كوثر عظيمي تقرأ معاناة المرأة الشرقية العزباء روائيا

غلاف رواية الكاتبة الجزائرية كوثر عظيمي الجديدة، "حجارة في جيبي"

أنطوان جوكي

"أنا بَيْنَ بَيْن، لا في الأمام ولا في الخلف. لستُ بشعة ولا رائعة. عالقة بين الجزائر وفرنسا، بين إلحاح أمي الضاري على عودتي إلى المنزل للزواج وبين حياتي الباريسية".

هذه الفقرة نقرأها في رواية الكاتبة الجزائرية كوثر عظيمي الجديدة "حجارة في جيبي"، وتشكّل خير تلخيص لمضمون هذا العمل الذي صدر حديثاً عن دار "سوي" الباريسية بعد صدوره عن دار "برزخ" الجزائرية.

الرواية مكتوبة على شكل دفتر يوميات حميمة تسرد فيه شابة جزائرية في سن الثلاثين حاضرها الممزق بين قلق وأمل، وأيضاً بعضاً من ذكريات طفولتها ومراهقتها اللتين عاشتهما في وطنها قبل أن ترحل إلى باريس للفرار من مجتمع يتعافى بصعوبة من العشرية السوداء.

لكن استقرارها في "مدينة الأنوار" لن يحول دون شعورها بحنينٍ يقضّ مضجعها. حنين إلى حياة عائلية فقدتها مع رحيلها، وحنين إلى وطنها رغم اختبارها فيه "ضوضاء القنابل، صراخ الناس، غضب بعضهم، ويأس بعضهم الآخر".

في مكانٍ ما من الرواية، تقول الراوية: "لا نغادر الجزائر كما نغادر أي بلد آخر. يحتاج الأمر إلى قوة لقول الوداع إلى عصا الجد القابعة في الزاوية، إلى الأب المريض، إلى الأم الباكية". ويكفي أن تشاهد في منفاها نملة حمراء، كتلك التي سكنت طفولتها، حتى تتسارع دقات قلبها وتعمد إلى شراء بطاقة سفر للعودة خوفاً من أن تكون قد فقدت بعضاً من روحها في المدينة الأوروبية التي تقطنها.

بعيداً عن ماضيها، تعمل الراوية في باريس داخل دار نشر تعنى بإصدار مجلات مخصّصة للأطفال. وقد يرى البعض في ذلك إنجازاً، لكن عظيمي تبيّن لنا من خلال معاش بطلتها أن الأمر ليس بهذه البساطة. فإلى جانب "تعذّر تكوين صداقات حقيقية داخل مدينة غريبة"، باريس هي المدينة التي "تتحطّم فيها الأحلام" و"تقضم العزلة الجسد".

الرواية مكتوبة على شكل دفتر يوميات حميمة

وحدة
ولذلك نجد الراوية سائحة في واقعها اليومي، تسعى عبثاً إلى نسج علاقات، وتمضي لياليها وحيدةً في شقّتها الصغيرة. وفي أحد الأيام تتلقى مكالمة من والدتها تخبرها فيها أن أختها الصغرى ستتزوج قريباً، وتطلب منها المجيء لحضور حفلة الخطوبة، فيبدأ العد العكسي للأيام القليلة التي تفصلها عن العودة إلى وطنها، ومعه القلق من ملاحظات الأهل والأقارب لكونها لا تزال عزباء.

تجدر الإشارة هنا إلى أن عظيمي لا تهدف في روايتها إلى تسليط الضوء على موضوع الزواج وصعوباته داخل المجتمع الجزائري بقدر ما تهدف إلى الاستعانة بهذا الموضوع لنقد المجتمعات العربية حيث يتم اختزال قدر المرأة، منذ ولادتها، بضرورة واحدة هي الزواج.

ويتجلى هذا الاختزال في إلحاح والدة الراوية على ابنتها، في كل مكالمة معها، من أجل العثور على عريس لها "قبل فوات الأوان"، وتجاهلها كلياً إمكانية تحقيق ابنتها لنفسها من خلال عملها، وبالتالي استقلاليتها.

أكثر من ذلك، تسعى الكاتبة إلى تصوير السخرية والاحتقار اللذين تتعرّض لهما المرأة العزباء في مجتمعاتنا من طرف الرجال والنساء معاً الذين يتجاهلون غالباً الصعوبات التي يمكن أن تلاقيها هذه المرأة للعثور على رفيق دربها، وبالتالي إمكانية أن يعاكس القدر رغبتها الحقيقية في الزواج، كما هي حال الراوية.

ولا تهمل عظيمي الضغوط التي تتعرّض لها المرأة العزباء في الغرب أيضاً، ففي مكان ما من الرواية تشير الراوية إلى "التلوث البصري والسمعي" الذي يحاصرها في فرنسا، كالمجلات التي تقول لها باستمرار إن فرصة المرأة في العثور على رفيق دربها تتضاءل إلى 20% حين تبلغ سن الثلاثين، أو الصحف التي تتناول بشكلٍ ثابت نسبة الانتحار العالية لدى العازبات، أو الروزنامة التي تذكّرها بالأعياد الكثيرة التي يتعذّر الاحتفال بها حين نكون وحيدين.

عنوان الرواية "حجارة في جيبي" يتضمن تحية خفيّة للكاتبة الإنجليزية فيرجينيا وولف التي انتحرت غرقاً عبر ملء جيوبها بالحجارة

العودة
وأبعد من موضوعَي العزوبة والزواج اللذين تعالجهما بطرافة وحساسية شديدة، تتطرق عظيمي في روايتها إلى مواضيع أخرى كثيرة، كسؤال العودة إلى الوطن الذي لا يفارق المهاجر، والعزلة التي يعاني منها في منفاه، وصعوبة اندماجه كلياً في مجتمع غريب، من دون أن ننسى موضوع الهامشية المقارب برقّة عبر شخصية كلوتيلد المتشرّدة، صديقة الراوية الوحيدة في باريس، والتي تؤازرها في محنتها وتبدد بعضاً من كآبتها.

يبقى أن نشير إلى أن عنوان الرواية "حجارة في جيبي" يتضمن تحية خفيّة للكاتبة الإنجليزية فيرجينيا وولف التي انتحرت غرقاً عبر ملء جيوبها بالحجارة، علماً بأن الحجارة التي تضعها الراوية في جيوبها ترمز إلى الذكريات التي تثقل كاهلها وفي الوقت نفسه تواسيها.

المصدر : الجزيرة