الذين مسهم السحر.. توثيق المشهد السوري روائيا

غلاف ( الذين مسهم السحر

هيثم حسين

تقدم السورية روزا ياسين حسن في روايتها الجديدة "الذين مسهم السحر" صورة شاملة عن واقع بلادها منذ انطلاقة الثورة السورية في مارس/آذار 2011 وحتى 2013، مروراً بالتطورات اللاحقة، وكيف تم التمهيد بعنف للأيام المفصلية التي تمر بها سوريا التي تطحنها آلة حرب دموية، تسببت في تشريد الملايين من أبنائها وتدمير العديد من المدن والبلدات.

تختار روزا، المقيمة في ألمانيا منذ 2012، عنواناً فرعياً لعملها هو "من شظايا الحكايات"، يتبدى معبراً عن البناء الفني للرواية من جهة، والحكايات الكثيرة الملتقطة من جهة أخرى، إذ إن هناك تعدداً في الأصوات والرواة، بالإضافة إلى تنويع في مستويات اللغة، ناهيك عن إدراج حكايات كثيرة في سياق الثورة وتداعياتها، وإيراد عشرات الشخصيات تحت عنوان التحول الكبير في البلد.

ترمز صاحبة "نيغاتيف" إلى حماسة المتظاهرين السلميين ضد نظام الأسد وكيف كانوا يقتحمون غمار الموت المتربص بهم، يسعون إلى التحدي والشهادة، يبدون كَمن مسهم سحر ما يخرجهم من طور إلى آخر، وكأن حالة السحر تعدي الجميع وتؤثر بهم، فترى الناس أفواجاً من الممسوسين بعشق الحرية المنشودة يهتفون لها ويسعون للخلاص.

تستعين مؤلفة "حراس الهواء" بوجهات نظر مختلفة، تحكيها على ألسنة شخصياتها التي تختارها من مختلف أطياف المجتمع السوري، وتحضر سلسلة سجالات بين الشخصيات المتصارعة في بقاع متعددة من البلاد، عن المعارضة والموالاة، عن الطائفية وظلالها الثقيلة على أرض المعركة الدائرة في أكثر من جهة وجبهة.

روزا ياسين حسن تقول إنها جربت طرح أسئلة تشغل تفكيرها وتفكير الكثيرين(الجزيرة)
روزا ياسين حسن تقول إنها جربت طرح أسئلة تشغل تفكيرها وتفكير الكثيرين(الجزيرة)

لوحة فسيفسائية
تنزع الروائية عن صوت راويتها الأقنعة، تستنطقها وتدفعها للتكلم بصوتها مزيحة ذاك الخيط الفاصل بينهما، تكون "هبة" انعكاس صوت الكاتبة ورؤيتها، تختم بما تظنه عبرة لمن مسهم السحر، أو مسحهم عنف الحرب وشردهم بين الأصقاع والحدود.

بنوع من الأسى الممهور بالأمل، لا تضع نقطة في نهاية الرواية، بل تكتب "وللحديث بقية…" في إشارة لاستمرارية الحكايات وتأثيرات شظاياها المتناثرة هنا وهناك، ووعد برواية قادمة ربما تكمل لملمة ما بدأته من شظايا، أو تستكمل صيغة الحلم وتمتح من الذاكرة والواقع معاً في محاولة لإكمال الصورة.

في تصريح خاص للجزيرة نت، ذكرت الروائية روزا ياسين حسن أن روايتها أشبه بلوحة فسيفسائية ملونة تشبه المشهد السوري، وأنها مزيج بين التوثيق بأشكاله وبين التخييل، أو محاولة لحمل الوثيقة من موقعها التقريري السطحي إلى الموقع الروائي الأدبي التخييلي.

تقول روزا إنها جربت في هذه الرواية طرح الأسئلة التي تشغل تفكيرها كثيراً، وتفكير الكثيرين غيرها: لماذا وصلنا إلى هنا؟ كيف تطورت الأحداث منذ قيام الثورة إلى أن تحولت لما يشبه حرباً أهلية؟ هل تغيرت بنية المجتمع أم أن الأمر مجرد ردود أفعال؟! هل هي ثورة شعبية أم لعبة دولية أم مؤامرة كما يحلو للبعض تسميتها؟!

الحكاية المتشظية عبر الزمان والمكان والشخوص خلقت رواية متشظية كذلك، تشبه وضع البلاد، وكان هذا من أهم التقنيات المستخدمة في الرواية..

توثيق وتخييل
وتستدرك قائلة إن بحثها ذاك لم يكن بحثاً أكاديمياً وإنما كان في داخل الشخصيات كما كان في الحدث الخارجي، محاولة العثور على الأجوبة، التي لم تعثر عليها، عبر قراءة أمزجة الشخصيات وآرائها ومواقفها وحكاياتها وتغيراتها.

ومن هنا كانت محاولة تدوين حكايات السوريين عبر ذلك الوقت، تلك الحكايات التي بقيت في العتمة، والتي لا يتكلم الإعلام عنها. أي قص التفاصيل التي تخص كل شخصية حتى لا يتحول البشر إلى مجرد أرقام في إحصائيات الموت والخراب، كل شخصية من السوريين التي صنعت هذا الحاضر.

أو لنقل إنها محاولة لحكي التاريخ الحقيقي السري للسوريين، وليس التاريخ المشهر الذي يكتبه كل طرف كما يريد، والذي يحوره كل طرف بما يخدم مصلحته.

بالإشارة إلى الجانب الفني في عملها، تؤكد روزا أن الحكاية المتشظية عبر الزمان والمكان والشخوص خلقت رواية متشظية كذلك، تشبه وضع البلاد، وكان هذا من أهم التقنيات المستخدمة في الرواية: التشظي الزمني الذي يتبدل دوماً من وقت إلى آخر، والتشظي المكاني الذي تقفز العين الراوية فيه من مكان إلى آخر، مما سهل الإحاطة بالوضع العام في البلاد.

المصدر : الجزيرة