبيا بالعالم العربي لكن سوق الكتاب هشة والوكيل الأدبي غائب (الجزيرة)

هيثم حسين

هل هناك ما يعرف بالوكيل الأدبي في العالم العربي؟ هل دخلت الكتابة وصناعة الكتاب مرحلة مؤسساتية منظمة في سوق تعاني من التخبط والهشاشة؟ هل ساهمت حمى التهافت على الجوائز الأدبية في ظهور وكلاء أدبيين؟ إلى أي حد تسهم سوق الكتاب والتوزيع في تبلور هذه المهنة؟ 

 
حين السؤال عن صناعة الكتاب وسوق النشر وما إن كانت قد تكرست أية عقلية مؤسساتية تفرض تقاليدها الاحترافية على المساهمين في عملية التأليف والكتابة والترجمة والنشر والتوزيع وصولا إلى القارئ وبحثا عن فرص توسيع دائرة المتلقين للعمل المنجَز، يكتشف السائل فجوة في سوق النشر العربية تتمثل في غياب الوكيل الأدبي. 

الوكيل الأدبي في الغرب حلقة رئيسة في صناعة الكتاب وعالم النشر يكاد يكون مؤسسة بذاته، يتحدث باسم الأدباء ويحمل على عاتقه تصدير أعمالهم إلى دور النشر والتواصل والاتفاق والتعاقد معها، ويسعى إلى ضمان الحقوق بما يفيده باعتباره وكيلهم، وأي مكسب يحققه لهم إنما يحققه لنفسه أيضا من خلالهم.

يبحث الوكيل الأدبي عن أنسب الصيغ لتسويق أعمال موكليه، يحقق توازنا في صناعة الكتاب، فالكاتب الذي ينهض بمهمة تأليف عمله ربما يفتقد سبل التواصل ومهارات اللعب في سوق الكتاب والتي يفترَض فيها نوع من التسويق الذي يجيده الوكيل، وفتح قنوات التواصل مع الآخرين بحثا عن توسيع مدى موكله، وربما الانفتاح على أسواق جديدة يمكن أن تحقق له انتشارا وربحا.

‪‬ ساكن: معظم الناشرين تجار كتب همهم ابتلاع الكاتب
‪‬ ساكن: معظم الناشرين تجار كتب همهم ابتلاع الكاتب

غياب وضعف
في العالم العربي يتواصل الكاتب مباشرة مع الناشرين وهو مضطر لذلك، وقد يصاب بخيبات أمل متتالية، وقد تتعرض حقوقه للهضم بعد نشر كتابه، وربما يضطر لدفع تكاليف طباعة عمله في بعض الأحيان، ويجد نفسه في موقف ضعيف أمام الناشر الذي لا يعطيه أية حقوق مادية.

قد يرتدي بعض الناشرين عباءة الوكيل الأدبي، وذلك في مسعى لتقاسم كعكة الجوائز مع المؤلفين الذين ينشرون لهم، معتمدين على نفوذهم وقدرتهم على التأثير في لجان التحكيم أو مجالس الأمناء، ولا يفسحون أي مجال لأي وكلاء مفترضين لمزاحمتهم في ملعبهم وسوقهم.

أثار السؤال عن الوكيل الأدبي في سوق النشر العربية شجون كثير من الأدباء الذين تواصلنا معهم بهذا الخصوص، وعكس الإحباط في صفوف المتحدثين مدى خيبة الأمل من عدم ارتقاء صناعة الكتاب إلى صيغة مؤسساتية في مختلف أرجاء العالم العربي، إلا ما ندر.

في تصريح خاص للجزيرة نت ذكر الروائي السوداني عبد العزيز بركة ساكن المقيم في النمسا أن دار "زولما" الفرنسية وكيله وناشره في الوقت نفسه، وهي دار صغيرة ولكنها من أشهر الدور في فرنسا وأنها لا تطبع أكثر من عشر روايات في العام، ولا تنشر لأي أديب فرنسي مقيم في فرنسا، وتهتم بالتنوع وأدب الكاريبي وهايتي بالذات و"أنا أول كاتب يكتب بالعربية تقوم بترجمته".

وفيما يخص التعاقد والوكالة يقول ساكن "يحكمنا قانون صارم، ولكنهم -كما قال لي المترجم الفرنسي- إنه لأول مرة يشهد أن وكيلا يقوم بتفريغ كاتب للكتابة". ويؤكد ساكن أنهم يعاملونه بصورة راقية ويرسلون له مبلغا نهاية كل شهر لتغطية مصاريفه لأنه لا يتقاضى أية نقود من حكومة النمسا، كما أنهم ينظمون سفره لحضور المهرجانات ويديرون ترجماته للغات الأخرى وأعمال السكرتارية، وتقريبا كل ما يتعلق بنتاجه الأدبي.

وبالحديث عن البلاد العربية يشير ساكن إلى أن "معظم الناشرين عبارة عن تجار كتب ليس إلا، همهم ابتلاع الكاتب، بل إن بعضهم يأخذ نقودا من الكاتب مقابل النشر. وفعلت بعض الدور التي لها علاقة بالشرق الشيء نفسه في فرنسا وبعض الدول الأوروبية، وكان تعليق وكيلتي: هذه الدور لا يحترمها الفرنسيون ولا تدعى للمشاركة في المعارض التي تقيمها المؤسسات ولا تدخل كتبها ضمن تقييم الأكاديمية الفرنسية أو غيرها من المؤسسات التي تهتم بالأدب".

حسام القماطي: وجود وكيل أدبي سينعش سوق الكتاب والنشر بشكل عام(الجزيرة)
حسام القماطي: وجود وكيل أدبي سينعش سوق الكتاب والنشر بشكل عام(الجزيرة)

فرصة سانحة
أما حسام القماطي المدير المسؤول بإدارة الإنتاج والحقوق في شركة "كتاب صوتي" السويدية، فقد لفت في تصريح للجزيرة نت إلى أنهم واجهوا بعض المشاكل أثناء تواصلهم مع الكُتاب العرب لتحويل أعمالهم إلى كتب صوتية، ويقول "بعد أن اكتشفنا غياب وجود دور الوكيل الأدبي في سوق الكتاب العربي، كانت هناك صعوبة في الوصول لأصحاب الحقوق، وهناك غياب جهات مختلفة للتفاوض معها ومعرفة الفرص وتقييمها".

ويرى القماطي أن وجود وكيل أدبي سيساعد في دفع العجلة التجارية بشكل ناجح في سوق الكتاب وسوق النشر بشكل عام. ويجد أن هذا لا تستطيع دور النشر القيام به لتضارب في المصالح أحيانا بينها وبين الكتاب.

وينوه إلى أنه كانت هناك حالات نادرة صادفوا فيها وجود وكلاء أدبيين، ووصف التجربة بأنها كانت ممتازة، وأنهم تمكنوا من الوصول لتفاهم وتعاقد بشكل أسرع وبطريقة أفضل، وكانت النتيجة النهائية إيجابية لهم كشركة وللكتاب ووكلائهم.

وخلص القماطي للقول إن الوقت مناسب جدا لظهور وكلاء أدبيين حاليا في السوق، لأن سوق النشر تشهد طفرة كبيرة جدا سواء ورقيا أو إلكترونيا، أو ككتب صوتية، وأعمال الترجمة تشهد انتعاشا كذلك، لذا فإن الفرصة سانحة لملء الفراغ.

المصدر : الجزيرة